إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
كسرا لقلوب بقية المسلمين، و سعيا فيإهلاكهم. فهذه أمور دقيقة، فمن لا يلاحظهاو ينظر إلى ظواهر الأخبار و الآثار يتناقضعنده أكثر ما سمعه. و غلط العبّاد و الزهادفي مثل هذا كثير. و إنما شرف العلم و فضيلتهلأجل ذلك فإن قلت: ففي ترك التداوي فضل كماذكرت، فلم لم يترك رسول الله صلّى اللهعليه وسلّم التداوي لينال الفضل. فنقول:فيه فضل بالإضافة إلى من كثرت ذنوبهليكفرها أو خاف على نفسه طغيان العافية وغلبة الشهوات، أو احتاج إلى ما يذكرهالموت لغلبة الغفلة أو احتاج إلى نيل ثوابالصابرين لقصوره عن مقامات الراضين والمتوكلين، أو قصرت بصيرته عن الاطلاع علىما أودع الله تعالى في الأدوية من لطائفالمنافع حتى صار في حقه موهوما كالرقى، أوكان شغله بحاله يمنعه عن التداوي، و كانالتداوي يشغله عن حاله لضعفه عن الجمع.فإلى هذه المعاني رجعت الصوارف في تركالتداوي و كل ذلك كمالات بالإضافة إلى بعضالخلق، و نقصان بالإضافة إلى درجة رسولالله صلّى الله عليه وسلّم. بل كان مقامهأعلى من هذه المقامات كلها، إذ كان حالهيقتضي أن تكون مشاهدته على وتيرة واحدةعند وجود الأسباب و فقدها. فإنه لم يكن لهنظر في الأحوال إلا إلى مسبب الأسباب و منكان هذا مقامه لم تضره الأسباب. كما أنالرغبة في المال نقص، و الرغبة عن المالكراهية له و إن كانت كمالا فهي أيضا نقصبالإضافة إلى من يستوي عنده وجود المال وعدمه فاستواء الحجر و الذهب أكمل من الهربمن الذهب دون الحجر. و كان حاله صلّى اللهعليه وسلّم استواء المدر و الذهب عنده. وكان لا يمسكه لتعليم الخلق مقام الزهدفإنه منتهى قوتهم، لا لخوفه على نفسه منإمساكه، فإنه كان أعلى رتبة من أن تغرهالدنيا[1] و قد عرضت عليه خزائن الأرض فأبىأن يقبلها. فكذلك يستوي عنده مباشرةالأسباب و تركها لمثل هذه المشاهدة. و إنمالم يترك استعمال الدواء جريا على سنة اللهتعالى، و ترخيصا لأمته فيما تمس إليهحاجتهم، مع أنه لا ضرر فيه. بخلاف إدخالالأموال، فإن ذلك يعظم ضرورة. نعم التداويلا يضر إلا من حيث رؤبة الدواء نافعا دونخالق الدواء، و هذا قد