إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
من تناسب الحروف، و توازيها و استقامةترتيبها و حسن انتظامها، و لكل شيء كماليليق به و قد يليق بغيره ضده فحسن كل شيءفي كماله الذي يليق به فلا يحسن الإنسانبما يحسن به الفرس و لا يحسن الخط بما يحسنبه الصوت، و لا تحسن الأواني بما تحسن بهالثياب و كذلك سائر الأشياء فإن قلت: فهذهالأشياء، و إن لم تدرك جميعها بحسن البصرمثل الأصوات، و الطعوم فإنها لا تنفك عنإدراك الحواس لها، فهي محسوسات و ليس ينكرالحسن و الجمال للمحسوسات و لا ينكر حصولاللذة بإدراك حسنها، و إنما ينكر ذلك فيغير المدرك بالحواس فاعلم أن الحسن والجمال موجود في غير المحسوسات. إذ يقالهذا خلق حسن، و هذا علم حسن، و هذه سيرةحسنة، و هذه أخلاق جميلة، و إنما الأخلاقالجميلة يراد بها العلم، و العقل، والعفة، و الشجاعة، و التقوى، و الكرم، والمروءة، و سائر خلال الخير، و شيء منهذه الصفات لا يدرك بالحواس الخمس، بليدرك بنور البصيرة الباطنة، و كل هذهالخلال الجميلة محبوبة، و الموصوف بهامحبوب بالطبع عند من عرف صفاته، و آية ذلكو أن الأمر كذلك، أن الطباع مجبولة على حبالأنبياء صلوات الله عليهم، و على حبالصحابة رضي الله تعالى عنهم، مع أنهم لميشاهدوا، بل على حب أرباب المذاهب، مثلالشافعي و أبي حنيفة، و مالك، و غيرهم، حتىأن الرجل قد يجاوز به حبه لصاحب مذهبه حدالعشق فيحمله ذلك على أن ينفق جميع ماله فينصرة مذهبه، و الذبّ عنه، و يخاطر بروحه فيقتال من يطعن في إمامه و متبوعه، فكم من دمأريق في نصرة أرباب المذاهب، و ليت شعري منيحب الشافعي مثلا فلم يحبه و لم يشاهد قطصورته، و لو شاهده ربما لم يستحسن صورتهفاستحسانه الذي حمله على إفراط الحب هولصورته الباطنة لا لصورته الظاهرة، فإنصورته الظاهرة قد انقلبت ترابا مع التراب،و إنما يحبه لصفاته الباطنة من الدين والتقوى و غزارة العلم و الإحاطة بمداركالدين، و انتهاضه لإفادة علم الشرع، ولنشره هذه الخيرات في العالم و هذه أمور جميلة، لا يدرك جمالها إلابنور البصيرة، فأما الحواس فقاصرة عنها، وكذلك من يحب أبا بكر الصديق رضي الله عنه ويفضله على غيره، أو يحب عليا رضي اللهتعالى عنه و يفضله و يتعصب له، فلا يحبهمإلا لاستحسان صورهم الباطنة من العلم والدين و التقوى