و هو مشفق خاص، فما رأوه محتاج. و لو رأوهيتيما لسلط الله داعية الرحمة على واحد منالمسلمين، أو على جماعة، حتى يأخذونه ويكفلونه. فما رؤي إلى الآن في سنيّ الخصبيتيم قد مات جوعا، مع أنه عاجز عنالاضطراب، و ليس له كافل خاص، و الله تعالىكافله بواسطة الشفقة التي خلقها في قلوبعباده. فلما ذا ينبغي أن يشتغل قلبه برزقهبعد البلوغ و لم يشتغل في الصبا، و قد كانالمشفق واحدا و المشفق الآن ألف نعم كانتشفقة الأم أقوى و أحظى، و لكنها واحدة، وشفقة آحاد الناس و إن ضعفت فيخرج منمجموعها ما يفيد الغرض.
فكم من يتيم قد يسر الله تعالى له حالا هوأحسن من حال من له أب و أم فينجبر ضعف شفقةالآحاد بكثرة المشفقين، و بترك التنعم، والاقتصار على قدر الضرورة. و لقد أحسنالشاعر حيث يقول
جرى قلم القضاء بما يكون
جنون منك أن تسعى لرزق
و يرزق في غشاوتهالجنين
فسيان التحرك والسكون
و يرزق في غشاوتهالجنين
و يرزق في غشاوتهالجنين
فإن قلت: الناس يكفلون اليتيم لأنهم يرونهعاجزا بصباه، و أما هذا فبالغ قادر علىالكسب فلا يلتفتون إليه، و يقولون هومثلنا فليجتهد لنفسه فأقول. إن كان هذاالقادر بطالا فقد صدقوا، فعليه الكسب، ولا معنى للتوكل في حقه، فإن التوكل مقام منمقامات الدين يستعان به على التفرغ للَّهتعالى. فما للبطال و التوكل! و إن كانمشتغلا باللّه، ملازما لمسجد أو بيت، و هومواظب على العلم و العبادة فالناس لايلومونه في ترك الكسب، و لا يكلفونه ذلك،بل اشتغاله باللّه تعالى يقرر حبه في قلوبالناس، حتى يحملون إليه فوق كفايته. و إنماعليه أن لا يغلق الباب، و لا يهرب إلى جبلمن بين الناس. و ما رؤي إلى الآن عالم أوعابد استغرق الأوقات باللّه تعالى و هو فيالأمصار فمات جوعا، و لا يرى قط. بل لو أرادأن يطعم جماعة من الناس بقوله لقدر عليه.
فإن من كان للَّه تعالى كان الله عز و جلله. و من اشتغل باللّه عز و جل ألقى اللهحبه في قلوب الناس، و سخر له القلوب كماسخر قلب الأم لولدها. فقد دبّر الله تعالىالملك و الملكوت تدبيرا كافيا لأهل الملكو الملكوت فمن شاهد هذا التدبير وثقبالمدبر، و اشتغل به، و آمن و نظر إلى مدبرالأسباب لا إلى الأسباب. نعم ما دبرهتدبيرا يصل إلى المشتغل به الحلو و الطيورالسمان، و الثياب الرقيقة، و الحيوانالنفيسة على الدوام لا محالة. و قد يقع ذلكأيضا