إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
طبعها. و غريزة شهوة الطعام مثلا خلقتلتحصيل الغذاء الذي به القوام، فلا جرملذتها في نيل هذا الغذاء الذي هو مقتضىطبعها. و كذلك لذة السمع، و البصر، و الشم،في الإبصار، و الاستماع، و الشم. فلا تخلوغريزة من هذه الغرائز، عن ألم و لذةبالإضافة إلى مدركاتها. فكذلك في القلبغريزة تسمى النور الإلهي، لقوله تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ الله صَدْرَهُلِلْإِسْلامِ فَهُوَ عَلى نُورٍ منرَبِّهِ) و قد تسمى العقل، و قد تسمىالبصيرة الباطنة و قد تسمى نور الإيمان واليقين، و لا معنى للاشتغال بالأسامى. فإنالاصطلاحات مختلفة، و الضعيف يظن أنالاختلاف واقع في المعاني، لأن الضعيفيطلب المعاني من الألفاظ، و هو عكس الواجبفالقلب مفارق لسائر أجزاء البدن، بصفة بهايدرك المعاني التي ليست متخيلة و لامحسوسة كإدراكه خلق العالم، أو افتقارهإلى خالق قديم مدبر حكيم، موصوف بصفاتإلهية، و لنسم تلك الغريزة عقلا بشرط أن لايفهم من لفظ العقل ما يدرك به طرق المجادلةو المناظرة، فقد اشتهر اسم العقل بهذا، ولهذا ذمه بعض الصوفية و إلا فالصفة التيفارق الإنسان بها البهائم، و بها يدركمعرفة الله تعالى أعز الصفات، فلا ينبغيأن تذم و هذه الغريزة خلقت ليعلم بها حقائقالأمور كلها، فمقتضى طبعها المعرفة، والعلم و هي لذتها، كما أن مقتضى سائرالغرائز هو لذتها. و ليس يخفى أن في العلم والمعرفة لذة، حتى أن الذي ينسب إلى العلم والمعرفة و لو في شيء خسيس يفرح به، و الذيينسب إلى الجهل و لو في شيء حقير يغتم به. و حتى أن الإنسان لا يكاد يصبر عن التحديبالعلم و التمدح به في الأشياء الحقيرة،فالعالم باللعب بالشطرنج على خسته لا يطيقالسكوت فيه عن التعليم، و ينطلق لسانهبذكر ما يعلمه، و كل ذلك لفرط لذة العلم، وما يستشعره من كمال ذاته به، فإن العلم منأخص صفات الربوبية، و هي منتهى الكمال ولذلك يرتاح الطبع إذا أثنى عليه بالذكاء وغزارة العلم، لأنه يستشعر عند سماع الثناءكمال ذاته و كمال علمه، فيعجب بنفسه و يلتذبه. ثم ليست لذة العلم بالحراثة و الخياطةكلذة العلم بسياسة الملك و تدبير أمرالخلق، و لا لذة العلم بالنحو و الشعر كلذةالعلم باللّه تعالى و صفاته و ملائكته، وملكوت السموات