( الثالث : طلاق اليائسة ، وهذه الثلاث ليست لها عدّة كما يأتي) .
والنصوص على الثالث كالاوّلين دالّة ولاكلام فيه وإنّما الكلام في المراد من
اليائسة ، وفيها اقوال ثلاثة ثالثها وهو المشهور التفصيل بين القرشية بل هي
والنبطية وغيرها بالخمسين في الغير والستين في القرشية والملحقة بها ، وهو مقتضى
الجمع بين الروايات ، وأمّا التفصيل بين العبادات فالخمسون والعدّة فالستون فليس
بازيد من احتمال جمع في الاخبار وهو جمع بلا شاهد ويكون تبرعيّاً كما سيظهر ، ومنشأ
الاختلاف هو الروايات فإنّها ايضاً على طوائف ثلاث ، فمنها دالّة على الخمسين
مطلقاً وهي صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج كما مرّت آنفا[345]
وما عنه ، عن ابي عبدالله(عليه السلام)قال : «حدّ التي قد يئست من المحيض خمسون
سنة»[346] . وما عن احمد بن محمد بن ابي نصر ، عن بعض أصحابنا قال : قال
ابوعبدالله(عليه السلام) : «المرأة التي قد يئست من المحيض حدّها خمسون سنة»[347]
.
ومنها : ما يدلّ على الستين مطلقا وهي ما عن عبدالرحمن بن الحجاج ايضاً قال :
سمعت أباعبدالله(عليه السلام) يقول : «ثلاث يتزوّجن على كلّ حال : التي قد يئست من
المحيض ومثلها لاتحيض . قلت : ومتى تكون كذلك ؟ قال : اذا بلغت ستّين سنة فقد يئست
من المحيض ومثلها لاتحيض» . الحديث[348] .
وما عنه ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال : «قلت : التي قد يئست من
المحيض ومثلها لاتحيض ؟ قال : اذا بلغت ستّين سنة فقد يئست من المحيض ومثلها
لاتحيض»[349] .
ومنها : الدالّة على التفصيل بين القرشية وغيرها وهي مرسلة ابن أبي عمير ، عن
بعض أصحابنا ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «اذا بلغت المرأة خمسين سنة لم
ترحمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش»[350] . ومرسلة الصدوق قال : «روي
أنّ المرأة اذا بلغت خمسين سنة لم ترحمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش»[351]
. ومرسلته الاخرى التي تكون مثل الاولى : قال الصادق(عليه السلام) : «المرأة اذا
بلغت خمسين سنة لم تر حمرة إلاّ أن تكون امرأة من قريش ، وهو حدّ المرأة التي تيأس
من المحيض»[352] . وما عن الشيخ في المبسوط : تيأس المرأة اذا بلغت
خمسين سنة إلاّ أن تكون امرأة من قريش فإنّه روى ، أنّها ترى دم الحيض إلى ستّين
سنة[353] . وما عن المفيد في المقنعة ، قال : «قد روي أنّ القرشية من
النساء والنبطية تريان الدم إلى ستّين سنة»[354] .
فالاخبار المفصّلة خمسة ، وهذه الطائفة المفصّلة طريق للجمع بين الطائفتين
الاوليين بحمل المطلق من كلّ منهما على المقيد فيها ، والايراد عليه بأنّ المرسلة
المعتبرة وهي الاولى لاتصريح فيها بالستين ، كما أ نّها ليست صريحة في الحيض ،
وبأنّ البقية لارسالها غير قابلة للاعتماد ورفع اليد عن المطلقات والشهرة الجابرة
غير موجودة فإنّ الاقوال في المسألة ثلاثة وأنّ الخمسين مطلقاً هو المحكي عن
السرائر وطلاق الشرائع والمدارك والجمل لابن البرّاج والنهاية وربّما مال اليه
النافع والمنتهى كما قيل وأنّ الشيخ(رحمه الله) الّذى هو من أئمة الفقه والحديث له
قولان فى كتبـه ، فمع عدم عمله وعدم عمل غيره بها كيف يمكن جبر الضعف في السند ،
مدفوع بأنّ عدم الصراحة في الستّين غير مضرّ بعد عدم القائل بغيره ، مع أنّ الشهرة
موافقة بل قرينة عليه ، وأمّا عدم الصراحة في الحيض فلاريب في ظهور الرواية بذلك
وهو كاف في المطلوب ، وأمّا بقية الاخبار فهي وإن كانت مرسلة إلاّ أنّ المرسلة
الاخرى للصدوق التي كانت النسبة فيها جزميّةً اعتبارها وعدم كونها بِادْوَنَ من
مراسيل ابن ابي عمير غير خال من الوجه بل القوّة حيث إنّ النسبة كذلك كاشفة عن
اعتبار السند عنده وهو بمنزلة مثل توثيق النجاشي والشيخ من علماء الرجال لأنّ
الظاهر استناده إلى الحسّ والحدس القريب منه وليس حال الصدوق كحال مثل المفيد الّذى
كان اهل الاجتهاد والدراية الخارجة عنهما ممّن لايكون نظره فى السند حجّة . هذا
كلّه مع أنّ اطلاق اخبار الستين وقاعدة الامكان بل واستصحاب القابلية مقتضية
للستّين في القرشية والنبطيّة وغيرهما خارج عن الاطلاق والقاعدة باخبار الخمسين
وتلك الاخبار مقيّدة بغيرهما بالاجماع على عدم الستّين في غيرهما وبمرسلتي ابن ابي
عمير والصدوق فالنتيجة هي التفصيل ايضاً . نعم خروج النبطية ليس إلاّ بالاجماع
ومرسل المفيد ، وبالجملة شاهد التفصيل هو الرواية والدراية . هذا بعض الكلام في
المسألة وتمامه في كتاب الطهارة .