إحیاء علوم الدین جلد 14
لطفا منتظر باشید ...
و عرفه أن غذاءه دم الإنسان، ثم انظر كيفأنبت له آلة الطيران إلى الإنسان، و كيفخلق له الخرطوم الطويل و هو محدود الرأس، وكيف هداه إلى مسام بشرة الإنسان حتى يضعخرطومه في واحد منها، ثم كيف قواه حتى يغرزفيه الخرطوم، و كيف علمه المص و التجرعللدم، و كيف خلق الخرطوم مع دقته مجوفا حتىيجرى فيه الدم الرقيق و ينتهى إلى باطنه، وينتشر في سائر أجزائه و يغذيه، ثم كيف عرفهأن الإنسان يقصده بيده فعلمه حيلة الهرب واستعداد آلته، و خلق له السمع الذي يسمع بهخفيف حركة اليد و هي بعد بعيدة منه فيتركالمص و يهرب، ثم إذا سكنت اليد يعود، ثمانظر كيف خلق له حدقتين حتى يبصر موضعغذائه فيقصده مع صغر حجم وجهه، و انظر إلىأن حدقة كل حيوان صغير لما لم تحتمل حدقتهالأجفان لصغره، و كانت الأجفان مصقلةلمرآة الحدقة عن القذى و الغبار، خلقللبعوض و الذباب يدبن، فتنظر إلى الذبابفتراه على الدوام يمسح حدقتيه بيديه، وأما الإنسان و الحيوان الكبير فخلقلحدقتيه الأجفان حتى ينطبق أحدهما علىالآخر، و أطرافهما حادة، فيجمع الغبارالذي يلحق الحدقة و يرميه إلى أطرافالأهداب، و خلق الأهداب السود لتجمع ضوءالعين، و تعين على الإبصار، و تحسن صورةالعين، و تشبكها عند هيجان الغبار، فينظرمن وراء شباك الأهداب، و اشتباكها يمنعدخول الغبار و لا يمنع الإبصار. و أماالبعوض فخلق لها حدقتين مصقلتين من غيرأجفان، و علمها كيفية التصقيل باليدين، ولأجل ضعف أبصارها تراها تتهافت علىالسراج، لأن بصرها ضعيف، فهي تطلب ضوءالنهار، فإذا رأى المسكين ضوء السراجبالليل ظن أنه في بيت مظلم، و أن السراجكوة من البيت المظلم إلى الموضع المضيءفلا يزال يطلب الضوء، و يرمى بنفسه إليه،فإذا جاوزه و رأى الظلام ظن أنه لم يصبالكوة و لم يقصدها على السداد، فيعود إليهمرة أخرى إلى أن يحترق. و لعلك تظن أن هذا لنقصانها و جهلها،فاعلم أن جهل الإنسان أعظم من جهلها. بلصورة الآدمي في الإكباب على شهوات الدنياصورة الفراش في التهافت على النار، إذتلوح للآدمي أنوار الشهوات من حيث ظاهرصورتها، و لا يدرى أن تحتها السم الناقعالقاتل، فلا يزال يرمى نفسه عليها إلى أنينغمس فيها، و يتقيد بها، و يهلك هلاكامؤبدا