اللعان
( وهي مباهلة خاصّة بين الزوجين ، أثرها دفع الحدّ أو نفي الولد) .
اللعان مصدر من المفاعلة وقد يستعمل جمعاً للّعن وهو لغة الطرد والابعاد وفي
الاصطلاح صيغة خاصّة مع كيفية خاصّة جعلت للزوج المضطر في دفع الحدّ او نفي الولد
والاصل في اللعان كتاب الله تعالى كما جاء في قوله تعالى (والذين يرمون أزواجهم ولم
يكن لهم شهداء إلاّ انفسهم فشهادة احدهم أربع شهادات بالله انه لمن الصادقين
والخامسة أنّ لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين ، ويدرؤا عنها العذاب أن تشهد أربع
شهادات بالله انّه لمن الكاذبين ، والخامسة أنّ غضب الله عليها إن كان من الصادقين)[1003]
; كما أنّ ذلك هو شأن نزولها على ما ذكره في الجواهر[1004]
من طرق العامة ، وروي عن طريق الخاصّة ما رواه عبدالرحمن بن الحجّاج قال : إنّ عباد
البصري سأل اباعبدالله(عليه السلام( وأنا عنده حاضر كيف يلاعن الرجل المرأة ؟ فقال
: إنّ رجلا من المسلمين أتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال : يا رسول
الله ! أرأيت لو أنّ رجلا دخل منزله فرأى مع امرأته رجلا يجامعها ما كان يصنع ؟
فأعرض عنه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فانصرف الرجل وكان ذلك الرجل هو الّذي
ابتلي بذلك من امرأته ، قال : فنزل الوحي من عند الله عزّ وجلّ بالحكم فيها ، قال :
فأرسل رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)إلى ذلك الرجل فدعاه فقال : أنت الّذي
رأيت مع امرأتك رجلا ؟ فقال : نعم ، فقال له : انطلق فأتني بامرأتك ، فإنّ الله عزّ
وجلّ قد أنزل الحكم فيك وفيها ، قال : فأحضرها زوجها فوقفها رسول الله(صلى الله
عليه وآله وسلم) وقال للزوج : اشهد أربع شهادات بالله انّك لمن الصادقين فيما
رميتها به ، قال : فشهد ، قال : ثم قال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) : أمسك
ووعظه ، ثم قال : اتق الله فإنّ لعنة الله شديدة ، ثم قال : اشهد الخامسة أنّ لعنة
الله عليك إن كنت من الكاذبين ، قال : فشهد فأمر به فنحى ، ثم قال )صلى الله عليه
وآله وسلم) للمرأة : اشهدي أربع شهادات بالله أنّ زوجك لمن الكاذبين فيما رماك به ،
قال : فشهدت ثم قال لها : امسكي فوعظها ثم قال لها : اتقي الله فإنّ غضب الله شديد
، ثم قال لها : اشهدي الخامسة أنّ غضب الله عليك إن كان زوجك من الصادقين فيما رماك
به قال : فشهدت ، قال : ففرّق بينهما وقال لهما : لاتجتمعا بنكاح أبداً بعد ما
تلاعنتما»[1005] .
وكذا ما رواه السيد المرتضى عن تفسير النعماني عن علي(عليه السلام( قال : «إنّ
رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لمّا رجع من غزاة تبوك قام اليه عويمر بن
الحارث فقال : إنّ امرأتي زنت بشريك بن السمحاط فأعرض عنه ، فأعاد اليه القول فأعرض
عنه ، فأعاد عليه ثالثة فقام ودخل فنزل اللعان فخرج اليه وقال : إئتني بأهلك فقد
أنزل الله فيكما قرآنا . فمضى فأتاه بأهله وأتى معها قومها فوافوا رسول الله(صلى
الله عليه وآله وسلم) وهو يصلّي العصر ، فلمّا فرغ أقبل عليهما وقال لهما : تقدّما
إلى المنبر فلاعنا ، فتقدّم عويمر إلى المنبر فتلا عليهما رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم) آية اللعان (والذين يرمون ازواجهم) الآية فشهد بالله أربع شهادات انّه
لمن الصادقين ، والخامسة أنّ غضب الله عليه إن كان من الكاذبين ، ثم شهدت بالله
أربع شهادات أ نّه لمن الكاذبين فيما رماها به فقال لها رسول الله(صلى الله عليه
وآله وسلم) : العني نفسك الخامسة فشهدت وقالت في الخامسة : إنّ غضب الله عليها إن
كان من الصادقين فيما رماها به ، فقال لهما رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) :
اذهبا فلن يحلّ لك ولن تحلّي له أبداً ، فقال عويمر : يا رسول الله)صلى الله عليه
وآله وسلم) فالّذي أعطيتها ، فقال : إن كنت صادقاً فهو لها بما استحللت من فرجها ،
وإن كنت كاذباً فهو أبعد لك منه»[1006] .
( مسألة 1 ـ إنّما يشرع اللعان في مقامين : أحدهما فيما اذا رمى الزوج زوجته
بالزنا ، ثانيهما فيما اذا نفى ولديّة من ولد في فراشه مع امكان لحوقه به) .
إنّ من الواضحات حرمة قذف المسلم والمسلمة اذا كانا محصنين ، وذلك مضافاً إلى
روايات القذف والحدّ فيه انّه يوجب هتك حرمة المقذوف وتضييعه . ولا فرق فيه بين
المسلم والكافر ، كما انّه لايجوز الرمي بالزنا مع القطع به ايضاً إلاّ في غير
المسلم كما يظهر من عملهم(عليهم السلام) في قذفهم بعض الكفار وكذا في مورد شهد به
اربعة عدول كالميل في المكحلة .
ثم إنّ سببيّة نفي الولد للّعان هو مجمع عليه كما يدل عليه النصوص ايضاً وأمّا
رمي الزوجة بالزنا فهو ثابت بكتاب الله بل لا خلاف فيه إلاّ عن الصدوق ، استناداً
إلى خبرين غير معمول بهما عند الاصحاب وهما مخالفان للكتاب كما أنّ احدهما هو ضعيف
السند .
ثم لايخفى أنّ نفي الولد هو على وجهين ; فمرة هو مع القذف بالزنا فيدلّ عليه
الكتاب ، واخرى بغير قذفها به فلا يشمله الكتاب ولكن الاجماع قائم على جريانه فيه
ايضاً . ثم إنّ اللّعان موجب لنفي الحدّ عمن لاعن ولنفي الولد عن الزوج دون الزوجة
وللعان في كل منها شروط كالرؤية والدخول كما يأتي تفصيله ومع عدم تحققها يحدّ حدّ
القذف ، قضاءً لاطلاق الكتاب والسنّة .
( مسألة 2 ـ لايجوز للرجل قذف زوجته بالزنا مع الريب ، ولا مع غلبة الظنّ ببعض
الاسباب المريبة ، بل ولا بالشياع ولا باخبار ثقة ، نعم يجوز مع اليقين ، لكن
لايصدّق اذا لم تعترف به الزوجة ولم تكن بيّنة ، بل يحدّ حدّ القذف مع مطالبتها
إلاّ اذا اوقع اللعان الجامعة للشروط الآتية فيدرأ عنه الحد) .
وهو المستفاد من ظاهر عبارة غير واحد من الاصحاب لكن الحق في المسألة أنّ رمي
المحصنة حرام مطلقاً من دون فرق بين كون الرامي الزوج او غيره ، ومن دون فرق بين
المسلمة وغيرها ، لكن يجوز في غير المسلمة عند اليقين .
نعم إن ثبت عند القاضي بالبيّنة فلا حرمة ولا حدّ عليه بل باقرارها ايضاً بل
غيره من طرق الاثبات عنده على تقدير قبول الثبوت عنده من غير البيّنة والاقرار كما
لا حرمة في خصوص الزوج إن اجرى اللعان .
لايقال : إنّه على ذلك يلزم منه عدم جواز اعلام الزنا عند الحاكم .
لأنّ فيه أوّلا : أنّ الاشكال يجري في الحدّ والحكم الوضعي ايضاً لأنّ الرامي
يحدّ إن لم يقم الشهود عليه .
وثانياً : قد اجيز الرمي مع قيام اربعة شهداء فقط .
هذا ويدلّ عليه عموم الكتاب والسنّة ، أمّا الكتاب فهو قوله تعالى (والذين يرمون
المحصنات ثم لم يأتوا باربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولاتقبلوا لهم شهادة ابداً
واولئك هم الفاسقون)[1007] .
وأمّا السنّة فمنها : ما رواه محمد بن سنان ، عن الرضا(عليه السلام) فيما كتب
اليه في جواب مسائله : «وحرّم الله قذف المحصنات لما فيه من فساد الأنساب ونفي
الولد وابطال المواريث وترك التربية وذهاب المعارف وما فيه من الكبائر والعلل التي
تؤدّي إلى فساد الخلق»[1008] .
ومنها : ما رواه الصدوق في عقاب الاعمال عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال
: «ومن رمى محصناً أو محصنة أحبط الله عمله ، وجلده يوم القيامة سبعون ألف ملك من
بين يديه ومن خلفه ، ثم يؤمر به إلى النار»[1009] .
ومنها : ما رواه ابن ابي عمير ، عن أبي الحسن الحذّاء ، قال : «كنت عند ابى
عبدالله(عليه السلام( فسألني رجل ما فعل غريمك ؟ قلت : ذاك ابن الفاعلة فنظر الىّ
ابوعبدالله)عليه السلام) نظراً شديداً . قال : فقلت : جعلت فداك انّه مجوسىّ امّه
اخته ، فقال : أو ليس ذلك في دينهم نكاحاً ؟ !»[1010]
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) «انّه نهى عن قذف
من ليس على الاسلام إلاّ أن يطلع على ذلك منهم ، وقال : أيسر ما يكون أن يكون قد
كذب»[1011] .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) «انّه نهى عن قذف من كان
على غير الاسلام إلاّ أن تكون قد اطلعت على ذلك منه»[1012] .
( مسألة 3 ـ يشترط في ثبوت اللعان بالقذف أن يدّعي المشاهدة فلالعان فيمن لم
يدّعها ومن لم يتمكن منها كالاعمى ، فيحدّان مع عدم البيّنة) .
وذلك بلا خلاف بين الاصحاب بل ادّعي الاجماع عليه ، خلافاً للشهيد في المسالك
فانّه مع نسبته هذا الشرط إلى مذهب الاصحاب ذهب إلى عدم اشتراطه . ولايخفى أنّ
مقتضى الآية عدمه ، واستُدلّ لاشتراطه باخبار كثيرة :
منها : موثقة ابي بصير ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) انّه قال «في الرجل يقذف
امرأته يجلد ثم يخلّي بينهما ولايلاعنها حتى يقول : انّه قد رأى بين رجليها من يفجر
بها»[1013] .
ومنها : مضمرة محمد بن مسلم قال : سألته «عن الرجل يفتري على امرأته قال : يجلد
ثم يخلّي بينهما ولايلاعنها حتى يقول أشهد أنّي رأيتك تفعلين كذا وكذا»[1014]
.
ومنها : مرسلة ابان ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «لايكون لعان حتّى يزعم
أنّه قد عاين»[1015] .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «اذا قذف الرجل
امرأته فانّه لا يلاعنها حتى يقول : رأيت بين رجليها رجلا يزني بها»[1016]
.
ومنها : خبر محمد بن سليمان ، عن ابي جعفر الثاني(عليه السلام( قال : قلت له :
«كيف صار الرجل اذا قذف امرأته كانت شهادته أربع شهادات بالله واذا قذفها غيره أب
أو اخ او ولد او غريب جلّد الحدّ او يقيم البيّنة على ما قال ؟ فقال : قد سئل
أبوجعفر )جعفر بن محمد ـ خ . فقيه) عن ذلك فقال : إنّ الزوج اذا قذف امرأته فقال :
رأيت ذلك بعيني كانت شهادته أربع شهادات بالله ، واذا قال : انّه لم يره قيل له :
أقم البيّنة على ما قلت ، وإلاّ كان بمنزلة غيره ، وذلك أنّ اللّه تعالى جعل للزوج
مدخلا لايدخله غيره والد ولا ولد يدخله بالليل والنهار فجاز له أن يقول : رأيت ،
ولو قال غيره : رأيت ، قيل له : وما أدخلك المدخل الّذي ترى هذا فيه وحدك ، أنت
متّهم فلا بدّ من أن يقيم عليك الحدّ الّذي أوجبه الله عليك»[1017] .
ونحوه مرسلة محمد بن أسلم الجبلي ، عن الرضا(عليه السلام) ، وزاد : «وإنّما صارت
شهادة الزوج أربع شهادات بالله لمكان الأربعة الشهداء مكان كلّ شاهد يمين»[1018]
.
نعم لقائل أن يقول : إنّ ذكر الرؤية هو من باب احد مصاديق العلم فلا مدخل لنفس
الرؤية ، ولاموضوعية لها او يقول : إنّها معتبرة فيمن تمكن له لا أ نّها معتبرة
مطلقاً . ولايخفى أ نّه مخالف للنصوص لأنّ الظاهر منها أنّ لها الموضوعية والمدخلية
، كما أنّ الظاهر منها اشتراطها مطلقاً لكن الّذي يختلج في الذهن أنّ الشهادة
لاتتوقف على الرؤية ويكفي العلم ، مع أنّ المذكور في روايات الشهادة ايضاً هو
الرؤية فإن جازت الشهادة بدونها فهنا ايضاً لم تشترط الرؤية وهو الّذي قالوه في
الشهادة على الزنا اعتماداً على العلم وإن لم ير كالميل في المكحلة ، مضافاً إلى
أنّ كفاية العلم هي موافقة للحكمة في جعل اللعان فإنّه جعل لرفع المشقة والاضطرار ،
كما يؤيّده اطلاق الكتاب ، ولسان هذه النصوص لسان التفسير فهو مخالف لظاهر الكتاب
إلاّ أن يحمل على أنّ ذكرها من باب ذكر المصداق وليس لسانها لسان التقييد فهي تفسير
بالمصداق .
هذا والتحقيق أنّ هذه الوجوه غير تامّة ، مع أنّ بعضها ليس بحجة حتى مع التمامية
. أمّا كفاية العلم في الشهادة وإن حصل عن غير رؤية فهي تختلف عمّا نحن فيه الّذي
هو اللعان لا الشهادة ، مع أنّ المشهور في الشهادة على الزنا ايضاً لزوم كونها عن
رؤية ، وأمّا الحكمة فلاتستلزم الحكم في كل مورد وجدت فإنّ الحكم يدور مدار الحكمة
عدماً لاوجوداً بخلاف العلّة حيث إنّ الحكم يدور مدارها وجوداً وعدماً فالحكم ليس
دائراً على الحكمة وهو اعم منها .
وأمّا كون هذه النصوص مفسّرة للكتاب لا المقيّدة له . ففيه : أنّ التقييد غير
الحكومة فإنّ الدليل الحاكم ناظر إلى الدليل المحكوم ومع عدم الاخير لا معنى للاوّل
وهذا بخلاف التخصيص والتقييد فإنّه لايلزم كونهما ناظرين إلى المطلق والعام ، وجلّ
الادلة المقيّدة للكتاب ليست ناظرة اليه ; مضافاً إلى أنّ هذه الاخبار لو سلّم
كونها مفسرة له ولكن لايعلم ولم يثبت أ نّها خلاف ظاهر الكتاب لأنّ المذكور في
اللعان ايضاً هو الشهادة اربعاً فهي مكان اربعة شهود في الزنا فإنّ تلك الجملات
الاربع نازلة منزلة اربعة شهود ، فكما تعتبر الرؤية في الشهادة على الزنا عند
المشهور فكذلك هنا .
هذا كله مع أنّ في النصوص ما هو صريح في اعتبار الرؤية ولايمكن عدّه من باب ذكر
المصداق وهو صحيحة محمد بن سليمان كما مرّ فما ذهب اليه المشهور هو الحق في المسألة
.
( وأن لاتكون له بيّنة ، فإن كانت تتعيّن إقامتها لنفي الحدّ ولا لعان) .
كما هو المشهور وهو مختار الشيخ في المبسوط لكنّه(قدس سره( في الخلاف وكذا
العلاّمة(قدس سره)في المختلف ذهبا إلى عدم اعتباره ، والدليل عليه هو قوله تعالى
)ولم يكن لهم شهداء) فإنّ الظاهـر من القيد هـو كونه حـدّاً للحكم ومع عـدم مفهومـه
ايضاً لا دليل على صحة اللعان كما هو مقتضى الاصل .
واستدل لقول مثل الشيخ والعلامة بأنّ القيد وارد مورد الغالب ، وبعدم سؤاله(صلى
الله عليه وآله وسلم) عن الرجل هل له بيّنة ام لا ؟
وفيهما أنّ الاصل في القيد هو كونه للاحتراز في مقام التحديد وأمّا عدم
سؤاله(صلى الله عليه وآله وسلم) في قضية شخصية لايدلّ على اطلاق الحكم ، وبعبارة
اخرى أنّ الخبر كما في الجواهر من قضايا الاحوال لامن ترك الاستفصال عقيب السؤال .
هذا مع أنّ الحكمة تناسب اشتراطه بانتفاء البينة .
ثم إنّه استدلّ في الحدائق على عدم اعتباره باطلاق النصوص ، وردّه في الجواهر
بانّها محمولة على الغالب ، والاولى أن يقال : إنّه لايوجد نصّ مطلق حتى يجاب عنه
بما اجاب به صاحب الجواهر(قدس سره) .
( مسألة 4 ـ يشترط في ثبوت اللعان أن تكون المقذوفة زوجة دائمة فلا لعان في قذف
الأجنبيّة ، بل يحدّ القاذف مع عدم البيّنة) .
وذلك لدلالة الآية حيث نسب اللعان فيها إلى الزوجة ، واللقب وإن لم يكن له
المفهوم لكن ملاحظة سياق الآية من اثبات الحدّ على الذين يرمون المحصنات ثم اثبات
اللعان للذّين يرمون ازواجهم ، تفيدنا أنّ للزوجة دخلا في الحكم ولااقلّ من قصور
الادلة فلا دليل على اللعان في غير الزوجة .
( وكذا في المنقطعة على الأقوى) .
كما هو المشهور شهرة عظيمة بل لم يحك الخلاف إلاّ عن السيّد والمفيد اخذاً بعموم
الآية واستدلّ للمشهور بأنّ عموم الآية يخصص بما يدل على التخصيص :
منها : صحيحة ابن ابى يعفور ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «لايلاعن الرجل
المرأة التي يتمتّع منها»[1019] .
ومنها : صحيحة ابن سنان ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «لايلاعن الحرّ
الأمة ولا الذمّية ولا التي يتمتّع بها»[1020] .
والاخيرة منها : هو ما رواه الشهيد في المسالك من رواية عليّ بن جعفر عن
اخيه(عليه السلام) مرسلة وذهب المشهور إلى تقييد الكتاب بها ولكنّ الثالثة منها
ليست بازيد من مرسلة على تقدير كونها رواية ، مضافاً إلى أنّ صدر صحيحة ابن سنان
مخالف لفتوى الاصحاب وللاخبار الكثيرة الواردة في لعان الامة والذمية المزوجتين
ولذلك قد حملوها على التقية او غير المزوّجة فالاستدلال بهما للتقييد لايخلو من
مناقشة وأمّا احتمال انصراف الآية إلى الدائمة لاسيّما مع لحاظ شأن نزولها فيدفعه
أنّ الزوج والزوجة في الكتاب والسنّة اعم من الدائم والدائمة ولذا لم يستدلّ به احد
من الفقهاء .
( وأن تكون مدخولا بها وإلاّ فلا لعان) .
كما يدل عليه النصوص الكثيرة ، منها : خبر ابي بصير ، عن ابي عبدالله(عليه
السلام)قال : «لايقع اللعان حتى يدخل الرجل بأهله»[1021] .
ومنها : مرسلة ابن ابي عمير قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : «الرجل يقذف
امرأته قبل أن يدخل بها ، قال : يضرب الحدّ ويخلّى بينه وبينها»[1022] .
ومنها : خبر محمد بن مضارب ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «من قذف امرأته
قبل أن يدخل بها جلد الحدّ وهي امرأته»[1023] .
ومنها : خبر محمد بن مسلم ، عن ابي جعفر(عليه السلام) قال : «لاتكون الملاعنة
ولا الايلاء الا بعد الدخول»[1024] .
ومنها : خبر محمد بن مضارب ايضاً ، قال : قلت لابي عبدالله(عليه السلام) : «ما
تقول في رجل لاعن امرأته قبل أن يدخل بها ؟ قال : لايكون ملاعناً إلاّ بعد أن يدخل
بها ، يضرب حدّاً وهي امرأته ويكون قاذفاً»[1025] .
هذا وقد اورد عليها في المسالك بضعفه سنداً ، ودلالة بانه لعلّها مختصّة بنفي
الولد ، وفيه : أنّ بعضها تام السند إلاّ على مبناه في قبول الصحيح الاعلائى على
حدّ تعبيرهم مع أنّ ضعف السند منجبر بعمل الأصحاب .
( وأن تكون غير مشهورة بالزنا ، وإلاّ فلا لعان) .
قالوا : إنّ هذا لم يوجد في غير كلام المحقق والعلاّمة ، واستُدل له بأنّ اللعان
في الآية جعل دافعاً للحدّ ومعلوم أنّ قذف المشهورة بالزنا ليس له حدّ لانّها ليست
محصنة ، بل يعزّر فقط .
( بل ولا حدّ حتى يدفع باللعان بل عليه التعزير لو لم يدفعه عن نفسه بالبيّنة ،
نعم لو كانت متجاهرة بالزنا لايبعد عدم ثبوت التعزير ايضاً) .
وذلك لأنّ حرمة الافتراء ، هي لحفظ العرض ولايوجد هنا .
( ويشترط في اللعان أيضاً أن تكون كاملة سالمة عن الصمم والخرس) .
اجماعاً ويدل عليه الروايات وهي تحرم عليه بمجرد القذف ولايحرم عليها ما دامت
معه ، نعم إن كانت خرساء بغير صمم ففيه خلاف ولاتشملها النصوص لأنّ الخرس بالعرض
خارج عن النصوص وهي منصرفة عنها .
( مسأله 5 ـ لايجوز للرجل أن ينكر ولدية من تولّد في فراشه مع امكان لحوقه به
بأن دخل بامّه أو امنى في فرجها او حواليه بحيث امكن جذب الرحم ايّاه ، وقد مضى من
ذلك إلى زمان وضعه ستة أشهر فصاعداً ولم يتجاوز عن أقصى مدّة الحمل ، حتى فيما اذا
فجر احد بها فضلا عمّا اذا اتهمها ، بل يجب الاقرار بولديته) .
وهو قضاءً لقاعدة الولد للفراش وللعاهر الحجر وقد روي ايضاً أنّ النبي(صلى الله
عليه وآله وسلم)قال : «أ يّما امرأة أدخلت على قوم من ليس منهم فليست من الله في
شيء ولم تدخل جنّته وأيّما رجل نفى نسب ولده وهو ينظر اليه احتجب الله عنه وفضحه
على رؤوس الخلائق من الاولين والآخرين»[1026] .
( نعم يجب عليه أن ينفيه ولو باللعان مع علمه بعدم تكوّنه منه من جهة علمه
باختلال شروط الالتحاق به اذا كان بحسب ظاهر الشرع ملحقاً به لو لا نفيه لئلاّ يلحق
بنسبه من ليس منه فيترتب عليه حكم الولد في الميراث والنكاح ونظر محارمه وغير ذلك)
.
هـذا ولايخفى عليك أ نّه لا دليل على وجـوب اعلام الموضوعات فيما يرتبط بحقوق
الله ، نعم يجب ذلك في حقوق الناس فيجب النفي لئلا يترتب عليه حكم الولد في الميراث
وما شابهه من حقوق الناس ، واستدل صاحب الجواهر مضافاً إلى ما ذكر بالنبوي المزبور
، وفيه مالايخفى ، فإنّ الرواية في الحاق المرأة الولد بمن ليس منه والظاهر أنّ
النهي فيها راجع إلى الخيانة والزنا فلا يمكن الغاء الخصوصية منها إلى نفي الزوج
ولداً جاءت به المرأة من طريق الزنا او الوطىء بالشبهة او غيرهما من الطرق .
ثم إنّ الشهيد في المسالك قال : «ربما قيل بعدم وجوب نفيه ، وإنّما يحرم التصريح
باستلحاقه كذباً دون السكوت عن النفي ، وذلك لأنّ في اقتحام اللعان شهرة وفضيحة
يصعب احتمالها على ذوي المروات فيبعد ايجابه»[1027] . واورد عليه في
الجواهر بما لا بأس به ، قال : «ولايخفى عليك ضعفه ، بل يمكن تحصيل الاجماع على
خلافه ، مضافاً إلى ظاهر بعض النصوص»[1028] .
( مسألة 6 ـ لو نفى ولديّة من ولد في فراشه فإن علم أنّه دخل باُمّه دخولا يمكن
معه لحوق الولد به او أقر بذلك ومع ذلك نفاه لايسمع منه ولاينتفي منه لا باللعان
ولا بغيره) .
ففي صورة الاقرار فالحكم واضح وأمّا الصورة الاولى : فإنّ اطلاق ادلة اللعان
يفيد صحة جريانه فيها . هذا اذا قرء «علم» في المتن بالصيغة المبنيّة للمفعول اي
المجهولة وأمّا إن قرء بالمبنيّة للفاعل فله وجه وهو أنّ اللعان هو قسم في الحقيقة
فمع احتمال كون الولد منه كيف يقسم لنفيه جزماً ، كما انّه شهادة فكيف يشهد مع
احتمال خلافه فهو ليس بجائز ولا نافذ ، وعلى الاخير لايناسب قوله «لايسمع منه» فإنّ
عدم علم الزوج لايؤثر في عدم السماع منه وعلى كل حال إن علم بأنّ الولد ليس منه
فاللعان جائز تكليفاً ووضعاً وإن احتمل خلافه فهو حرام وغير نافذ .
(وأمّا لو لم يعلم ذلك ولم يقرّ به وقد نفاه إمّا مجرداً عن ذكر السبب بأن قال :
«هذا ليس ولدي» أو مع ذكره بأن قال : «لأني لم أدخل باُمّه اصلا» او انكر دخولا
يمكن تكوّنه منه فحينئذ وإن لم ينتف عنه بمجرد نفيه لكن باللعان ينتفي عنه بشرط
ثبوت الدخول ، ومع عدم ثبوته لم يشرع اللعان مطلقاً) .
مع ذكر السبب وعدمه كما هو واضح .
( مسألة 7 ـ إنّما يشرع اللعان لنفي الولد اذا كان المرأة منكوحة بالعقد الدائم)
.
كما مرّ .
( وأمّا ولد المتمتع بها فينتفي بنفيه من دون لعان وإن لم يجز له نفيه مع عدم
علمه بالانتفاء) .
وكل ذلك قضاءً لقاعدة الفراش ، نعم إن علم أ نّه ليس له فينتفى بنفيه كما ادّعي
عليه الاجماع كثيراً .
لكن يرد عليه بانّه اذا كان الظاهر كون الولد له قضاءً للقاعدة لايجري اللعان بل
لايجوز له نفيه وإن علم انّه ليس منه إن كان يلازم القذف بالزنا ، وأمّا الاجماع
المدّعى فيحمل على مورد لاتجري فيه قاعدة الفراش وهو موضع يحتاج ثبوت النسبة إلى
اقراره .
( ولو علم أ نّه دخل بها او أمنى في فرجها او حواليه بحيث يمكن أن يكون الولد
منه او اقر بذلك ومع ذلك قد نفاه لم ينتف عنه بنفيه ، ولم يسمع منه ذلك كالدائمة) .
وهو كما مرّ .
( مسألة 8 ـ لا فرق في مشروعية اللعان لنفي الولد بين كونه حملا او منفصلا) .
قضاءً لاطلاق الادلة .
( مسألة 9 ـ من المعلوم أنّ انتفاء الولد عن الزوج لايلازم كونه من زنا ،
لاحتمال تكوّنه من وطئ الشبهة او غيره فلو علم الرجل بعدم التحاق الولد به وإن جاز
له بل وجب عليه نفيه عن نفسه لكن لايجوز له أن يرميها بالزنا وينسب ولدها بكونه من
الزنا) .
وهو كما مرّ .
( مسألة 10 ـ لو اقرّ بالولد لم يسمع انكاره له بعد ذلك ، سواء كان اقراره
صريحاً او كناية مثل أن يبشر به ويقال له : «بارك الله لك في مولودك» فيقول :
«آمين» أو «إن شاء الله تعالى» بل قيل : انه اذا كان الزوج حاضراً وقت الولادة ولم
ينكر الولد مع ارتفاع العذر لم يكن له انكاره بعده) .
لانّه اقرار عملىّ .
( بل نسب ذلك إلى المشهور لكن الاقوى خلافه) .
والحق أنّ الحضور إن اعتبر اقراراً عملياً فلا يسمع وإلاّ فيسمع .
( مسألة 11 ـ لايقع اللعان إلاّ عند الحاكم الشرعي ، والاحوط أن لايقع حتى
عندالمنصوب من قبله لذلك) .
واعلم أنّ هنا بحثين :
احدهما : في كفاية اللعان عند المنصوب وعدمها .
وثانيهما : في جواز اللعان عند قاضي التحكيم على فرض كفايته في غيره وعدمه . ثم
إنّه هل الفقيه الجامع للشرايط يعدّ من مصاديق قاضى التحكيم او يجوز عنده بما هو
قاض حاكم ، ولايخفى أنّ مقتضى الاصل عدم نفوذ اللعان إلاّ عند من ثبت النفوذ عنده .
ثم إنّ اطلاق النصوص لايفيد النفوذ عند الكل لانّه عند العرف والعقلاء هو امر
يرجع إلى الحكومة والولاية ويقوم به من يقوم بامور العامّة كالدعاوي ، فالاطلاقات
إن لم نقل إنّها دالة على لزوم كونه عند الحاكم فلا اقل من سكوتها من هذه الجهة .
هذا مع أنّ اللعان هو إمّا شهادة وإمّا يمين او كلاهما ، وهما لايسمعان عند غيره ،
والحق وجوب وقوعه عند الحاكم والوالي على امور المسلمين ، وهذا مضافاً إلى ما قيل
من أنّ الحدّ كما هو بيد الحاكم فدرؤه ايضاً ، وما قيل من أنّ اليمين والشهادة
تصحّان عندالحاكم فقط ، يدل عليه سياق اخبار الباب الدال على انّه من شؤون الحكومة
، فمنها : ما رواه محمد بن مسلم ، قال : سألت أباجفعر(عليه السلام) «عن الملاعن
والملاعنة كيف يصنعان ؟ قال : يجلس الامام مستدبر القبلة يقيمهما بين يديه مستقبل
القبلة بحذائه ويبدأ بالرجل ثم المرأة والتي يجب عليها الرجم ترجم من ورائها ولا
ترجم من وجهها ، لأنّ الضرب والرجم لايصيبان الوجه يضربان على الجسد على الاعضاء
كلّها»[1029] .
ومنها : ما رواه احمد بن محمد بن ابي نصر قال : سألت اباالحسن الرضا(عليه
السلام)«كيف الملاعنة ؟ فقال : يقعد الامام ويجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن
يمينه والمرأة عن يساره»[1030] .
ومنها : ما رواه في دعائم الاسلام عن ابي عبدالله(عليه السلام) انّه قال :
«اللعان أن يقول الرجل لامرأته عند الوالي : إنّي رأيت رجلا مكان مجلسي منها ، أو
ينتفي من ولدها فيقول : ليس هذا منّي فاذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي»[1031]
.
وكذا ما رواه فيه عنه(عليه السلام) انّه قال : «اذا قذف الرجل امرأته ، فإن هو
رجع جُلد الحدّ ثمانين ، وردّت عليه امرأته . وإن أقام على القذف لاعنها ،
والملاعنة أن يشهد بين يدي الامام أربع شهادات بالله إنّه لمن الصادقين» . إلى أن
قال : «ويؤمّن الامام بعد فراغ كل واحد منهما من القول ، قال : والسنّة أن يجلس
الامام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كلّ واحد منهما مستقبل القبلة»[1032]
.
ومنها : ما رواه ايضاً عن علي(عليه السلام( وعن جعفر )ابي جعفر خ . ل) أ نّهما
قالا : «اذا تلاعن المتلاعنان عند الامام فرّق بينهما ولم يجتمعا بنكاح ابداً» .
والحديث[1033] .
إذا عرفت ذلك فنقول : إنّ في زمن الغيبة قد جعل الفقيه الجامع للشرائط حاكماً
على المسلمين لاطلاق مثل مقبولة عمر بن حنظلة وقد صرّح بذلك صاحب الجواهر(قدس سره(
في نفس المسألة ، بل قد يقال : إنّ الامام المذكور في تلك النصوص يشمل الامام
المعصوم)عليه السلام) وغيره من الفقهاء الجامعين للشرائط كما ذهب اليه صاحب تكملة
الحدائق .
وأمّا المنصوب من قبل الفقيه للملاعنة او المنصوب في الدعاوى والحدود والتعزيرات
فهل يجوز لهما اجراء اللعان ام لا ؟
اقول : إنّ الحكم بالصحة مشكل لأنّ ما هو المذكور في النصوص هو الامام والوالي ،
والمنصوب من قبل الفقيه ليس بوال ولا امام ، كما أنّ ثبوت اللعان عند القضاة
المتعارف نصبهم اليوم ايضاً مشكل لانّهم ليسوا حكاماً على المسلمين ولا ولاة عليهم
، ومنه يظهر حكم قاضي التحكيم ايضاً ، لأنّ الفقيه نفسه حاكم على المسلمين ولايصل
الامر إلى جعله قاضياً للتحكيم ، وجعل غير الفقيه الجامع للشرائط قاضياً محكّماً
فالحق عدم صحته هنا وإن صحّ في غيره ، لأنّ مثل «المؤمنون عند شروطهم»[1034]
يجري هناك ولايجري هنا لاحتمال كونه من شؤون الامام خاصّة فالامامة والولاية من
شروطه واحتمال الشرطية لايمكن انتفائه باعمال الولاية .
( وصورته أن يبدأ الرجل ويقول بعد ما قذفها او نفى ولدها : «أشهد بالله أني لمن
الصادقين فيما قلت من قذفها ـ أو في نفى ولدها ـ» يقول ذلك أربع مرّات ، ثم يقول
مره واحدة : «لعنة الله عليّ إن كنت من الكاذبين» ثم تقول المرأة بعد ذلك اربع
مرّات «أشهد بالله انه لمن الكاذبين في مقالته من الرمي بالزنا ـ أو نفي الولد ـ»
ثم تقول مرّة واحدة : «أن غضب الله عليّ إن كان من الصادقين») .
وهذا لا شك في كفايته عند الخاصة والعامة وهو مطابق للنصوص والفتاوى وأمّا كفاية
غيره وعدمها فيأتي الكلام فيها في المسألة الآتية .
( مسألة 12 ـ يجب أن تكون الشهادة واللعن على الوجه المذكور ، فلو قال أو قالت :
أحلف او أقسم او شهدت او أنا شاهد او أبدلا لفظ الجلالة بغيره كالرحمان وخالق البشر
ونحوهما او قال الرجل : اني صادق او لصادق او من الصادقين بغير ذكر اللام أو قالت
المرأة : انّه لكاذب او كاذب او من الكاذبين لم يقع ، وكذا لو أبدل الرجل اللعنة
بالغضب والمرأة بالعكس) .
ويأتي الكلام فيها في المسألة الرابعة عشر .
( مسألة 13 ـ يجب أن يكون اتيان كل منهما باللعان بعد القاء الحاكم ايّاه عليه ،
فلو بادر به قبل أن يأمر الحاكم به لم يقع) .
وذلك لانّه يمين ، فالمبادرة قبل امر الحاكم كالمبادرة بالحلف قبل الاحلاف ،
وللاخبار المبيّنة لكيفية اللعان ، ولأنّ الحدّ لايقيمه إلاّ الحاكم فما يدرأه
ايضاً لايقيمه إلاّ هو ولا اشكال .
( مسألة 14 ـ يجب أن تكون الصيغة بالعربية الصحيحة مع القدرة عليها ، وإلاّ أتى
بالميسور منها ومع التعذّر أتى بغيرها) .
اعلم إنّه لم ينقل خلاف من غير الامامية في عدم كفاية غير ما ذكر من الصيغة بل
نقل الاجماع من الامامية على عدم كفايته لكن يقع الكلام في غيرالعربية من جهتين ؟
من جهة اللسان كادائها باللغة الفارسية او غيرها من اللغات غير العربية ، ومن جهة
الكلمات والجملات . أمّا من جهة اللسان فاعلم أنّ عبارات المتأخرين من الاصحاب
صريحة في لزوم العربية الصحيحة ; نعم إن لم يمكن لهما اتيانها صحيحة يجوز الاكتفاء
بالميسور ولايخفى أنّ مقتضى الصناعة هو عدم اشتراطها لانّه وإن ذكر في الكتاب
والسنّة بالعربية لكنه معلوم أنّ ذكرها هناك بالعربية ليس في مقام البيان او لبيان
الاشتراط بل المتفاهم العرفي من مثل تلك الصيغ هو كفاية سائر اللغات ايضاً .
واستُدل على الاشتراط بوروده في الكتاب والسنّة بالعربية ، مضافاً إلى انّه ليس اقل
من العقود اللازمة وكذا بعض الايقاعات ، فكما يعتبر فيها العربية تعتبر هنا ايضاً ،
مضافاً إلى اجماع علماء الاسلام على كفاية العربية .
وفيها ما ترى ، فإنّ محض الذكر في الكتاب والسنة لايدل على الاشتراط ، وفي
العقود والايقاعات ايضاً لايعتبر في اكثرها اللفظ فضلا عن العربية ، والاجماع على
كفاية العربية لايدل على عدم كفاية غيرها . وإن قيل إنّ اجماع الامامية قائم على
عدم كفاية غير تلك الصيغ ومن الغير التبديل في اللغة ، فجوابه أنّ الاجماع المذكور
غير ثابت ; مضافاً إلى انّه لايعلم ثبوته في غير تبديل الكلمة . فالجواز بغير
العربية لايخلو من قوّة . نعم على تقدير عدم التمكن من الصحيح يجرى بغير العربية .
وأمّا الجهة الثانية وهي تبديلها بكلمات اخرى كالجمع إلى الافراد في «الصادقين»
او ذكر اداة التأكيد كما جاء في النص الشريف القرآني فإنّ ذكرها فيه مع انّه زائد
في الكلام ، يدل على لزوم الاتيان به ، كما انّه فرق بين لفظ الجلالة وسائر اساميه
وصفاته ، سبحانه وتعالى ، فإنّ «الله» جامع لجميع الصفات الكمالية ومظهر لها ، وهذا
بخلاف مثل اسم «الرحمن» .
ولكنه مع ذلك ، الحق انّه لا دليل على شرطية الاتيان بالمضارع في الشهادة بل جاء
في بعض الاخبار كفاية «أحلف» فتأمل . وقد نقل في الجواهر عن كشف اللثام ما هذا نصّه
: «لعلّ تخصيص الألفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليظ والتأكيد ، فإنّ الشهادة
يتضمّن مع القسم الاخبار عن الشهود والحضور ، والتعبير بالمضارع يقربه إلى الانشاء
، لدلالته على زمان الحال ، ولفظ الجلالة اسم لذات المخصوص بها بلا شائبة اشتراك
بوجه ، ومن الصادقين بمعنى انّه من المعروفين بالصدق ، وهو أبلغ من نحو صادق ، وكذا
من الكاذبين ، ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعلّه للمشاكلة ، فإنّ المناسب
للتأكيد خلافه ، وتخصيص اللعنة به والغضب بها ، لأنّ جريمة الزنا اعظم من جريمة
القذف»[1035] .
ثم قال صاحب الجواهر ردّاً عليه : «لايخفى عليك عدم اقتضاء ذلك الجمود المزبور ،
بل لا صراحة في الكتاب والسنّة بذلك ، بل ولا ظهور ، فإنّ المنساق خصوصاً من السنّة
ارادة ابراز المعنى المزبور وأنّ الكيفية المخصوصة احدى العبارات الدالة عليه ، بل
لولا ظهور اتفاق الأصحاب لأمكن المناقشة في بعض ماسمعته من الجمود المزبور وإن كان
هو الموافق لأصالة عدم ترتب حكم اللعان ، إلاّ أ نّه يمكن دعوى ظهور النصوص في خلاف
الجمود المزبور ، منها : الخبر المروي عن النبى(صلى الله عليه وآله وسلم)في ملاعنة
هلال بن امية ، فإنّه قال : «احلف بالله الّذي لا اله إلاّ هو إنّك لصادق»[1036]
.انتهى كلامه(قدس سره)[1037] .
اقول : وقد ظهر ممّا مر منا ما في الاخير من كلامه(قدس سره) فإنّ الظاهر من
الكتاب والسنّة الجمود في غير مادّة الشهادة .
( مسألة 15 ـ يجب أن يكونا قائمين عند التلفظ بألفاظهما الخمسة ، وهل يعتبر أن
يكونا قائمين معاً عند تلفظ كل منهما أو يكفي قيام كل عند تلفظه بما يخصه ؟ أحوطهما
الاوّل ، بل لايخلو من قوّة) .
اعلم أنّ من الشروط المذكورة في اللعان هو قيام المتلاعنين وفيه ثلاثة اقوال ;
احدها : وجوب قيام كل منهما عند اتيانه نفسه باللعان وهو مختار المحقق في الشرائع[1038]
والمحكي عن الصدوق في المقنع[1039] والشيخ في المبسوط[1040]
وابن ادريس[1041] .
ثانيها : قيامهما معاً عند لعان كل واحد منهما ، ونسبه الشهيد في المسالك[1042]
إلى الاكثر وهو مختار الشيخ في النهاية[1043] وكذا مختار المتأخرين وقد
نسب إلى المشهور .
ثالثها : استحباب القيام وهو المحكي عن ابن سعيد كما أنّ ذلك هو ظاهر الصدوق في
الهداية والمحقق في المختصر حيث إنّهما لم يذكراه في الشروط .
هذا واستدل للاوّل بمرسلة الصدوق ، قال : وفي خبر آخر : «ثم يقوم الرجل فيحلف
أربع مرات بالله إنّه لمن الصادقين فيما رماها به ، ثم يقول له الامام : اتق الله
فإنّ لعنة الله شديدة ثم يقول الرجل : لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين فيما
رماها به ، ثم تقوم المرأة فتحلف أربع مرّات بالله انّه لمن الكاذبين فيما رماها
به» الحديث[1044] .
وكذا بما حكي من فعل النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) من انّه امر عويمر بالقيام
فلمّا تمت شهادته امر امرأته بالقيام على ما هو المحكي من سنن البيهقي .
واستدلّ للثاني بصحيحة محمد بن مسلم التي قد مرّت ، قال : سألت اباجعفر(عليه
السلام)«عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان ؟ قال : يجلس الامام مستدبر القبلة
يقيمهما بين يديه مستقبل القبلة بحذائه ويبدأ بالرجل ثم المرأة» الحديث[1045]
. وكذا بصحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن ابي عبدالله(عليه السلام( التي قد مرّت ايضاً
وفيها «فأحضرها زوجها فوقفها رسول الله)صلى الله عليه وآله وسلم) وقال للزوج : اشهد
اربع شهادات بالله انّك لمن الصادقين فيما رميتها به» الحديث[1046] .
واستدل للثالث باطلاق الكتاب وبرواية دعائم الاسلام عن ابي عبدالله(عليه
السلام)في حديث قال : «والسنة أن يجلس الامام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كل واحد
منهما مستقبل القبلة»[1047] . وهو مقتضى الجمع بين النصوص فإنّ الاختلاف
بين الصحيحتين وبين المرسلة وما وقع في عويمر مشعر بالندب ، وتحمل صحيحة على بن
جعفر ايضاً على الاستحباب ، فإنّه روى عن اخيه ابي الحسن(عليه السلام) في حديث قال
: سألته «عن الملاعنة قائماً يلاعن أم قاعداً ؟ قال : الملاعنة وما اشبهها من قيام»[1048]
.
هذا ولكن التحقيق هو وجوب قيامهما معاً وذلك لدلالة الصحيحتين ، وأمّا مرسلة
الفقيه ورواية العامّة في عويمر ومرسلة الدعائم لاتقاوم الصحيحتين للضعف في اسنادها
، ومنه ظهر عدم كونه وجهاً للجمع بين النصوص . هذا مضافاً إلى انّه لايعلم أنّ
المراد من السنة في مرسلة الدعائم هو خصوص الاستحباب فإنّها قد تطلق على الواجب
ايضاً . ثم لو سلّم استحباب اقامتهما ولكن لا دليل على استحباب كل واحد منهما عند
لعانه فاضعف الاقوال القول بالاستحباب مطلقاً ثم القول بوجوب قيام كل واحد عند
لعانه .
ثم إنّه يجب تقديم لعانه على لعانها كما يدل عليه الكتاب والسنّة ، ولأنّ الرجل
يريد رفع الحدّ عن نفسه . كما انّه يجب كون الخامسة بعد الاربع في الرجل والمرأة
كليهما ، وحكي عن العامة جواز عكسه وهو مخالف للنص كما انّه مخالف لطبع القضية .
ومن الشرائط فيه الموالاة بين الاحلاف الخمسة لانّه المنصوص ولأنّ كل يمين
بمنزلة شاهد واحد وفي الشهود ليجب الاجتماع فكذا في ما هو بمنزلتهم .
ثم إنّه لينبغي نقل ما ذكره كشف اللثام من الشروط الواجبة والمندوبة اكمالا
للفائدة وايراداً على بعض ما في كلامه(قدس سره) فاليك نصّ كلامه ممزوجاً بما قاله
العلاّمة في القواعد الّذي هو المتن لشرحه :
«ويجب فيه امور اربعة عشر : الاوّل : ايقاعه عند الحاكم او من نصبه لذلك ، كما
نصّ عليه جماعة ، منهم الشيخ وابو علي لانّه حكم شرعي يتعلق به كيفيات واحكام وهيآت
فيناط بالامام وخليفته لانّه المنصوب لذلك ، كذا في المختلف ، ولأنّ الحدّ يقيمه
الحاكم فكذا ما يدرؤه ، ولصحيح محمد بن مسلم ، سئل الباقر(عليه السلام) «عن
الملاعنة والملاعن[1049] كيف يصنعان ؟ قال : يجلس الامام مستدبر
القبلة» الحديث[1050] . وصحيح البزنطي وحسنه ، سأل الرضا(عليه السلام)
«كيف الملاعنة ؟ فقال : يقعد الامام ويجعل ظهره إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه
والمرأة عن يساره»[1051] . وما ارسل في بعض الكتب عن الصادق(عليه
السلام) من قوله «اللعان أن يقول الرجل لامرأته عند الوالي : إنّي رأيت رجلا مكان
مجلسي منها او ينتفي من ولدها ، فيقول : ليس منّي فاذا فعل ذلك تلاعنا عند الوالي»[1052]
وقوله(عليه السلام) «والملاعنة أن يشهد بين يدى الامام اربع شهادات» الخبر[1053]
. وما ارسل عنه وعن اميرالمؤمنين(عليهم السلام) من قولهما «اذا تلاعن المتلاعنان
عند الامام فرّق بينهما»[1054] .
اقول : لكن لايخفى ما ذهبنا اليه من الاحتياط في عدم جواز ايكال اللعان إلى
الغير ، لأنّ الاخبار قد اعتبرته من شؤون الامام والحاكم لا الوالي ، نعم إن كان
المذكور في الاحاديث أنّ ذلك بيد الامام والحاكم كان يمكن العدول إلى غيره ولكنه لم
يذكر هكذا ، خلافاً لمثل باب الحدود والقضاء فإنّ المذكور فيها أ نّها بيد الحاكم ،
فلا تغفل .
ثم قال(قدس سره) :
«وفي المبسوط والوسيلة والشرائع أ نّهما لو تراضيا برجل من العامّة فلاعن بينهما
جاز إلاّ انّه لم يصرّح في المبسوط والوسيلة بكونه من العامة وزاد في المبسوط انّه
يجوز عندنا وعند جماعة ، وقال بعضهم لايجوز ، وهو مشعر بالاتفاق مع انّه قال قبل
ذلك : اللعان لايصحّ إلاّ عند الحاكم او من يقوم مقامه من خلفائه ، وقال ايضاً :
اللعان لايصح إلاّ عند الحاكم او خليفته اجماعاً ، فلعلّه اذا لم يحصل التراضى
بغيره او المراد بالحاكم الامام وبخلفائه ما يعمّ الفقهاء في الغيبة وبمن تراضيا
عليه الفقيه في الغيبة او لايجوز عند كل من تراضيا عنده إلاّ اذا لم يمكن الحاكم او
منصوبه ، وجعلهما في المختلف قولين ، واختار عدم الجواز إلاّ عند الحاكم او من
ينصبه ، وتردّد في التحرير ، وربما قيل : المراد بالرجل العامي الفقيه المجتهد حال
حضور الامام اذا لم يكن منصوباً منه(عليه السلام)وبالجملة فينبغي القول بصحة ايقاعه
من الفقيه في زمن الغيبة لعموم النصوص من الكتاب والسنّة والوالي بل الامام له ،
على أنّ خبري الامام ليسا من النصوصية في امتناعه من غيره في شيء ولقضاء الضرورة
بذلك ، ولانّه منصوب من قبله ، وأمّا ايقاعه في زمن الحضور وايقاع غيره فالظاهر
العدم ويثبت حكم اللعان اذا تلاعنا عند من رضيا به غير الحاكم ونائبه بنفس الحكم
منه مثل الحاكم سواء كما في الشرائع والخلاف ولعان المبسوط وقيل في قضاء المبسوط
يعتبر رضاهما بعد الحكم وموضع تحقيقه كتاب القضاء .
الثاني : التلفظ بالشهادة على الوجه المذكور اتباعاً للمنصوص المتفق عليه فلو
قال : «احلف» او «اقسم» او «شهدت بالله» او «انا شاهد بالله» او مشابه ذلك كـ
«شهادتي بالله» او «بالله أشهد» او «اولي بالله» لم يجز خلافاً لبعض العامّة» .
اقول : وفيه ما مرّ من صحة ما استعمل فيه مادة الشهادة ، قضاءً لاطلاق الكتاب ،
والاخبار قاصرة عن الدلالة على ما ذهب اليه .
ثم قال(قدس سره) :
«الثالث : اعادة ذكر الولد في كل مرّة يشهد فيها الرجل إن كان هناك ولد ينفيه
ليتم عدد الشهادات عليه ايضاً وليس على المرأة اعادة ذكره اي ذكره في شيء من
المرّات لما عرفت وهو اعادة لما وقع بينهما قبل اللعان .
الرابع : ذكر جميع الكلمات الخمس فلا يقوم معظمها مقامها فإنّ حكم الحاكم
بالفرقة بالمعظم لم ينفذ لخروجه عن النص خلافاً لابي حنيفة فانفذ حكمه بها بالمعظم
.
الخامس : ذكر لفظ الجلالة فلو قال : «اشهد بالرحمان» أو «بالقادر لذاته» او
«بخالق البشر» ونحو ذلك ممّا يخصّه تعالى فالاقرب عدم الوقوع للخروج عن النصّ
واستصحاب النكاح ويحتمل الوقوع ضعيفاً لاتحاد المعنى وعدم تعيّن الاية لكون الشهادة
بلفظ الجلالة ، نعم لو أردف ذكر الله تعالى بذكر صفاته وقع اتفاقا وكان اولى
لاستحباب التغليظ» .
اقول : وفيهما أ نّهما غير تامين إن لم يدل عليه اطلاق الكتاب ، فإنّ الظاهر منه
هو خصوصية لفظ الجلالة وتعيّنه .
ثم قال(قدس سره) : «السادس : ذكر الرجل اللعن والمرأة الغضب فلو بدل الملاعن
كلاّ منهما اي ايّا منهما بمساويه كالبعد والطرد المساويين للعن او السخط المساوي
للغضب او احدهما بالآخر لم يقع للخروج عن النص والاستصحاب وللعامة قول بالوقوع» .
اقول : وفيه ما مرّ ولانعيده .
ثم قال(قدس سره) : «السابع : أن يخبر بالصدق على ما قلناه من قوله «إنّي لمن
الصادقين» اتباعاً للنص فلو قال : «اشهد بالله إنّي صادق» او «من الصادقين» من غير
الاتيان بلام التأكيد او «إنّي لصادق» او «إنّي لبعض الصادقين» او «إنّها زنت» لم
يقع وكذا المرأة لو قالت : «اشهد بالله انّه لكاذب» او «كاذب» او «من الكاذبين» من
غير لام التأكيد لم يجز وكذا لايجوز أن يقول الرجل : «لعنة الله عليّ إن كنت
كاذباً» او المرأة : «غضب الله عليّ إن كان صادقاً» كل ذلك للاقتصار في خلاف الاصل
على موضع النص والاجماع ولعلّ تخصيص الالفاظ المعهودة على النهج المذكور للتغليط
والتأكيد فإنّ الشهادة يتضمّن مع القسم الإخبار عن الشهود والحضور والتعبير
بالمضارع يقربه إلى الانشاء لدلالته على زمان الحال ولفظ الجلالة اسم لذات المخصوص
بها بلا شائبة اشتراك بوجه و«من الصادقين» بمعنى انّه من المعروفين بالصدق وهو ابلغ
من نحو «صادق» وكذا «من الكاذبين» ولكن اختيار هذا التركيب في الخامسة لعلّه
للمشاكلة فإنّ المناسب للتأكيد خلافه وتخصيص اللعنة به والغضب بها لأنّ جريمة الزنا
اعظم من جريمة القذف .
الثامن : النطق بالعربية مع القدرة كلاّ او بعضاً موافقة للنص ويجوز مع التعذر
النطق بغيرها للضرورة وحصول الغرض من الايمان فيفتقر الحاكم إن لم يعرف لغتهما إلى
مترجمين عدلين ولايكفي الواحد ولا غير العدل كما في سائر الشهادات ولايشترط الزائد
فإنّ الشهادة هنا إنّما هي على قولهما لا على الزنا خصوصاً في حقّها فإنّها يدفعه
عن نفسها وللعامة قول باشتراط اربعة شهود» .
اقول : قد ذهبنا في باب القضاء بكفاية ترجمة الثقة فإنّها ليست بشهادة .
ثم قال(قدس سره) : «التاسع : الترتيب على ما ذكرناه بأن يبدأ الرجل بالشهادات
اربعاً ثم باللعن ، ثم المرأة بالشهادات اربعاً ثم بالغضب اتباعاً للنص ويناسبه
الاعتبار فإنّ الدعاء باللعن والغضب غاية التغليظ والتأكيد في اليمين فناسب أن يكون
آخراً وللعامة قول بالعدم لحصول التأكيد بهما قدّما او اخّرا .
العاشر : قيام كل منهما عند لفظه وفاقاً للمقنع والمبسوط والسرائر والشرائع ،
لما روي انه(صلى الله عليه وآله وسلم) امر عويمر بالقيام فلما تمّت شهاداته امر
امرأته بالقيام ، وفي الفقيه أنّ في خبر «انّه يقوم الرجل فيحلف» إلى أن قال : «ثم
تقوم المرأة فتحلف»[1055] وقيل في المقنعة والنهاية والمراسم والغنية
والوسيلة يجب قيامهما معاً بين يدي الحاكم الرجل عن يمينه والمرأة عن يمين الرجل
لحسن محمد بن مسلم سأل الباقر(عليه السلام) «عن الملاعن والملاعنة كيف يصنعان قال :
يجلس الامام مستدبر القبلة يقيمهما بين يديه مستقبلي القبلة بحذائه ويبدأ بالرجل ،
ثم المرأة»[1056] . وحسن عبدالرحمن بن الحجاج عن الصادق(عليه السلام) :
«ثم قال للزوج»الخبر[1057] .
ولاينصّان على اجتماعهما في القيام وأمّا جعل المرأة من يمين الزوج فلصحيح
البزنطي ، سأل الرضا(عليه السلام) «كيف الملاعنة ؟ قال : يقعد الامام ويجعل ظهره
إلى القبلة ويجعل الرجل عن يمينه والمرأة والصبي[1058]
عن يساره»[1059] وأمّا وجوب قيامهما في الجملة فلصحيح علي بن جعفر عن
اخيه(عليه السلام) سأله «عن الملاعنة قائماً يلاعن او قاعداً ؟ فقال : الملاعنة وما
اشبهها من قيام»[1060] . ونصّ ابن سعيد على استحبابه ولم يتعرّض له
الصدوق في الهداية والمحقق في النافع فربما لم يوجباه ايضاً ، ولعلّه للاصل وعدم
نصوصية ما ذكر في الوجوب وقد ارسل في بعض الكتب عن الصادق(عليه السلام)انّه قال
«والسنّة أن يجلس الامام للمتلاعنين ويقيمهما بين يديه كل واحد منهما مستقبل
القبلة»[1061] .
الحادى عشر : بدأة الرجل اوّلا بالشهادات ثم اللعن ويعقب المرأة له ، فلو بدأت
المرأة لم يجز للنصوص ولأ نّها إنّما يلاعن لدرء الحدّ عن نفسها ولا حدّ عليها ما
لم يلاعن الزوج ، وللعامّة قول بجواز تقدّمها .
الثاني عشر : تعيين المرأة بما يزيل الاحتمال إمّا بأن يذكر اسمها واسم ابيها او
يصفها بما يميّزها عن غيرها ولعلّه لايكفي التعبير عنها بزوجتي وإن لم يكن له في
الظاهر زوجة غيرها لاحتمال التعدد او يشير اليها إن كانت حاضرة اشارة مميّزة وكذا
يجب عليها تعيين الرجل ولعلّه لم يتعرّض له اكتفاءً في تمييزه بالزوج لعدم احتمال
التعدّد .
الثالث عشر : الموالات بين الكلمات أي الشهادات فإن تخلّل فصل طويل لم يعتد بها
اقتصاراً في خلاف الاصل على الواقع بحضرته(صلى الله عليه وآله وسلم) ولانّها من
الزوج بمنزلة الشهادات ويجب اجتماع الشهود على الزنا ولوجوب مبادرة كلّ منهما إلى
دفع الحدّ عن نفسه ونفي الولد إن كان منتفياً ولم ار غيره من الاصحاب ذكره ،
وللشافعية في وجوبها وجهان .
الرابع عشر : اتيان كل واحد منهما باللعان بعد القائه أي الحاكم له عليه ، فلو
بادر به قبل أن يلقيه عليه الامام لم يصحّ لانّه امين فلو بادر به كان كما لو حلف
قبل الإحلاف وللأخبار المبيّنة لكيفية الملاعنة فإنّها تضمّنت ذلك ولأنّ الحدّ
لايقيمه إلاّ الحاكم فكذا ما يدرؤه .
وأمّا المستحبّ فامور سبعة :
الاوّل : جلوس الحاكم مستدبر القبلة ليكون وجههما اليها فيكون ادخل في التغليظ .
الثاني : وقوف الرجل عن يمين الحاكم والمرأة عن يمين الرجل إن قاما معاً وقد
سمعت من الاخبار ما يضمن الامرين .
الثالث : حضور من يسمع اللعان غير الحاكم لوقوعه كذلك بحضرته(صلى الله عليه وآله
وسلم)وليعرف الناس ما يجرى عليهما من الفراق المؤبدّ او حكم القذف او ثبوت الزنا ،
ولذا قيل إنّ الأقل اربعة نفر بعدد شهود الزنا ولمناسبته للتغليظ وارتداعهما عنه .
الرابع : وعظ الحاكم وتخويفه بعد الشهادات قبل اللعن للرجل وكذا المرأة قبل
الغضب كما فعل(صلى الله عليه وآله وسلم) .
الخامس : التغليظ بالمكان بأن يلاعن بينهما في اشرف البقاع في ارض الملاعنة ،
فإن كان بمكة فبين الركن والمقام وهو الحطيم وإن كان ببيت المقدس ففي المسجد عند
الصخرة وإن كان بالمدينة فعند منبر النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم( بينه وبين
القبر ، والاخبار الناطقة بشرف هذه البقاع كثيرة معروفة ، قال في المبسوط : «وقال
قوم : على المنبر وروي أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لاعن بين رجل وامرأته
على المنبر وروى جابر بن عبدالله الانصاري أنّ النبيّ)صلى الله عليه وآله وسلم) قال
: «من حلف على منبري هذا يميناً فاجرة ليقتطع بها مال امرىء مسلم ولو على سواك من
اراك ، وفي بعضها ولو على سواك واحقر فليتبوأ مقعده من النار» . انتهى[1062]
. قلت : وقد روي ايضاً «من حلف عند منبري على يمين آثمة ولو بسواك وجبت له النار»
واختلف العامّة في صعودها المنبر فقيل : نعم لما ذكره الشيخ وقيل : لا ، لانّهما او
احدهما فاسقان لايلتقيان بالصعود على منبره(صلى الله عليه وآله وسلم(والخبر محمول
على انه)صلى الله عليه وآله وسلم) لاعن بينهما وهو على المنبر وهو مناسب لما مرّ من
استحباب جعل الحاكم ظهره إلى القبلة واستقبالهما اياها وقيل بالصعود إن اكثر الناس
ليروا ]كذا[ وإلاّ فعنده ، وإن كان في سائر الامصار ففي الجامع وفي الجامع عند
القبلة والمنبر وللشافعية في اختصاص المنبر بالشرف وجهان وإن كان بهما ما يمنع
الدخول في المسجد او اللبث فيه كالحيض والجنابة لم يلاعن فيه ، ومن التغليظ بالمكان
استقبالهما القبلة وإن كان المتلاعنان ذميين ففي المبسوط يلاعنان في الموضع الّذي
يعتقدان تعظيمه من البيعة والكنيسة وبيت النار ، وللشافعية في بيت النار وجهان ، من
انّه لم يكن له حرمة اصلا بخلاف البيعة والكنيسة ، ومن أنّ المقصود تعظيم الواقعة
وزجر الكاذب عن الكذب واليمين في الموضع الّذي يعظم الحالف اغلظ وهو أظهرهما عندهم
ولم يعتبروا بيت الاصنام للوثنيين .
السادس : التغليظ بالزمان بأن يلاعن بعد العصر قال في المبسوط : «لقوله تعالى
(تحبسونهما من بعد الصلاة فيقسمان بالله)[1063] قيل في التفسير بعد
العصر وروي ان النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قال : من حلف بعد العصر يميناً
كاذبة ليقتطع بها مال امرء مسلم لقى الله تعالى وهو عليه غضبان»[1064] .
السابع : جمع الناس لهما فانّه من التغليظ الموجب للارتداع ولانّه قائم مقام
الحدّ وقد امر فيه بأن يشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ولانّه حضر اللعان على
عهده(صلى الله عليه وآله وسلم( ابن عبّاس وسهل بن سعد وابن عمر وهم من الاحداث فدلّ
على حضور جمع كثير لقضاء العادة بأنّ الصغار لاينفردون بالحضور» . انتهى كلامه)قدس
سره)[1065] .
( مسألة 16 ـ اذا وقع اللعان الجامع للشرائط منهما يترتب عليه أحكام أربعة) .
بلا اشكال ولا خلاف نصّاً وفتوىً .
( الاول ـ انفساخ عقد النكاح والفرقة بينهما ، الثاني ـ الحرمة الأبدية ، فلا
تحلّ له أبداً ولو بعقد جديد ، وهذان الحكمان ثابتان في مطلق اللعان ، سواء كان
للقذف أو لنفي الولد) .
ويدل عليه اخبار ، منها : ما في آخر صحيحة عبدالرحمن بن الحجاج عن ابي
عبدالله(عليه السلام) قال : «ففرّق بينهما وقال لهما : لاتجتمعا بنكاح أبداً بعد ما
تلاعنتما»[1066] .
ومنها : صحيحة البزنطي ، عن ابي الحسن الرضا(عليه السلام) وفيها : «ثم يفرّق
بينهما ولاتحلّ له ابداً»[1067] .
ومنها : ما رواه زرارة عن ابي عبدالله(عليه السلام) وفيه : «فإن لم تفعل رجمت
وإن فعلت درأت عن نفسها الحدّ ، ثم لاتحلّ له إلى يوم القيامة»[1068] .
وغيرها من الاخبار . وإنّ مقتضى اطلاقها عدم الفرق بين كونه لنفي الولد او لدفع حد
القذف .
( الثالث ـ سقوط حدّ القذف عن الزوج بلعانه ، وسقوط حدّ الزنا عن الزوجة
بلعانها) .
كما يدل عليه ما مرّ من قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ
يَكُن لَهُمْ شُهَدَآءُ إِلاَّ أَنفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ
شَهَادَاتِ بِاللهِ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ
اللهِ عَلَيْهِ إِن كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ)[1069] .
وكذا الاخبار مثل ما مرّ آنفاً عن زرارة عن ابي عبدالله(عليه السلام) .
( فلو قذفها ثم لاعن ونكلت هي عـن اللعـان تخلص الرجل عن حدّ القذف ، وتحـدّ
المـرأة حدّ الزانيـة ، لأنّ لعانـه بمنزلة البينة في اثبات الزنا) .
كما يـدل عليه الكتاب وكـذا ما في صحيـح البزنطي عن الرضا(عليه السلام) مـن
قولـه «فإن نكلت رجمت ، ويكون الرجم من ورائها ولاترجم من وجهها ، لأنّ الضرب
والرجم لايصيبان الوجه ، يضربان على الجسد على الاعضاء كلّها ويتقى الوجه والفرج ،
واذا كانت المرأة حبلى لم ترجم ، وإن لم تنكل درئ عنها الحدّ وهو الرجم»[1070]
.
( الرابع ـ انتفاء الولد عن الرجل دون المرأة إن تلاعنا لنفيه ، بمعنى انه لو
نفاه وادّعت كونه له فتلاعنا لم يكن توارث بين الرجل والولد ، وكذا بين الولد وكل
من انتسب اليه بالأبوة كالجدّ والجدّة والاخ والأخت للأب وكذا الاعمام والعمّات) .
وذلك قضاءً لاقتضاء اللعان ، ويدل عليه ما رواه زرارة عن ابي عبدالله(عليه
السلام)قلت : «أرأيت إن فرّق بينهما ولها ولد فمات قال : ترثه امّه فإن ماتت امّه
ورثه أخواله»[1071] .
( بخلاف الام ومن انتسب اليه بها ، حتى أنّ الاخوة للأب والأم بحكم الاخوة للام)
.
وذلك واضح .
( مسألة 17 ـ لو كذّب نفسه بعد ما لاعن لنفى الولد لحق به الولد فيما عليه لا
فيما له) .
وذلك لانّه اقرار على نفسه وهو جائز بخلاف فيما له قضاءً للعان .
( فيرثه الولد ولايرثه الأب ولا من يتقرب به ولايرث الولد أقارب ابيه باقراره) .
وذلك لعدم تحقق الاقرار بالنسبة اليهم كما هو واضح .
فرع
لو كذّب نفسه بعد تمامية اللعان فهل تزول بقية الآثار المترتبة عليه ايضاً من
الحرمة الأبدية والفرقة وسقوط الحد ايضاً ام لا ؟ أمّا الاول والثاني فلا شك ولا
خلاف في عدم زوالهما ولا دليل عليه بل يدلّ عليه استصحاب آثار اللعان واخبار الباب
وأمّا الثالث ففيه قولان ; فنرى أنّ الشيخ(قدس سره) قد ذهب في بعض كتبه إلى سقوط
الحد وفي بعضها إلى عدمه ، والاخبار في ذلك مختلفة وإن دلّ غير واحد منها على عدم
الحدّ ودل واحد منها فقط على ثبوته .
فممّا يدل على الاوّل : ما رواه الحلبي ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) «في رجل
لاعن امرأته وهي حبلى ثم ادّعى ولدها بعد ما ولدت وزعم انّه منه ، قال : يردّ اليه
الولد ولايجلد لانّه قد مضى التلاعن»[1072] .
ومنها : ما رواه الحلبي ايضاً قال : سألت اباعبدالله(عليه السلام) «عن رجل لاعن
امرأته وهي حبلى قد استبان حملها وأنكر ما في بطنها فلمّا وضعت ادّعاه وأقرّ به
وزعم انّه منه ، قال : فقال : يردّ اليه ولده ويرثه ولايجلد لأنّ اللعان قد مضى»[1073]
.
ونحوهما صحيحته عن ابي عبدالله(عليه السلام) انّه سأله «عن رجل لاعن امرأته وهي
حبلى وقد استبان حملها وأنكر ما في بطنها ، فلمّا وضعت ادّعاه وأقرّ به وزعم انّه
منه ، فقال : يردّ عليه ولده ويرثه ولايجلد لأنّ اللعان بينهما قد مضى»[1074]
.
ويـدل على الثـاني ما رواه محمـد بن الفضيـل ، عـن ابي الحسن(عليه السلام) قال :
سألته «عن رجل لاعن امرأته وانتفى من ولدها ثمّ أكـذب نفسـه هل يردّ عليه ولده ؟
فقال : اذا أكـذب نفسه جلد الحدّ وردّ عليه ابنه ولاترجع اليه امرأته أبداً»[1075]
.
ولايخفى انّه بناءً على وجود التعارض فالترجيح للطائفة الاولى وذلك لقوّة السند
فيها كثرةً وصحةً ، ولتطابقها لمقتضى اللعان من سقوط الحدّ بجريانه وكذا لقاعدة درء
الحدود . هذا ولكن قد يقال : إنّه لاتعارض بينهما ، لأنّ رواية ابن الفضيل هي نـصّ
فيمـا نحن فيه ، وتلـك الاخبـار لا ظهـور لهـا في محـل البحث بل يحتمل او هي ظاهـرة
فيما لو نفي الولـد ثم اقـرّ به والاقـرار بالـولد لا حـدّ لـه كما أنّ نفي الولد
لاحدّ له فلا تعـارض .
وفيه : انّه إن كان الامر كما ذكر فلا وجه لقوله(عليه السلام) بانّه قد مضى
التلاعن ، فتلك الروايات هي ظاهرة في محل البحث إن لم نقل إنّها كالنصّ فيه وإلاّ
كان ينبغي أن يعبّر بأ نّه لا حدّ لعدم الموجب ، وقد يستدل لثبوت الحدّ بالاستصحاب
وهو كما ترى لأنّ العكس هو اولى كما نرى ، وعلى كل حال فالحدّ ساقط .
و الحمد لله ربّ العالمين[1076] .