إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
في بعض الأحوال: لكن دبره تدبيرا يصل إلىكل مشتغل بعبادة الله تعالى في كل أسبوعقرص شعير أو حشيش بتناوله لا محالة. والغالب أنه يصل أكثر منه، بل يصل ما يزيدعلى قدر الحاجة و الكفاية. فلا سبب لتركالتوكل إلا رغبة النفس في التنعم علىالدوام و لبس الثياب الناعمة، و تناولالأغذية اللطيفة، و ليس ذلك من طريقالآخرة. و ذلك قد لا يحصل بغير اضطراب، و هوفي الغالب أيضا ليس يحصل مع الاضطراب، وإنما يحصل نادرا. و في النادر أيضا قد يحصلبغير اضطراب، فأثر الاضطراب ضعف عند منانفتحت بصيرته فلذلك لا يطمئن إلىاضطرابه، بل إلى مدبر الملك و الملكوتتدبيرا لا يجاوز عبدا من عباده رزقه و إنسكن، إلا نادرا ندورا عظيما يتصور مثله فيحق المضطرب فإذا انكشفت هذه الأمور، و كانمعه قوة في القلب و شجاعة في النفس، أثمرما قاله الحسن البصري رحمه الله إذا قال:وددت أن أهل البصرة في عيالى و أن حبةبدينار. و قال وهيب بن الورد: لو كانتالسماء نحاسا، و الأرض رصاصا، و اهتممتبرزقي، لظننت أنى مشرك فإذا فهمت هذهالأمور فهمت أن التوكل مقام مفهوم فينفسه، و يمكن الوصول إليه لمن قهر نفسه. وعلمت أن من أنكر أصل التوكل و إمكانه أنكرهعن جهل، فإياك أن تجمع بين الإفلاسين،الإفلاس عن وجود المقام ذوقا. و الإفلاس عنالإيمان به علما فإذا عليك بالقناعةبالنذر القليل، و الرضا بالقوت فإنه يأتيكلا محالة و إن فررت منه و عند ذلك على اللهأن يبعث إليك رزقك على يدي من لا تحتسب. فإناشتغلت بالتقوى و التوكل شاهدت بالتجربةمصداق قوله تعالى (وَ من يَتَّقِ اللهيَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَ يَرْزُقْهُمن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الآية إلا أنه لميتكفل له أن يرزقه لحم الطير و لذائذالأطعمة فما ضمن إلا الرزق الذي تدوم بهحياته. و هذا المضمون مبذول لكن من اشتغلبالضامن و اطمأن إلى ضمانه. فإن الذي أحاطبه تدبير الله من الأسبابا الخفية للرزقأعظم مما ظهر للخلق. بل مداخل الرزق لاتحصى، و مجاريه لا يهتدى إليها، و ذلك لأنظهوره على الأرض و سببه في السماء. قالالله تعالى (وَ في السَّماءِ رِزْقُكُمْوَ ما تُوعَدُونَ) و أسرار السماء لا يطلععليها. و لهذا دخل جماعة على الجنيد، فقالما ذا تطلبون قالوا نطلب الرزق. فقال