الطلاق بالعوض مع التيام الاخلاق
فاعلم أنّ المحقق القمي والشهيد الثاني قد ذهبا إلى صحة الطلاق بالعوض مع التيام
اخلاقهما ، خلافاً لغيرهما ممّن جاؤوا من بعدهما ، وقد شدّد الكلام في الجواهر[913]
على المحقّق القمي فراجع إن شئت ، وقد صنف المحقق المذكور رسالة في المسألة وقد
وعدنا أن نتكلّم حول المسألة ، وتمام الكلام فيها يتم في ثلاث جهات ;
احداها : انّه هل يوجد دليل على حرمة اخذ العوض للزوج من دون كراهة منها سواء
كره الزوج ام لم تكن الكراهة منه ايضاً .
ثانيتها : إنّه على تقدير عدم الدليل فهل هناك دليل على صحته كذلك وهو بائن ام
لا ؟
ثالثتها : هل النزاع واقعي بين هؤلاء الاصحاب ام نزاع يشبه النزاع في اللفظ ؟
هذه هي الجهات الثلاث ولابد ، بحسب طبع البحث ، من تقديم الجهة الثالثة فاقول :
إنّ مصب النزاع هو الطلاق بعوض مع كون الاخلاق ملتئمة او كون الكراهة منه خاصة
والآية الشريفة (الطلاق مرتان فامساك بمعروف او تسريح باحسان ولايحل لكم أن تأخذوا
مما اتيتموهن شيئاً إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله فإن خفتم ألاّ يقيما حدود
الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)[914] تدل على صحة هذا الطلاق ويقع
بائناً وذلك لعدم تعقل بذلها العوض مع كون الاخلاق ملتئمة من دون خوف من اقامة حدود
الله وما ذكره المحقق القمي(قدس سره) مثالا لعدم الخوف بقوله : «فقد تكون المرأة
محبّة لزوجها بل يصعب عليها مفارقته لكن الزوج يريد أن يسافرها إلى بلاد الغربة
ويصعب على الزوج ايضاً مفارقتها لكن بسبب صعوبة الغربة عليها او صعوبة مفارقتها على
ابويها ترضى بأن تبذل مهرها ويطلّقها في عوضه»[915]
يمكن أن يناقش فيه بأنّ في الاستمرار والبقاء على تلك الحالة خوف الانجرار إلى
العداوة وعدم اقامة حدود اللّه ، فالنزاع لفظي وليس للكراهية موضوعية بل هي احدى
عوامل الخوف من عدم اقامة الحدود .
وأمّا الجهة الثانية فقد يدل على صحته عموم قوله تعالى (اوفوا بالعقود)[916]
وعموم «المؤمنون عند شروطهم» بل قوله تعالى : (إلاّ أن تكون تجارة عن تراض منكم)[917]
بناءً على أنّ المراد من التجارة هو الحق ، ولو سلّم عدم العموم فلقائل أن يقول :
إنّ الاصل في المعاملات هو الصحة إلاّ ما ردعه الشارع بالعموم او بالخصوص ، وذلك
لانّه ليس للشارع تأسيس فيها إلاّ نادراً إن لم نقل انّه كالمعدوم ، وعلى الصحة فهو
لازم من الطرفين لانّه اشبه شيء بالمعاوضة بل هو معاوضة إمّا هبة معوضة وإمّا صلحاً
مع العوض وهما عقدان لازمان وبذلك يفترق عن الخلع والمباراة لانّهما لازمان من قبل
الزوج وجائزان من قبل الزوجة وهو ، بناء على ما ذكرنا من كونه هبة معوضة او صلحاً
مع العوض ، لازم من الطرفين ولاينفسخ إلاّ بالاقالة والفسخ من الطرفين .
ثم إنّ العمدة في المنع هي ثلاثة وجوه ; احدها : أنّ الاصل هو عدم الصحة ، فإنّ
الاصل بقاء الزوجية وبقاء المال في ملكها .
ثانيها : الاجماع المدعى على عدم صحة الطلاق مع العوض من دون الخلع والمباراة .
ثالثها : قوله تعالى (ولايحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً)[918]
وأمّا النصوص فهي تابعة للآية في الدلالة وعدمها .
لكن لايخفى أنّ الوجهين الأوّلين لايعبأبهما في المسألة لأنّ الاصل مع وجود
الدليل المخالف لا وجه له ، والاجماع فإنّ المحقق القمي(قدس سره( قد ذكر اقوالا
كثيرة مخالفة تدلّ على عدم صحة النسبة ، مضافاً إلى أ نّه مدركي ليس بحجة ، وأمّا
الآية ظاهرة في كلام الاصحاب بدواً ، فإنّ الأخذ قد منع مطلقاً واستثني الأخذ عند
تحقق الكراهة فقط ، كما أنّ المستثنى في الروايات ايضاً هو هكذا وقد اجاب عنه
المحقق القمي)قدس سره)بقوله :
«وأمّا الاستدلال بعموم الآية على تحريم اخذ العوض عن الطلاق إلاّ في الخلع كما
صدر من بعض افاضل العصر ومن تقدّم عليه فظنّي انّه لايتم . بيان ذلك : أنّ هنا
دقيقة لم يسبقني اليها احد فيما اعلم ، وهي أنّ اغلب استعمالات كلمة «الأخذ» مبنية
على التناول الابتدائي الناشي بسلب دواعيه من الأخذ كالغاصب واهل السؤال واهل الشرع
في اخذ حقوق الله او على سبيل الغلبة والتسلّط مثل (خذ من اموالهم صدقة)[919]
ومثل قوله تعالى (وإن اردتم استبدال زوج مكان زوج وآتيتم احديهنّ قنطاراً فلا
تأخذوا منه شيئاً أتأخذونه بهتاناً واثماً مبيناً وكيف تأخذونه وقد افضى بعضكم إلى
بعض)[920] والمأخوذ في المعاملات على وجه التراضي وطيب النفس لايسمى
اخذاً بهذا المعنى ولذلك يقال للاسير : «الأخيذ» وكذلك للمرأة . وممّا يناسب هذا
الاستعمال (خذوه فغلّوه)[921]
و(اُخذوا وقتلوا تقتيلا)[922] و«لاتأخذه في الله لومة لائم»[923]
و(لاتأخذه سنة ولا نوم)[924]
اذ لو لم تعتبر الغلبة في مفهوم الأخذ لكان المناسب تقديم النوم على السنة لأنّ
الترقي في بيان عموم الغفلة إنّما يحصل بذلك ، وقوله(عليه السلام) «على اليد ما
أخذت حتى تؤدّي»[925] ايضاً سرّ غريب ، اذ فيه اشارة إلى أنّ المراد ما
اخذته ممّا لم يستحقه في نفس الامر وإن لم يكن عادية في ظاهر الحال في ضمن المعاملة
الصحيحة ظاهراً ، ولو كان المراد الأخذ في الآية التي نحن فيها مطلق التناول
والتعاطي لما جاز أخذ المهر من الزوجة لو وهبته او اباحته لزوجها وقد قال تعالى :
(فإن طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً)[926]
ولا ريب أنّ كلامنا فيما لو طلقها بعوض المهر لطيب انفسهما بدون الكراهة من المرأة
لزوجها بل لغرض آخر اشرنا اليه سابقاً سيّما لو كان العوض من مال الولي كما اشرنا
سابقاً فانّه يصدق عليه انّه طلاق بعوض ويصح الاحتراز عنه في تعريف الخلع .
والحاصل : أنّ الظاهر من الآية هو الأخذ الابتدائي من دون طيبة لنفس الزوجة وما
يبذله في عوض الطلاق لاجل تخليص نفسها ليس بذلا من طيب النفس بل دعاها اليه الجاؤها
من جهة كراهتها له وخوف الوقوع في المعصية واهلاك نفسها من الغصّة والحقد واهلاك
زوجها ايّاها خوفاً من اهلاكها اياه»[927] .
هذا والتحقيق أنّ ما افاده المحقق القمي قدس سره في اطلاق «الأخذ» في
الاستعمالات على الاخـذ الابتدائي بالدواعي او القهر والغلبة جيد ، نعم يلزم مـن
ذلك أن يكون الاستثناء منقطعاً حيث إنّه راجع إلى الفدية وهي تتحقق في المعاوضـة .
وفيه : أن لااشكال فيه بل هو مؤكّد للعموم احياناً ولا دليل على كون الاصل في
الاستثناء هو الاتصال ، مضافاً إلى انّه لقائل أن يقول : إنّه استثناء متصل لكنّه
بشكل الاستخدام فكلاهما اخذ ولكن احدهما الاخذ ابتداءً والآخر غير ابتدائي ، ولكن
توجد هنا دقيقة اخرى تفيد حرمة الطلاق مع اخذ العوض كما افاده العلامة الطباطبائي
في تفسيره ، قال(قدس سره) : «وفي تقييد الامساك بالمعروف والتسريح بالاحسان من لطيف
العناية ما لايخفى ، فإنّ الامساك والرد إلى الحبالة الزوجية ربما كان للاضرار بها
وهو منكر غير معروف ، كمن يطلّق امرأته ثم يخلّيها حتى تبلغ أجلها فيرجع اليها ثم
يطلّق ثم يرجع كذلك ، يريد بذلك ايذائها والإضرار بها وهو اضرار منكر غير معروف في
هذه الشريعة منهي عنه ، بل الامساك الّذي يجوّزه الشرع ان يرجع اليها بنوع من انواع
الالتيام ، ويتم به الانس وسكون النفس الّذي جعله الله تعالى بين الرجل والمرأة .
وكذلك التسريح ربما كان على وجه منكر غير معروف يعمل فيه عوامل السخط والغضب ،
ويتصوّر بصورة الانتقام ، والّذي يجوّزه هذه الشريعة أن يكون تسريحاً بنوع يتعارفه
الناس ولاينكره الشرع وهو التسريح بالمعروف كما قال تعالى في الآية الآتية
(فأمسكوهنّ بمعروف أو سرّحوهنّ بمعروف)[928] ، وهذا التعبير هو الاصل في
افادة المطلوب الذي ذكرناه ، وأمّا ما في هذه الآية (أو تسريح باحسان)[929]
، حيث قيّد التسريح بالاحسان وهو معنى زائد على المعروف فذلك لكون الجملة ملحوقة
بما يوجب ذلك اعني قوله تعالى : (ولايحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً)[930]
.
بيانه : أنّ التقييد بالمعروف والاحسان لنفي ما يوجب فساد الحكم المشرع المقصود
، والمطلوب بتقييد الامساك بالمعروف نفي الامساك الواقع على نحو المضارّة كما قال
تعالى : (ولاتمسكوهنّ ضراراً لتعتدوا)[931]
والمطلوب في مورد التسريح نفي أن يأخذ الزوج بعض ما آتاه للزوجة من المهر ، ولايكفي
فيه تقييد التسريح بالمعروف كما فعل في الآية الآتية فإنّ مطالبة الزوج بعض ما آتاه
زوجته وأخذه ربما لم ينكره التعارف الدائر بين الناس فزيد في تقييده بالاحسان في
هذه الآية دون الآية الآتية ليستقيم قوله تعالى : (ولايحلّ لكم أن تأخذوا ممّا
آتيتموهنّ شيئاً)[932] وليتدارك ذلك ما يفوت المرأة من مزية الحياة
التي في الزوجية والالتيام النكاحي ، ولو قيل : أو تسريح بمعروف ولايحلّ لكم . . .
فاتت النكتة»[933] . ويؤيّده ما قاله الراغب في مفرداته من أنّ الأخذ هو
حوز الشيء .
ولكن يمكن أن يناقش فيما افاده رحمه الله بأنّ الاحسان ربما تستعمل ويراد منه
البرّ من دون عوض كما ورد في قوله تعالى : (إنّ الله يأمر بالعدل والاحسان)[934]
وقوله تعالى : (وقضى ربك ألاّ تعبدوا الا اياه وبالوالدين احساناً)[935]
لأنّ الاحسان في الآية الاولى غير العدل واعلى منه وهو لايتم الا بالبر من دون عوض
، لأنّ البر مع العوض هو العدل وكذا في الآية الثانية فإنّ البر بالوالدين بعوض
لايعد احساناً لهما .
وربما يراد منه ما يقابل الاساءة والظلم كما ورد في قوله تعالى : (إن أحسنتم
أحسنتم لانفسكم وإن أسأتم فلها)[936] والاحسان بهذا المعنى يتحد مع
المعروف مصداقاً وإن كان خلافه مفهوماً .
وأمّا الاحسان في آية (فامساك بمعروف او تسريح باحسان)[937]
ففيها احتمالان ، كونه بمعنى البر من دون عوض وكونه بمعنى يقابل الاساءة والظلم ولا
معيّن لاحدهما فلا يثبت العموم حتى يكون الصدر قرينة على الذيل بل لايبعد القول
بأنّ المراد منه ما يقابل الاساءة والظلم لأنّ التعميم في معنى الاحسان يلزم منه
اوّلاً ذكر العام بعد الخاص فإنّه تعالى قال فيما بعده (فامسكوهنّ بمعروف او
سرحوهنّ بمعروف)[938] والتسريح بالمعروف اعم من التسريح بالاحسان على
التعميم في معنى الاحسان ، وثانياً عدم تمامية الحصر فإنّه تعالى حصر الطريق في
الامساك بالمعروف والتسريح بالاحسان مع أنّ قوله تعالى فيما بعده يدل على جواز
التسريح بالمعروف وهو غير التسريح بالاحسان حسب الفرض فلا يتم الحصر وهاتان الجهتان
قرينتان على عدم العمومية للصدر ايضاً ، فالحق كما افاده المحقق القمي صحة الطلاق
بالعوض ولو مع التئام الاخلاق وعدم الخوف من اقامة الحدود .
فتحصل مما مر : أنّ الطلاق من حيث الرجوع ، على أربعة أقسام :
الاوّل : ما يكون للزوج دون الزوجة وهو الطلاق الرجعي المعروف .
الثاني : عكس الاوّل وهو الخلع والمباراة .
الثالث : ما لايكون الرجوع فيه ، لا للرجل ولا للمرأة وهو الطلاق بعوض مع
التراضي بعقد لازم كالهبة والصلح ، نعم يمكن الاقالة والفسخ برضا الطرفين .
والرابع : ما يكون الرجوع فيه لهما وهو الطلاق بعوض مع التراضي بعقد جائز
كالجعالة .
مسألة : يجوز للزوج نكاح المختلعة والمبارئة بعقد جديد ولو في عدتهما اذا لم
يتحقق الرجوع منهما لعدم المنع عن النكاح في عدة نفسه وانما المحرم هو الزواج في
عدة الغير .
مسألة : اذا اتت بفاحشة هل يجوز عضلها لتفدي نفسها ام لا ؟ قال المحقق
الاوّل(قدس سره) : اذا أتت بفاحشة ، جاز عضلها ، لتفدي نفسها ، وقيل : هو منسوخ ولم
يثبت[939] .
اقول : وفيه جهات من البحث مراعياً للاختصار ; احداها : في نسخ قوله تعالى
(ولاتعضلوهنّ لتذهبوا ببعض ما آتيتموهنّ إلاّ أن يأتين بفاحشة مبيّنة)[940]
وعدمه ; فذهب بعض إلى نسخها بآية حدّ الزنا : (الزانية والزاني فاجلدوا كلّ واحد
منهما مائة جلدة ولاتأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم
الآخر وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين)[941] وهو من العامة ظاهراً
ولا وجه له ولا دليل عليه بل الظاهر خلافه لعدم المنافاة بين الامرين .
ثانيتها : ما المراد من الفاحشة المبينة ؟ فقال بعض إنّه الزنا ، وبعض إنّه كلّ
معصية ، وبعض إنّه ما يوجب الحدّ ، والقدر المتيقن هو الاوّل .
وثالثتها : في انّه هل هذا الطلاق هو طلاق الخلع او طلاق بالعوض على نحو خاص ؟
فاستظهر المسالك من كلمات الاصحاب كونه خلعاً لكن مختاره(رحمه الله) انّه غيره وفي
الجواهر اختيار الخلع . هذا ، واستشهد الجواهر على مختاره بوجوه :
الاول : أنّ الاصحاب قد عدّوه في باب الخلع قوله «وظاهرهم كون المقام منه ،
وإلاّ فقد صرّحت النصوص المستفيضة أو المتواترة بعدم حلّ أخذ شيء منها بدون كراهتها
الظاهرة بالأقوال المزبورة ، وقد عرفت أنّ الطلاق بالعوض لا مصداق له غير مورد
الخلع» .
الثاني : قوله «بل لعلّ التأمّل في كلامهم في المقام وذكرهم الفدية ونحوها يشرف
الفقيه على القطع بكون الفرض من مقام الخلع ، وإلاّ لذكروا له احكاماً مستقلّة من
كونه طلاقاً بائناً حينئذ أو رجعياً ، وانّه يجوز له الرجوع بما افدته أو لا ، إلى
غير ذلك من الأحكام» .
الثالث : قوله «على انّه بناءً على ارادة كلّ معصية من الفاحشة ينبغي القول
بجواز اكراه المرأة على افدائها بكلّ ما يقترحه عليها أو بمقدار ما وصل اليها منه
او بعضه بمجرّد غيبة او كذبة او غير ذلك من المعاصي وإن كانت المرأة كارهة للفراق
ومحبّة لزوجها ، وهو حكم غريب لم يذكره فقيه ، ولابحثوا عنه ، ولاذكروا له احكاماً
وكذا لو قلنا بأنّ المراد منها الزنا او ما يوجب الحدّ ، بل لعلّ القول بجواز
الاكراه لها بما لايجوز له قبل الفاحشة من سائر أفراد الظلم حتّى تفدي نفسها من
المستنكرات » ثم قال : «فالاولى أن يقال : إنّ المراد جواز اكراه المرأة الكارهة
لزوجها التي هي موضوع الخلع اذا جاءت بالفاحشة ، وهي نشوزها وخروجها عن طاعته ،
لكراهتها له بالتضييق عليها من الهجر وقطع النفقة وغير ذلك ممّا هو جائز لها حتى
تفدي نفسها منه بما يشاء منها ، وهو في الحقيقة ليس اكراهاً بما لايجوز له ، بل هو
اكراه بحقّ ، فتأمّل جيداً ; فإنّ المقام غير محررّ في كلماتهم ، والله العالم»[942]
.
أقول : ويرد على الاوّل أنّ الانسب بل الاولى هو الاخذ باطلاق آية (ولايحلّ لكم
أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً)[943] فإنّها الاصل للروايات ، وعلى
الثاني ، أنّ ذكرهم هذا في كتاب الخلع بعنوان مسألة مستقلّة ملحقة في الباب ، إن لم
يدل على انّه ليس بخلع فلا اقل من احتماله وعدم ذكر الاحكام فلعلّه لوضوحها هنا ،
وعلى الثالث أنّ الاستنكار محقق في جواز العضل في كل معصية ترتكبها ولكن لا مانع من
الالتزام بالجواز عند ارتكابها الزنا وهي محصنة خائنة فللزوج أن يضرّ بها حتى تعطيه
ماله وحتى ما ورثته ولايخفى رادعية هذا الحكم عن زنا المحصنة ، وتخصيص الآية
بالكارهة لا دليل عليه ، وتفسير الفاحشة بالنشوز ايضاً لا دليل عليه ، والحق في
المسألة أنّ الظاهر من الفاحشة المبيّنة هو الفاحشة المناسبة للزوجية ، وذلك لوجهين
:
احدهما : مناسبة الحكم والموضوع كايذاء اقربائه والجيران وسرقة ما في البيت ،
وثانيهما : الاخبار الواردة في باب العدّه المفسّرة للفاحشة المبيّنة بالسرقة
وايذاء اهل الزوج ، والزنا من اظهرها ، فللزوج عضلها مع ارتكابها تلك الامور وإن لم
تكن كارهة له ، والآية مخصصة لقوله تعالى : (ولايحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ
شيئاً ألاّ أن يخافا إلاّ يقيما حدود الله)[944] .
هذا تمام الكلام في كتاب الخلع والحمد لله رب العالمين[945] .