وسيأتي الكلام في المسألة بعد التذكرة التالية .
تذكرة
واعلم أنّ هنا مسألة لم يذكرها في المتن وهي كراهة طلاق المريض كما عليه الشهرة
العظيمة ولايخفى أنّ هذه الكراهة هي مضافة إلى اصل الكراهة الموجودة في الطلاق .
هذا ولكن المحكي عن ظاهري المقنعة والتهذيب هو الحرمة حيث عبّرا بعدم الجواز بل هو
المحكي عن ظاهر الاستبصار ، فقبل التعرّض للمسألة نتكلم حول هذه التي لم يذكرها
المصنف سلام الله عليه .
فنقول : إنّ النصوص الظاهرة في عدم الجواز هي اربعة ، أوّلها : صحيحة زرارة ، عن
أحدهما(عليهما السلام) قال : «ليس للمريض أن يطلّق وله أن يتزوّج فإن هو تزوّج ودخل
بها فهو جائز ، وإن لم يدخل بها حتى مات في مرضه فنكاحه باطل ولا مهر لها ولا
ميراث»[743] .
ثانيها : موثق عبيد بن زرارة قال : سألت أباعبدالله(عليه السلام) «عن المريض أ
له أن يطلّق إمرأته في تلك الحال ؟ قال : لا ولكن له أن يتزوّج إن شاء فإن دخل بها
ورثته وإن لم يدخل بها فنكاحه باطل»[744] .
ثالثها : ايضاً موثق عبيد بن زرارة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لايجوز
طلاق المريض «العليل ـ ر» ويجوز نكاحه»[745] .
رابعها : موثق زرارة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «ليس للمريض أن يطلّق
وله أن يتزوّج»[746] .
ولقائل أن يقول : إنّ المستفاد من نسبة عدم الجواز في الثالث إلى الطلاق الذي
يكون مقصوداً للغير كالبيع والاجارة هو البطلان فعدم الجواز والنهي المتعلق بمثله
ظاهر في البطلان وعدم النفوذ عرفاً حيث إنّ الغرض منه البينونة لانفس الطلاق بما هو
هو فالطلاق مثل البيع حيث انّه ليس مطلوبا بنفسه بل يكون مطلوباً لغرض النقل
والانتقال بل يمكن أن يقال : إنّ التعبير في مثل موثقة زرارة ايضاً بنفي السلطة له
دليل على البطلان ايضاً .
اقول : لكن في مقابلها اخبار مستفيضة ، إن لم نقل أ نّها متواترة ، متكفلة لبيان
حكم ارث تلك الزوجة فإنّها تدل على صحة الطلاق كما سنذكرها ، مضافاً إلى أنّ صحيحة
الحلبي معارضة على نحو التباين للثالث الموثق ففيها انّه سئل «عن رجل يحضره الموت ،
فيطلّق امرأته ، هل يجوز طلاقه ؟ قال : نعم ، وإن مات ورثته ، وإن ماتت لم يرثها»[747]
. والتعارض بين الجواز المدلول عليه في الصحيحة وعدمه المذكور في الموثّق واضح . بل
هي معارضة للثلاث الاخرى ايضاً بناءً على دلالة هذه الثلاث على الفساد بل وبناءً
على الدّلالة على الحرمة فإنّ الجواز في الصحيحة مقابل لعدم الجواز ولعدم كون
الطلاق بيده في تلك الاخبار فإن كان المراد منها التكليفي فكذلك الصحيحة وإن كان
المراد الوضعي فكذلك كما لايخفى .
وذكروا في رفع التعارض والجمع بين الطائفتين وجوهاً :
احدها : أنّ النصوص الاربعة تدل على الحرمة ، والروايات الاخرى على النفوذ
والصحة ، ولامنافاة بين صحة المعاملة وحرمتها كالبيع وقت النداء وتشهد له صحيحة
الحلبي كما مرّ آنفاً ، فإنّ المراد من الجواز هو النفوذ لأنّ السؤال هو بعد الوقوع
فكانّه سأل أنّ هذا الطلاق هل هو نافذ ام لا ؟
وفيه : أنّ النفي في تلك الروايات ايضاً ظاهر في عدم الصحة كما مر بيانه .
ثانيها : الجمع بينهما بأنّ الجواز وعدم الجواز في الطائفتين اضافي فإنّ الطائفة
الاولى تدل على عدم نفوذ الطلاق بالنسبة إلى الارث والطائفة الثانية على نفوذه
بالنسبة إلى غير الارث .
وفيه : انّه كماترى جمع تبرعي لاشاهد له ، مع انّه مخالف لنص الحلبي الدال على
النفوذ في الارث .
ثالثها : حمل الاربعة المذكورة على الكراهـة بين الطائفتين فإنّ نفي الجواز
ظاهـر في الحرمة واثباته نص في الجواز والنص مقدم على الظاهر ويكون محمولاً على
الكراهة .
وفيه : أنّ الحمل غير جارية في مثل التعبير بكلمتي المثبت والمنفي مثل كلمة
«يجوز» و«لا يجوز» فإنّه من اظهر مصاديق التعارض بين النفي والاثبات والامر والنهي
، والجمع المذكور تبرعي غير عرفي وإلاّ فاللازم من صحة الجمع كذلك وعرفيته عدم وجود
التعارض اصلاً في الادلة لانّه بعد امكان الجمع بين النفي والاثبات لم يبق مورد
للتعارض ولا للأخبار العلاجية على كثرتها وهو كماتري والفرق الفارق بيـن مثل النص
والظاهـر كذلك مـع غيرهما منهما أنّ النصوصية في مثل المورد بالدلالة الالتزامية
وفي غيره بالمطابقة والتقديم منحصر عرفاً في الثاني دون الاوّل ، ولك أن تقول : إنّ
الأخذ بالنص المدلول عليه بالدلالة الالتزامية وتقديمه على الظاهر موجب لعدم الاخذ
فوجوده سبب لعدمه وتحقيق البحث موكول إلى محلّه .
نعم يمكن أن يقال : إنّ الروايات الاربع ليست دالة على الحرمة لا وضعاً
ولاتكليفاً ولايفيد في نفسها ازيد من الكراهة فإنّها قاصرة عن الدلالة على الحرمة ;
أمّا عدم افادتها الحرمة فلان الجملة المستدل بها على الحرمة خبرية لاناهية ودلالة
الجملة النافية الخبرية على الحرمة محل اشكال بل منع الا اذا اعقبه بايعاد العذاب
مضافاً إلى أنّ المناسبة بين الحكم والموضوع ايضاً مقتضية لذلك ، فلو كان المراد هو
الحرمة كان اللازم الاتيان بالنهى او التعقيب ببيان العذاب ، وأمّا عدم افادتها
الفساد فلانّه إنّما يتم على دلالة الروايات على نفي السلطنة وهي غير تمام فإنّ
جملة «ليس له أن يطلق» لاتفيد ذلك لاستلزامه ذكر المعلول لافادة العلة ، حيث إنّ
عدم الطلاق له معلول عن نفي سلطنته عليه وذكر المعلول وارادة العلة مجاز لايصار
اليه الابالقرينة ; فإن كان المراد هو نفى السلطنة كان ينبغي أن يقال إنّه ليس
الطلاق بيد المريض ويشهد له روايات السلطنة ، مثل «الطلاق بيد من اخذ بالساق» ولعل
مراد الشيخين قدّس سرهما في ظاهر المقنعة والتهذيب وكذا الاستبصار من عدم الجواز
ايضاً هو الكراهة كما افاد صاحب الجواهر(قدس سره)بانّهما قد ارادا الكراهة من عدم
الجواز غير مرّة[748] .
أمّا الكلام في اصل المسألة يقع في مقامات :
الأوّل : أنّ ثبوت التوارث بين الزوجين في الرجعية وعدمه في البائن على المشهور
بل ادعى عليه الاجماع ويدل على الحكمين مضافاً إلى الشهرة والاجماع ، اوّلاً قطع
العصمة بينهما بالطلاق البائن والزوج خاطب من الخطاب في هذا القسم وهذا بخلاف
الرجعي فإنّها زوجته بعد . وثانياً النصوص الواردة ، منها : صحيحة زرارة عن أبي
جعفر(عليه السلام) قال : «اذا طلّق الرجل امرأته توارثا ما كانت في العدّة ، فاذا
طلّقها التطليقة الثالثة فليس له عليها الرجعة ولا ميراث بينهما»[749] .
ومنها : موثقة زرارة ، قال : سألت أباجعفر(عليه السلام) «عن الرجل يطلّق المرأة
، فقال : يرثها وترثه ما دام له عليها رجعة»[750] .
وتوهم أنّ الموثقة تدل على التوارث من الطرفين في العدة الرجعية من دون الدلالة
على عدم الارث لكل واحد منها في غير الرجعية الا بالمفهوم وهو ليس بازيد من عدم
المطلق في غير الرجعية وعدم المطلق كذلك اعم من عدم الارث من الطرفين او من طرف
واحد ولا معين لخصوص الاوّل ، فالاستدلال بها لعدم الارث في البائن من الطرفين غير
تمام ، مدفوع بأنّ السؤال لمّا كان عن مطلق ارث المطلّق والمطلقة لا الرجعية فقط
فلولم يكن المراد من الجواب عدم الارث في البائن مطلقا وكان مجملاً ومردداً بين
الامرين كان الجواب ناقصاً وهو كماترى ; فعلى هذا إنّ المفهوم منها هو عدم ارث كل
واحد منهما في الطلاق البائن صوناً لكلام الحكيم(عليه السلام) عن الابهام والنقص .
ومنها : خبر الحسن بن زياد ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «هي ترث وتورث
ما كان له الرجعة بين التطليقتين الأوّلتين حتى تغتسل»[751] . وابن زياد
هذا هو الصيقل ظاهراً لنقل ابن مسكان عنه وهو وإن لم يوثق كغيره من المسمّين بمثله
الا ابن زياد العطار لكن نقل ابن مسكان ويونس بن عبدالرحمن وابان بن عثمان من اصحاب
الاجماع عنه وكذا نقل جعفر بن بشير الذي روى عن الثقات ورووا عنه وجماعة عنه وكثرة
رواياته وكون كتابه معتمد الاصحاب وما استفاده السيد المحقق صدرالدين في حواشي
المنتهى من دلالة الرواية على تسليمه للامام (عليه السلام) على ما في تنقيح المقال
وغيره من الامور الموجبة للمدح ، كاف في اعتباره وصحة الاستناد إلى خبره ، ودلالته
بالمفهوم كالسابقة وأمّا المراد من الاغتسال هو الغسل من الحيض ، وعليه فلابدّ في
العدة من تمامية الطهر الثالث المخالف لمذهب الامامية من كفاية رؤية الدم الثالث
ولذا حمل على التقية لمذهب العامة .
ومنها : موثقة محمد بن قيس ، عـن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «قضى في المـرأة
إذا طلّقها ثم توفي عنها زوجها وهـي في عـدّة منه ، ما لم تحـرم عليه فإنّها ترثـه
ويرثها ما دامت في الـدم من حيضتها الثالثة فـي التطليقتين الأوّلتين فإن طلّقها
ثلاثاً فإنّها لاترث مـن زوجها ولايرث منها ، فإن قتلت ورث مـن ديتها ، وإن قتل
ورثت مـن ديته ما لم يقتل أحدهما صاحبه»[752] .
بل يدل على الحكمين ايضاً بعض نصوص عدّة الوفاة ، منها : ما رواه ابن سنان ، عن
أبي عبدالله(عليه السلام) «في رجل طلّق امرأته ثمّ توفي عنها وهي في عدّتها فإنّها
ترثه وتعتدّ عدّة المتوفى عنها زوجها ، وإن توفّيت هي في عدّتها فإنّه يرثها وكلّ
واحد منهما يرث من دية صاحبه لو قتل ما لم يقتل احدهما الآخر»[753] .
وفي تقييد التوارث في الجواب بالمعتدة الرجعية لانّها التي عليها عدة الوفاة دون
المعتدة البائنة دلالة مفهومية على عدمه في البائن كما لايخفى . وكذا موثقة سماعة ،
قال : سألته «عن رجل طلّق امرأته ثم انّه مات قبل أن تنقضي عدّتها ، قال : تعتدّ
عدّة المتوفى عنها زوجها ولها الميراث»[754] . ودلالتها كالسابق
بالمفهوم ايضاً .
هذا وقد ناقش ما ذهب اليه صاحب المدارك وتبعه في ذلك صاحب الكفاية ، فإنّهما
ذهبا إلى أنّ الزوج المطلّق بالرجعي في حال المرض لايرث في العدّة كالبائن ،
واستدلاّ بما مرّ من صحيحة الحلبي أنّه «سئل عن رجل يحضره الموت فيطلّق امرأته ، هل
يجوز طلاقه ؟ قال : نعم وإن مات ورثته وإن ماتت لم يرثها»[755]
حيث إنّ اطلاقها يشمل الرجعي والبائن ، والبائن لاكلام فيه والرجعي هنا يختص بطلاق
المريض وهي مقدّمة على غيرها من النصوص لانّها اخص مطلقاً .
واجيب عنه بوجوه : منها : ما ذهب اليه صاحب الجواهر بانّها مختصّة ببعد العدّة
واستشهد برواية الحلبي وأبي بصير وأبي العبّاس جميعاً ، عن أبي عبدالله(عليه
السلام) انّه قال : «ترثه ولايرثها اذا انقضت العدّة»[756]
ثم قال : «المعلوم كون الموضوع فيه (خبر هؤلاء الثلاثة) طلاق المريض كما لايخفى على
من لاحظ الكافي ، فإنّه رواه بعد أن روى عن أبي العباس طلاق المريض على وجه يعلم
منه أنّ مرجع الضمير فيه ذلك على انّه لايتم بقرينة غيره من النصوص الاعلى ذلك فهو
حينئذ مقيد لصحيح الحلبي»[757] .
ويرد عليه أنّ رواية هؤلاء الثلاثه مرسلة فلا يكاد أن يكون شاهداً على حمل
الصحيحة بعد انقضاء العدة . وكان ينبغي له(قدس سره( أن يعتمد على ما رواه المشايخ
الثلاثة عن ابن أبي عمير ، عن جميل ، عن أبي العباس ، عن أبي عبدالله)عليه السلام)
ويستشهد به ، قال : «اذا طلّق الرجل المرأة في مرضه ورثته ما دام في مرضه ذلك وإن
انقضت عدّتها إلاّ أن يصحّ منه ، قلت : فإن طال به المرض قال : ما بينه وبين سنة»[758]
. فإنّ التهذيب ذكر تلك الرواية بعد هذه الصحيحة فكان ينبغي ارجاع الامر إلى ما
فعله في التهذيب ، وأمّا اصل الحمل في كلامه(قدس سره) لا بأس به .
هذا ويخطر بالبال أنّ ما اجاب به صاحب الجواهر ليس بتمام ومناقشة السيّد
السند(قدس سره( في المدارك والسبزوارى(قدس سره) في الكفاية في محلها ، لأنّ رواية
ابي العباس السابقة على رواية هؤلاء الثلاثة في الطلاق البائن لا الرجعي حيث قال
السائل : قلت له : «رجل طلق امرأته وهو مريض تطليقة وقد كان طلقها قبل ذلك
تطليقتين» فالرواية في الطلاق الثالث وهو بائن فاجاب الامام)عليه السلام) «فإنّها
ترثه اذا كان في مرضه» ورواية هؤلاء الثلاثة لايكاد يمكن أن يكون ذيلاً لرواية ابي
العباس السابقة لاستلزامه كون التقييد بانقضاء العـدة في غير محلـه ، فإنّ الزوج
المطلق لاترثها المطلّقه البائنة سواء ماتت قبل انقضاء العدة او بعده وسواء وقع
الطلاق حال المرض ام لا واذا لم يكن ذيلاً لها فصدر الرواية غير معلومة هل كان في
الطلاق الرجعي ام البائن ، حال السلامة ام المرض فيحتمل أن يكون جواباً عن الطلاق
الرجعي حال المرض فيكون معارضاً لصحيحة الحلبي الدالة على عدم ارثه منها ايام العدة
لاشاهـداً للجمع بينها وبين مادل على ارثه منها ما دامت في العدة ، مضافاً إلى أ
نّه يناسب الاعتبار ايضاً .
وما قاله بعض الفقهاء (قدس الله اسرارهم( من أنّ حرمان الزوج عن الارث ايام
العدة غير موافق للحكمة ، مدفوع بأنّ )وجزاء سيئة سيئة مثلها)[759]
فإنّ الزوج المريض اراد بالطلاق حرمان زوجته عن الارث فحكم الشارع بحرمان نفسه عن
الارث منها عقوبة له ، فهذا مناسب للاعتبار والحكمة ويدل عليه صحيحة الحلبي
المتقدمّة ; فما ذهب اليه صاحب المدارك وصاحب الكفاية من عـدم ارثه منهـا صحيح تام
.
ومنها : حملها على ما اذا قصد الاضرار بالطلاق كما ذهب اليه كاشف اللثام .