فقال أي خسارة أعظم من خسران لقائي! والغرض أن هذه النيات متفاوتة الدرجات، ومن غلب على قلبه واحدة منها ربما لا يتيسرله العدول إلى غيرها. و معرفة هذه الحقائقتورث أعمالا و أفعالا لا يستنكرهاالظاهريون من الفقهاء، فإنا نقول: من حضرتله نية في مباح، و لم تحضر في فضيلة،فالمباح أولى، و انتقلت الفضيلة إليه، وصارت الفضيلة في حقه نقيصة، لأن الأعمالبالنيات، و ذلك مثل العفو، فإنه أفضل منالانتصار في الظلم، و ربما تحضره نية فيالانتصار دون العفو، فيكون ذلك أفضل و مثلأن يكون له نية في الأكل، و الشرب، والنوم، ليريح نفسه، و يتقوّى على العباداتفي المستقبل، و ليس تنبعث نيته في الحالينللصوم، و الصلاة، فالأكل، و النوم هوالأفضل له بل لو ملّ العبادة لمواظبتهعليها، و سكن نشاطه، و ضعفت رغبته، و علمأنه لو ترفه ساعة بلهو و حديث عاد نشاطه،فاللهو أفضل له من الصلاة. قال أبوالدرداء: إنى لأستجم نفسي بشيء من اللهو،فيكون ذلك عونا لي على الحق. و قال علي كرمالله وجهه. روحوا القلوب فإنها إذا أكرهت عميت. و هذهدقائق لا يدركها إلا سماسرة العلماء دونالحشوية منهم. بل الحاذق بالطب قد يعالجالمحرور باللحم مع حرارته، و يستبعدهالقاصر في الطب، و إنما يبتغى به أن يعيدأو لا قوته ليحتمل المعالجة بالضد. والحاذق في لعب الشطرنج مثلا قد ينزل عنالرخ و الفرس مجانا، ليتوصل بذلك إلىالغلبة. و الضعيف البصيرة قد يضحك به، ويتعجب منه، و كذلك الخبير بالقتال قد يفربين يدي قرينه، و يوليه دبره، حيلة منهليستجره إلى مضيق، فيكر عليه فيقهره فكذلكسلوك طريق الله تعالى، كله قتال معالشيطان، و معالجة للقلب، و بالبصيرالموفق يقف فيها على لطائف من الحيليستبعدها الضعفاء، فلا ينبغي للمريد أنيضمر إنكارا على ما يراه من شيخه، و لاللمتعلم أن يعترض على أستاذه، بل ينبغي أنيقف عند حد بصيرته، و ما لا يفهمه منأحوالهما يسلمه. لهما إلى أن ينكشف لهأسرار ذلك بأن يبلغ رتبتهما، و ينالدرجتهما، و من الله حسن التوفيق