الإشهاد في الطلاق
( مسألة 9 ـ يشترط في صحة الطلاق زائداً على ما مرّ الاشهاد بمعنى إيقاعه بحضور
شاهدين عدلين ذكرين) .
اجماعاً محصّلا ومنقولا بل في الجواهر أنّ المحكي منهما مستفيض بل متواتر ،
وعليه الكتاب والسنّة :
أمّا الكتاب فقوله تعالى (فإذا بلغن أجلهنّ فأمسكوهنّ بمعروف أو فارقوهنّ بمعروف
وأشهدوا ذوى عدل منكم وأقيموا الشهادة لله) . الآية[293] .
فإنّ الظاهر منه بدواً بمعونة الأخبار هو تعلّق الأمر بالاقامة بصدر الآية لا
الإمساك والمفارقة ، فإنّ الظاهر اللفظي أنّ العناية في الكلام إلى الصدر ، وهذا
مضافاً إلى القرينة الحالية لأنّ عدم تعلقه بالمفارقة واضح ، فلابدّ من تعلّقه إمّا
بالإمساك أو بالطلاق وتعلّقه بالأوّل خلاف الظاهر لأ نّه بعض جواب الجملة الشرطية
فيبقى تعلّقه بأصل الطلاق ومقتضى الأخبار ذلك أيضاً ; ففي خبر محمد بن مسلم قال :
«قدم رجل إلى أميرالمؤمنين(عليه السلام(بالكوفة فقال : إنّي طلّقت امرأتي بعد ما
طهرت من محيضها قبل أن اُجامعها ، فقال أمير المؤمنين)عليه السلام) : أشهدت رجلين
ذوي عدل كما أمرك الله ؟ فقال : لا . فقال : اذهب فإنّ طلاقك ليس بشيء»[294]
. وفي صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر البزنطي قال : سألت اباالحسن(عليه السلام) «عن
رجل طلّق امرأته بعد ما غشيها بشهادة عدلين ، قال : ليس هذا طلاقاً ، قلت : فكيف
طلاق السنّة ؟ فقال : يطلّقها إذا طهرت من حيضها قبل أن يغشيها بشاهدين عدلين كما
قال الله عزّوجلّ في كتابه . فإن خالف ذلك ردّ إلى كتاب الله . قلت : فإن طلّق على
طهر من غير جماع بشاهد وامرأتين ، قال : لاتجوز شهادة النساء في الطلاق ، وقد تجوز
شهادتهنّ مع غيرهنّ في الدم إذا حضرنه ، قلت : فإن أشهد رجلين ناصبيين على الطلاق
أيكون طلاقاً ؟ فقال : من ولد على الفطرة اُجيزت شهادته على الطلاق بعد أن يعرف منه
خير»[295] .
وأمّا السنّة فمستفيض بل متواتر : منها : الأخبار المقرونة بالاستدلال بالكتاب
كالمذكورين آنفاً.
ومنها : ما عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «إن طلّقها للعدّة أكثر من
واحدة فليس الفضل على الواحدة بطلاق ، وإن طلّقها للعدّة بغير شاهدي عدل فليس طلاقه
بطلاق ، ولايجوز فيه شهادة النساء»[296] .
ومنها : ما عن أبي الصباح الكناني ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «من طلّق
بغير شهود فليس بشيء»[297] .
ومنها : صحيحة زرارة ومحمد بن مسلم ومن معهما من الرواة وهم بكير وبريد وفضيل
وإسماعيل الأزرق ومعمّر بن يحيى ، عن أبي جعفر وأبي عبدالله(عليهما السلام) في حديث
أنّه قال : «وإن طلّقها في استقبال عدّتها طاهراً من غير جماع ولم يشهد على ذلك
رجلين عدلين فليس طلاقه ايّاها بطلاق»[298] . إلى غيرها من الروايات .
ولا كلام فيه أصلا عند الإمامية بل هو من ضروريات فقه المذهب بل نفسه ، وإنّما
الكلام في كيفية الإشهاد . ففيها احتمالات أربعة ;
أحدها : حضور العدلين عند الصيغة وإن لم يعلما المطلّق والمطلّقة فضلا عن
معرفتهما ، مثل ما إذا قال شخص عند جماعة من المؤمنين مع العلم بأنّ فيهما العدلين
: «هي طالق» . فالسامع لايدري أنّ المجري للصيغة هو المطلّق أو الوكيل منه أو
الحاكم عليه فضلا عن المعرفة به وبالزوجة . فلا يشترط فيهما العلم فضلا عن المعرفة
.
ثانيها : اشتراط حضورهما ومعرفتهما لهما بحيث يمكن لهما الشهادة فيما بعد وقبول
شهادتهما ، فيعتبر تحقق بقية الشرائط فيهما مضافة إلى العدالة .
ثالثها : كفاية العلم في الجملة ، مثل العلم بأنّ المطلّق عمرو مثلا والمطلّقة
هند وإن لم يكونا معروفين لهما من حيث الأب والطائفة ، فضلا عن غيرهما من الخصوصيات
.
رابعها : اشتراط المعرفة وعدم اعتبار غير العدالة من سائر شرائط الشهادة من
الشرائط .
الظاهر من المدارك(قدس سره) اعتبار المعرفة على نحو يمكن لهما الشهادة وهو
الاحتمال الثاني ، وظاهر الرياض والحدائق من إيرادهما على المدارك ، كفاية العلم في
الجملة ، والظاهر من الجواهر بل صريحه الأوّل وهو كفاية حضور العدلين[299]
، وهو الظاهر من تفسير الاشهاد بحضور العدلين وسماعهما . وأمّا الأدلة فالظاهر منها
الثاني ; أمّا الكتاب فبالقرينة الداخلية والشهادة الخارجية . أمّا الداخلية ، قال
الله تعالى : (وأقيموا الشهادة لله( بعد قوله تعالى )وأشهدوا ذوى عدل منكم) فإنّ
الظاهر من أمره تعالى بالإقامة لله بعد إيجاب الإشهاد انّه يكون للإقامة وإلاّ فإن
كان الإشهاد واجباً لا لذلك فلا يحصل الارتباط بينهما كما لايخفى . وأمّا الخارجية
فإنّ الشهادة المأمور بها هناك كسائر الشهادات تكون للأداء حين الحاجة إليها
بمناسبة الحكم والموضوع ; فلابدّ من المعرفة على التفصيل . فكونها لمحض الخصوصية
والموضوعية في التحمّل من دون الطريقية للأداء مخالف للظاهر جدّاً بل لا نظير له في
الفقه . هذا مع أنّ أمثال ذلك في الشرع والقانون محتاجة إلى الصراحة والنصوصية في
الأدلّة وإلى الكثرة فيها كما لايخفى . ألاترى أنّ حرمة العمل بالقياس التي ترجع
إلى محض تعبّد خاصّ كيف بيّنها الشارع وأظهرها بحيث إنّ الشيعة تعرف بتركها العمل
بالقياس .
أمّا السنّة الدالّة فكذلك على الشرطية أيضاً قضاءً للشرطية وعدم التعبّد كما
عرفت . ولصاحب المدارك كلام يكون قريباً ممّا ذكرناه ; قال :
«واعلم أنّ الظاهر من اشتراط الإشهاد انّه لابدّ من حضور شاهدين يسمعان الطلاق
بحيث يتحقّق معه الشهادة بوقوعه ، وإنّما يحصل ذلك مع العلم بالمطلّقة على وجه يشهد
العدلان بوقوع طلاقها . فما اشتهر بين أهل زماننا من الاكتفاء بمجرّد سماع العدلين
صيغة الطلاق ، وإن لم يعلما المطلّق والمطلّقة بوجه ، بعيد جداً ، بل الظاهر انّه
لا أصل له في المذهب ، فإنّ النصّ والفتوى متطابقان على اعتبار الإشهاد ومجرد سماع
صيغة لايعرف قائلها لايسمّى إشهاداً قطعاً . وممّن صرّح باعتبار علم الشهود
بالمطلّقة ، الشيخ(رحمه الله( في النهاية ; فإنّه قال : ومتى طلّق ولم يشهد شاهدين
ممّن ظاهره الإسلام كان طلاقه غير واقع ، ثم قال : وإذا أراد الطلاق فينبغي أن يقول
: فلانة طالق أو يشير إلى المرأة بعد أن يكون العلم قد سبق بها من الشهود فيقول :
هذه طالق . ويدلّ على ذلك ، مضافاً إلى ما ذكرناه من عدم تحقق الإشهاد بدون العلم
بالمطلّقة ، ما رواه الكليني ، عن محمد بن مطهّر ، قال كتبت إلى أبي الحسن صاحب
العسكر(عليه السلام) : «إنّي تزوّجت أربع نسوة لم أسأل عن أسمائهن ، ثم إنّي أردت
طلاق إحداهنّ وتزويج امرأة اُخرى . فكتب)عليه السلام) : اُنظر إلى علامة إن كانت
بواحدة منهنّ فتقول : اشهدوا أنّ فلانة التي بها علامة كذا وكذا هي طالق ثمّ تزوّج
الاُخرى إذا انقضت العدّة[300] »[301] .
ولايخفى أ نّه ليس في أصل كلام الشيخ بأزيد ممّا في الأدلّة من لزوم الإشهاد
فكيف يكون صريحاً فيما ذكره ، وأمّا قوله(رحمه الله( «وإذا أراد الطلاق» إلى قوله
«من الشهود» الموجب لنسبة السيد(رحمه الله) الصراحة إليه ففيه انّه)رحمه الله) في
مقام بيان شرائط الطلاق واعتبار علم المطلّق وكذلك علم الشاهدين في الجملة لا على
التفصيل بحيث تتحقّق الشهادة به ، فإنّ صحة «فلانة طالق» لاتقتضي أزيد من العلم في
الجملة ، فتأمّل .
وأمّا الرواية المستدلّ بها فهي ناظرة إلى لزوم تعيين المطلّقة في مقابل الإبهام
لا معرفتها بعينها تفصيلا المعتبرة في الشهادة للأداء .
هذا كلّه مع ما في بعض الأخبار من الإشعار والشهادة لذلك الظهور ويكون مؤيّداً
له ، فمنها : صحيحة أحمد بن محمد بن أبي نصر ، وفيها : «فإن طلّق على طهر من غير
جماع بشاهد وامرأتين ؟ قال : لاتجوز شهادة النساء في الطلاق ، وقد تجوز شهادتهنّ مع
غيرهنّ في الدم إذا حضرنه . . .» الحديث[302] ; فإنّ جواز الشهادة بمعنى
نفوذها مربوط بمقام الأداء . هذا مضافاً إلى أنّ جواز التحمّل هو بمعنى الإباحة
لهنّ مطلقاً ولا تفصيل فيه أصلا كما هو ظاهر .
ومنها ما عن حمران ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «لايكون خلع ولا تخيير
ولا مباراة إلاّ على طهر من المرأة من غير جماع وشاهدين يعرفان الرجل ويريان المرأة
ويحضران التخيير وإقرار المرأة أنّها على طهر من غير جماع يوم خيّرها ، قال : فقال
له محمد بن مسلم : ما إقرار المرأة ههنا ؟ قال : يشهد الشاهدان عليها بذلك للرجل
حذار حذار أن يأتي بعد فيدّعي أنّه خيّرها وهي طامث فيشهدان عليها بما سمعا منها»
الحديث[303] .
نعم يمكن أن يكون اعتبار الشاهد في صدر الحديث كما هو صريح الذيل لاجل الشهادة
على الاقرار ، بل وفي صدره إشعار بذلك حيث خصّ الحكم ببعض أقسام الطلاق كالخلع
والمباراة مع أنّ شهادة العدلين شرط في مطلق الطلاق ، فلعلّ اعتبار المعرفة في خصوص
تلك الأقسام يكون لذلك حيث إنّ الطلاق فيها يكون شبيهاً بالعقد ومرتبطاً بالزوجين
كما لايخفى ، دون الطلاق الساذج فإنّ المعتبر فيه فعلا وقولا الزوج ولا دخالة
للزوجة فيه ، فلا حذر إلاّ من حيث الطهر المبيّن حكمه في الذيل . هذا مضافاً إلى
عدم كون الخبر معمولا به عند الأصحاب ويكون معرضاً عنه من حيث عدم اختصاص الشرطية
عندهم بالأقسام المذكورة فيه بل الشهادة شرط عندهم في مطلق الطلاق ، ومن حيث عدم
صحة التخيير عندهم أيضاً كما مرّ .
لايقال : إنّ الإعراض من حيث التخيير إعراض عن بعض الرواية وهو غير موجب لسقوطها
عن الحجّية رأساً حتى فيما لا إعراض فيه .
لأ نّا نقول : هذا تمام ، لكنّه في مورد يمكن التفكيك في الرواية بين الحكمين
وهذا بخلاف ما نحن فيه ممّا يكون الاستثناء واحداً مثل ما كان الخبر واحداً
والمبتدأ متعدّداً[304] .
ومنها ما عن اليسع ، عن أبي جعفر(عليه السلام) في حديث قال : «لا طلاق على سنّة
وعلى طهر من غير جماع إلاّ ببيّنة ، ولو أنّ رجلا طلّق على سنّة وعلى طهر من غير
جماع ولم يشهد لم يكن طلاقه طلاقاً»[305] . ومثله ما مرّ عن محمد بن
مسلم عن أبي جعفر(عليه السلام)[306] ، حيث عبّر فيهما بالبيّنة .
وقد ظهر ممّا ذكرناه انّه لاينبغي الإشكال بحسب الأدلّة في لزوم المعرفة على نحو
من المعرفة التفصيلية والإيراد على مثل السّيد السند بأنّ اعتبار المعرفة خلاف
الإطلاق فقد ظهر بطلانه ولا يفيده ما مرّ ، ثم على تسليم عدم الدلالة فلا دليل على
ما ذهب إليه صاحب الحدائق(قدس سره) من لزوم العلم في الجملة لعدم الدليل عليه بعد
ظهور شرطية الشهادة في غيره ، نعم يعتبر أن يكون الطلاق على المعيّنة في مقابل
المبهمة ، وعليه يصـحّ الطلاق بقول المطلّق في مقابل العدلين المعينين أو
الموجـودين في الجماعـة «هي طالق» لتمامية شرائط الطلاق مع انّه لا علم للشاهدين
بالمطلّقة أصلا وهذا هو مختار الجواهر ، فالمعتبر عليه أصل الحضور والاستماع وهو
الحقّ المعروف وإن كان مخالفاً للقاعدة ولظاهر الأدلّة كما عرفت ، وذلك للدلالة
عليه في أخبار فروع المسألة .
واستُدِلّ على عدم اللزوم بروايات ; منها : صحيحة أبي بصير قال : سألت أبا
جعفر(عليه السلام) «عن رجل تزوّج أربع نسوة في عقدة واحدة أو قال في مجلس واحد
ومهورهنّ مختلفة ، قال : جائز له ولهنّ ، قلت : أرأيت إن هو خرج إلى بعض البلدان
فطلّق واحدة من الأربع وأشهد على طلاقها قوماً من أهل تلك البلاد وهم لايعرفون
المرأة ، ثم تزوّج امرأة من أهل تلك البلاد بعد انقضاء عدّة المطلّقة ، ثم مات بعد
ما دخل بها كيف يقسم ميراثه ؟
قال : إن كان له ولد ، فإنّ للمرأة التي تزوّجها أخيراً من أهل تلك البلاد ربع
ثمن ما ترك ، وإن عرفت التي طلّقت من الأربع بعينها ونسبها فلا شيء لها من الميراث
وعليها العدّة ، قال : ويقتسمن الثلاثة النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك وعليهنّ
العدّة ، وإن لم تعرف التي طلّقت من الأربع قسمن النسوة ثلاثة أرباع ثمن ما ترك
بينهنّ جميعاً ، وعليهنّ جميعاً العدّة»[307] .
ودلالتها واضحة بل صريحة في صحّة طلاق من لم يعرفها الشهود لشخصها والصحة كذلك
غير منافية لاعتبار التعيين المقابل للإبهام ، كما هو واضح . وما في الحدائق
والجواهر من عدم منافاة الاشتباه المذكور في الذيل لشرطية اعتبار التعيين ، لجواز
أن يكون القوم الذين طلّق بحضورهم قد نسوا الإسم الّذي سماها به ، فلا وجه له لأنّ
عدم المعرفة والاشتباه في الذيل يكون في بلد الإرث وأهله غير أهل بلد القسمة ; فلا
منافاة من رأس لا أ نّها مدفوعة بموضوع النسيان .
ومنها : صحيحة أحمد بن أبي نصر قال : سألت اباالحسن(عليه السلام) «عن رجل كانت
له امرأة طهرت من محيضها فجاء إلى جماعة فقال : فلانة طالق يقع عليها الطلاق ولم
يقل : اشهدوا ؟ قال : نعم»[308] . مع أنّ الظاهر من طبع الجماعة عدم
معرفتهم لها وإن أبيت من الظهور ففي ترك الاستفصال كفاية .
ومنها : صحيحة صفوان ، عن أبي الحسن الرضا(عليه السلام) قال : سئل «عن رجل طهرت
امرأته من حيضها فقال : فلانة طالق ، وقوم يسمعون كلامه ولم يقل لهم : اشهدوا أيقع
الطلاق عليها ؟ قال : نعم هذه شهادة»[309] .
ومنها : خبر علي بن أحمد بن أشيم قال : سألته وذكر مثله وزاد : «أفتترك معلّقة
؟»[310] .