إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و هو عين المكر و الخداع، فإن خشوعه لو كانلنظره إلى جلاله لكانت هذه الخطرة تلازمهفي الخلوة، و لكان لا يختص حضورها بحالةحضور غيره، و علامة الأمن من هذه الآفة أنيكون هذا الخاطر مما يألفه في الخلوة، كمايألفه في الملإ و لا يكون حضور الغير هوالسبب في حضور الخاطر، كما لا يكون حضورالبهيمة سببا، فما دام يفرق في أحواله بينمشاهدة إنسان و مشاهدة بهيمة فهو بعد خارجعن صفو الإخلاص، مدنس الباطن بالشرك الخفيمن الرياء، و هذا[1] الشرك أخفى في قلب ابنآدم من دبيب النملة السوداء في الليلةالظلماء، على الصخرة الصماء، كما ورد بهالخبر، و لا يسلم من الشيطان إلا من دقنظره، و سعد بعصمة الله تعالى و توفيقه وهدايته، و إلا فالشيطان ملازم للمتشمرينلعبادة الله تعالى، لا يغفل عنهم لحظة حتىيحملهم على الرياء في كل حركة من الحركات،حتى في كحل العين، و قص الشارب، و طيب يومالجمعة، و لبس الثياب، فإن هذه سنن فيأوقات مخصوصة، و للنفس فيها حظ خفي،لارتباط نظر الخلق بها و لاستئناس الطبعبها، فيدعوه الشيطان إلى فعل ذلك، و يقولهذه سنة لا ينبغي أن تتركها، و يكون انبعاثالقلب باطنا لها، لأجل تلك الشهوة الخفية،أو مشوبة بها شوبا يخرج عن حد الإخلاصبسببه، و ما لا يسلم عن هذه الآفات كلهافليس بخالص، بل من يعتكف في مسجد معمورنظيف حسن العمارة يأنس إليه الطبع،فالشيطان يرغبه فيه و يكثر عليه من فضائلالاعتكاف و قد يكون المحرك الخفي في سره هوالأنس بحسن صورة المسجد، و استراحة الطبعإليه، و يتبين ذلك في ميله إلى أحدالمسجدين، أو أحد الموضعين إذا كان أحسنمن الآخر و كل ذلك امتزاج بشوائب الطبع، وكدورات النفس، و مبطل حقيقة الإخلاص،لعمري الغش الذي يمزج بخالص الذهب لهدرجات متفاوتة، فمنها ما يغلب، و منها مايقل لكن يسهل دركه، و منها ما يدق بحيث لايدركه إلا الناقد البصير، و غش القلب، ودغل الشيطان و خبث النفس، أغمض من ذلك وأدق كثيرا، و لهذا قيل: ركعتان من عالمأفضل من عبادة سنة من جاهل، و أريد بهالعالم البصير بدقائق آفات الأعمال، حتىيخلص عنها، فإن الجاهل نظره