إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و لقوله تعالى (إِنَّ الله لا يَظْلِمُمِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةًيُضاعِفْها) فلا ينبغي أن يضيع قصد الخير،بل إن كان غالبا على قصد الرياء حبط منهالقدر الذي يساويه و بقيت زيادة، و إن كانمغلوبا سقط بسببه شيء من عقوبة القصدالفاسد و كشف الغطاء عن هذا أن الأعمالتأثيرها في القلوب بتأكيد صفاتها، فداعيةالرياء من المهلكات، و إنما غذاء هذاالمهلك و قوته العمل على و فقه، و داعيةالخير من المنجيات، و إنما قوتها بالعملعلى وفقها. فإذا اجتمعت الصفتان في القلبفهما متضادتان، فإذا عمل على وفق مقتضىالرياء فقد قوى تلك الصفة، و إذا كان العملعلى وفق مقتضى التقرب، فقد قوى أيضا تلكالصفة، و أحدهما مهلك، و الآخر منج، فإنكان تقوية هذا بقدر تقوية الآخر فقدتقاوما، فكان كالمستضر بالحرارة إذاتناول ما يضره، ثم تناول من المبردات مايقاوم قدر قوته فيكون بعد تناولهما كأنهلم يتناولهما، و إن كان أحدهما غالبا لميخل الغالب عن أثر، فكما لا يضيع مثقال ذرةمن الطعام و الشراب و الأدوية، و لا ينفكعن أثر في الجسد بحكم سنة الله تعالى،فكذلك لا يضيع مثقال ذرة من الخير و الشر،و لا ينفك عن تأثير في إنارة القلب أوتسويده و في تقريبه من الله، أو إبعادهفإذا جاء بما يقربه شبرا مع ما يبعده، فقدعاد إلى ما كان، فلم يكن له و لا عليه. و إنكان الفعل مما يقربه شبرين، و الآخر يبعدهشبرا واحدا فضل له لا محالة شبر. و قد قالالنبي صلّى الله عليه وسلّم[1] «أتبعالسيئة الحسنة تمحها» فإذا كان المحضيمحوه الإخلاص المحض عقبيه، فإذا اجتمعاجميعا فلا بد و أن يتدافعا بالضرورة و يشهدلهذا إجماع الأمة على أن من خرج حاجا و معهتجارة، صح حجه و أثيب عليه، و قد امتزج بهحظ من حظوظ النفس. نعم يمكن أن يقال: إنمايثاب على أعمال الحج عند انتهائه إلى مكة،و تجارته غير موقوفة عليه، فهو خالص و إنماالمشترك طول المسافة، و لا ثواب فيه مهماقصد التجارة. و لكن الصواب أن يقال: مهماكان الحج هو المحرك الأصلي، و كان غرضالتجارة كالمعين و التابع، فلا ينفك نفسالسفر عن ثواب.