فرع
عن الشيخ وجماعة وقوع الطلاق بقوله : نعم في جواب «هل طلّقت ؟» . وهو مختار
المحقق ، وعن بعض آخر عدمه ، وهو الحق قضاءً للروايات الحاصرة :
منها : موثقة بكير بن أعين فعن ابن سماعة ، قال : «ليس الطلاق إلاّ كما روى بكير
بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع : أنت طالق ، ويشهد شاهدي عدل ، وكل ما
سوى ذلك فهي ملغى»[189] .
ومنها : صحيحتا محمد بن مسلم والحلبي فعن محمد بن مسلم انّه سأل جعفر(عليه
السلام)«عن رجل قال لامرأته : أنت عليّ حرام ، أو بائنة ، أو بتّة ، أو بريّة ، أو
خليّة ، قال : هذا كلّه ليس بشيء ، إنّما الطلاق أن يقول لها في قبل العدّة بعد ما
تطهر من محيضها قبل أن يجامعها : أنت طالق أو اعتدّي ، يريد بذلك الطلاق ، ويشهد
على ذلك رجلين عدلين»[190] .
وعن الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «الطلاق أن يقول لها : اعتدّي ،
أو يقول لها : أنت طالق»[191] .
واستدلّ للأوّل بموثقة السكوني ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليهم السلام) «في
الرجل يقال له : أطلّقت امرأتك ؟ فيقول : نعم ، قال : قال : قد طلّقها حينئذ»[192]
.
وفيه : عدم ظهورها في وقوع الطلاق به بل لعلّها ناظرة إلى الاقرار بالطلاق
ولاينافيه التقييد بالظرف الزماني للحال وهو كلمة «حينئذ» لاحتمال كونه ناظراً إلى
مقام الإثبات أيضاً ، ويشهد لهذا الاحتمال الاخبار الكثيرة .
منها : موثقة إسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته
ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها ، كيف يصنع ؟ قال : يدعها حتّى تحيض وتطهر ثمّ يأتيه
ومعه رجلان شاهدان فيقول : طلّقت فلانة ؟ فإذا قال : نعم ، تركها ثلاثة أشهر ثم
خطبها إلى نفسها» «نفسه خ . ل»[193] .
ومنها : مرسلة عثمان بن عيسى ، عن بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله(عليه السلام)
انّه قال : «إياكم وذوات الأزواج المطلّقات على غير السنّة . قال : قلت له : فرجل
طلّق امرأة من هؤلاء ولي بها حاجة . قال : فيلقاه بعد ما طلّقها وانقضت عدّتها عند
صاحبها فيقول له : أطلّقت فلانة ؟ فإذا قال : نعم ، فقد صارت تطليقة على طهر فدعها
من حين طلّقها تلك التطليقة حتى تنقضي عدّتها ثمّ تزوّجها وقد صارت تطليقة بائنة»[194]
.
ومنها : ما عن حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل طلّق
امرأته ثلاثاً فأراد رجل أن يتزوّجها ، كيف يصنع ؟ قال : يأتيه فيقول : طلّقت فلانة
؟ فإذا قال : نعم ، تركها ثلاثة أشهر ، ثم خطبها إلى نفسها»[195] .
ومنها : موثقة اُخرى لاسحاق بن عمّار ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل
يريد تزويج امرأة قد طلّقت ثلاثاً كيف يصنع فيها ؟ قال : يدعها حتى تحيض وتطهر ثم
يأتي زوجها ومعه رجلان فيقول له : قد طلّقت فلانة ؟ فإذا قال : نعم ، تركها حتى
تمضي ثلاثة أشهر ثم خطبها إلى نفسه»[196] .
وهذه الروايات موردها الاقرار ، والحكم بالتربص للاحتياط والاستظهار فلا يبعد
كون موثقة السكوني أيضاً مثلها مربوطة بمقام الاقرار بل ذلك مقتضى سياق الاخبار
والنظر إلى مجموعها من حيث المجموع بل ولعلّه يكون من ردّ المتشابه من أخبارهم إلى
المحكم منها ، ففي خبر أبي حيون ، مولى الرضا ، عن الرضا(عليه السلام( قال : «من
ردّ متشابه القرآن إلى محكمه فقد هدي إلى صراط مستقيم ، ثم قال)عليه السلام) : إنّ
في أخبارنا محكماً كمحكم القرآن ، ومتشابهاً كمتشابه القرآن ، فردّوا متشابهها إلى
محكمها ولاتتبعوا متشابهها دون محكمها فتضلّوا»[197] .
ويشهد له ايضاً عدم ذكر الشروط الاُخرى من شهادة العدلين وكونها في طهر غير
المواقعة في تلك الموثقة واللازم منه وهو الاكتفاء في الطلاق بما فيها فقط من دون
تلك الشرائط مخالف للضرورة من المذهب وهو كما ترى ، إلاّ أن يقال بكونها في مقام
بيان حكم الصيغة خاصّة دون مطلق الشرائط ، لكنه لايخفى عليك أنّ في الحمل على
الاقرار والاخبار دون الانشاء وبيان حكم الصيغة لا تكلّف فيه أصلا ، فلعلّ الحمل
عليه أولى فضلا عن كونه محتملا . ثم يرد على مثل الشيخ(رحمه الله) زائداً على ما
مرّ في دليلهم أ نّهم لم يذهبوا بوقوعه بمثل «طلّقت زوجتي» مع ذهابهم إلى الوقوع
بقوله : «نعم» وهذا يلازم ترجيح الفرع على الأصل كما لايخفى إلاّ أن يقال : إنّ
الفارق هو النص . فتأمل ، فإنّ المستفاد من النص صحته بمثل ذلك بالأولوية .
ثم إنّ المستفاد من كشف اللثام على كفاية «نعم» عدم الفرق بين كونه جواباً عن
الاستفهام بجملة «طلّقت» أو عن الاخبار بها[198]
لكنه غير تمام ، لاختصاص الموثّقة بالاستفهام ، نعم بعض الروايات المستشهدة كانت
أعم من ذلك لكنها مربوطة بالاقرار كما مرّ .
( مسألة 2 ـ يجوز إيقاع طلاق أكثر من زوجة واحدة بصيغة واحدة ، فلو قال :
«زوجتاي طالقان» أو «زوجاتي طوالق» صح طلاق الجميع) .
لالغاء الخصوصية بين الزوجة الواحدة و«أنت طالق» وبين أكثر منها و«أنتما طالقان»
مثلا ، حيث إنّ الحصر في الأخبار في قوله «أنت طالق» ناظر إلى حصر الصيغة في اسم
الفاعل من مادة الطلاق وعدم الوقوع بغيره من هذه المادة ولا بمادّة اُخرى مطلقاً ،
وذلك لأ نّها وردت في مقابل العامّة القائلين بوقوعه بمثل «أنت خليّة» أو «بريّة»
وغيرهما من الصيغ ، فالحصر إضافي وفي قبالهم لا انّه حقيقي في خصوص تلك الصيغة
بجميع خصوصياتها من الأفراد والخطاب في المبتدأ والخبر حتى لايصحّ الطلاق بقوله «هي
طالق» فضلا عن «هما طالقان» مثلا وذلك لأن الحمل على الحقيقي مخالف للظاهر والقرينة
الحالية على خلافه قائمة . هذا مع استلزامه المخالفة لما هو الواضح في الفقه من
كفاية ذلك الفاعل لحاضر كان أو لغائب ، لأصيل كان أو لوكيل ، فهذه أيضاً قرينة
اُخرى فلا تغفل .
ولموثقة زرارة قال : قلت لأبي جعفر(عليه السلام) : «ما تقول في رجل أحضر شاهدين
عدلين وأحضر امرأتين له وهما طاهرتان من غير جماع ، ثم قال : اشهدا إنّ امرأتي
هاتين طالق وهما طاهرتان أيقع الطلاق ؟ قال : نعم»[199] .
( مسألة 3 ـ لايقع الطلاق بما يرادف الصيغة المزبورة من سائر اللغات مع القدرة)
.
خلافاً للشيخ في النهاية وتبعه ابن البراج وابن حمزه ولكن ما في المتن هو
المشهور بين الأصحاب ، ويدل عليه الروايات الحاصرة السابقة وهو مقتضى الاحتياط
واستدل لغير المشهور بأن المقصود من الصيغ هو المعاني وهو يحصل بكل لفظ ، وبرواية
وهب بن وهب ، عن جعفر ، عن أبيه ، عن علي(عليه السلام) قال : «كلّ طلاق بكلّ لسان
فهو طلاق»[200] .
وفيهما ما لايخفى ، أمّا الدراية فهي اعتبار لا اعتبار به مع انّه اجتهاد في
مقابل النصّ ، وأمّا الرواية فسندها ضعيف بوهب ; فإنّه كذاب كان قاضياً ببغداد
وجاعلا للحديث لهم وهو أكذب البرية مضافاً إلى انّه خلاف الضرورة إن اُريد من
الطلاق ، الطلاق الاصطلاحي ، لاستلزامه عدم اعتبار بقية الشروط وهو كما ترى إلاّ أن
يقال : انّه ليس إلاّ في مقام بيان الصيغة فلا إطلاق فيها من سائر الجهات ، هذا مع
امكان أن يقال : إنّ الطلاق بالمعنى اللغوي ، فتكون بياناً في مسألة الطلاق والحرية
من كل قيد وعبودية ، فمراد علي(عليه السلام) هو بيان عدم شرطية لغة خاص في حصول
الحرية والطلاق ، من العبودية أو من المدرسة أو من العمل وأمثالها ، بل يكفي في
حصولها كلّ ما يدلّ عليها من كل لغة ولسان[201] .
وإن أبيت إلاّ عن ذلك فلا أقل من كون الرواية ذات احتمالين . هذا كله مع ما في
الحدائق من نكتة اُخرى وهي أنّ الرواية منصرفة إلى من لايقدر على العربية لأن
الغالب في أهل كل لسان تعذّرهم بالنسبة إلى لغة غيرهم .