إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
أما العلم فأين علم الأولين و الآخرين منعلم الله تعالى الذي يحيط بالكل إحاطةخارجة عن النهاية، حتى لا يعزب عنه مثقالذرّة في السموات و لا في الأرض و قد خاطبالخلق كلهم فقال عز و جل (وَ ما أُوتِيتُمْمن الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) بل لواجتمع أهل الأرض و السماء على أن يحيطوابعلمه و حكمته في تفصيل خلق نملة أو بعوضةلم يطلعوا على عشر عشير ذلك، و لا يحيطونبشيء من علمه إلا بما شاء، و القدراليسير الذي علمه الخلائق كلهم فبتعليمهعلموه، كما قال تعالى (خَلَقَ الْإِنْسانَعَلَّمَهُ الْبَيانَ) فإن كان جمال العلمو شرفه أمرا محبوبا، و كان هو في نفسه زينةو كمالا للموصف به، فلا ينبغي أن يحب بهذاالسبب إلا الله تعالى. فعلوم العلماء جهلبالإضافة إلى علمه. بل من عرف أعلم أهلزمانه و أجهل أهل زمانه، استحال أن يحببسبب العلم الأجهل و يترك الأعلم، و إن كانالأجهل لا يخلو عن علم ما، تتقاضاه معيشته.و التفاوت بين علم الله و بين علم الخلائقأكثر من التفاوت بين علم أعلم الخلائق وأجهلهم، لأن الأعلم لا يفضل الأجهل إلابعلوم معدودة متناهية، يتصور في الأمكانأن ينالها الأجهل بالكسب و الاجتهاد و فضلعلم الله تعالى على علوم الخلائق كلهمخارج عن النهاية، إذ معلوماته لا نهايةلها، و معلومات الخلق متناهية و أما صفةالقدرة فهي أيضا كمال، و العجز نقص، فكلكمال، و بهاء، و عظمة، و مجد، و استيلاء،فإنه محبوب، و إدراكه لذيذ، حتى أنالإنسان ليسمع في الحكاية شجاعة علي وخالد رضي الله تعالى عنهما، و غيرهما منالشجعان، و قدرتهما و استيلاءهما علىالأقران، فيصادف في قلبه اهتزازا، و فرحا،و ارتباطا ضروريا بمجرد لذة السماع فضلاعن المشاهدة، و يورث ذلك حبا في القلبضروريا للمتصف به، فإنه نوع كمال. فانسبالآن قدرة الخلق كلهم إلى قدرة اللهتعالى، فأعظم الأشخاص قوة و أوسعهم ملكا،و أقواهم بطشا، و أقهرهم للشهوات، وأقمعهم لخبائث النفس، و أجمعهم للقدرة علىسياسة نفسه و سياسة غيره، ما منتهى قدرته و إنما غايته أن يقدر على بعض صفات نفسه، وعلى بعض أشخاص الإنس في بعض الأمور. و هو معذلك لا يملك لنفسه موتا، و لا حياة، و لانشورا، و لا ضرا، و لا نفعا