فرعان
الاوّل : لو طلبت منه الطلاق بعوض فخلعها مجرداً عن لفظ الطلاق او طلبت منه
الخلع بعوض فطلقها به يقعان صحيحين لأنّ حقيقة الطلاق والخلع واحدة كما مرّ كالوحدة
المتحققة بين بيع النقد والنسيئة والسلف فإنّ الطلاق هو ازالة قيد النكاح والخلع هو
الازالة مع قيد البذل ، فالطلاق اعم من الخلع ، فكلّ خلع طلاق دون العكس . والقول
بأنّ معنى «طلّقنى بعوض» هو اجراء الخلع بصيغة الطلاق بعوض فماطلب لم يقع وما وقع
غيرمطلوب لها ، مدفوع بأنّ ذلك خلاف ما يجري في العادة فإنّ العادة عدم الخصوصية
لصيغة خاصة فلايحمل عليه كما أنّ قول المشترى «بع لى هذا الكتاب بكذا» مثلاً لايحمل
على ارادة نقله بصيغة «بعت» بحيث لو باعه بغيرها ـ والفرض انّه بيع ـ كان غير موكل
فيه . نعم إن ثبت قصدها الخصوصية يشكل بأنّ ما طلبت لم يقع وما وقع غير مطلوب لها .
هذا ولكن المحقق(قدس سره) قد فصّل بين الصورتين بقوله : «لو طلبت منه طلاقاً
بعوض فخلعها مجرداً عن لفظ الطلاق لم يقع على القولين ولو طلبت خلعاً بعوض فطلّق به
لم يلزم البذل على القول بوقوع الخلع بمجرّده فسخاً ويقع الطلاق رجعياً ويلزم ، على
القول بانّه طلاق او انّه يفتقر إلى الطلاق»[863] .
ولكنه ليس بتام بعد أن ذهبنا إلى أنّ الطلاق والخلع واحد وليس الخلع بفسخ ، وما
في المسالك في ذيل الفرع الاوّل ـ لو طلبت منه طلاقاً بعوض فخلعها مجرداً عن لفظ
الطلاق لم يقع على القولين ـ من توجيه عدم الوقوع بقوله : «فإنّا إن قلنا إنّه فسخ
فكونه خلاف ما طلبته واضح وإن جعلناه طلاقاً فهو طلاق مختلف فيه وما طلبته لا خلاف
فيه فظهر انّه خلاف مطلوبها على القولين»[864] يدفعه أنّ الخلاف فيه
لاينافي كونه مصداقاً لما طلبته بعد تنقيح الحال فيه من اتحادهما حقيقة وماهية
فالمطلوب واقع والواقع مطلوب .
الثاني : لو ابتدأ فقال : «انت طالق بألف أو وعليك الف» فقبلت ، يقع خلعاً في
كلا الفرضين ، خلافاً للشهيد في المسالك حيث ذهب إلى عدم وقوعه خلعاً في الثاني
بقوله : «لانّها صيغة اخبار لاصيغة التزام ، اذ لم يسبقه استيجاب يدلّ عليه ولم
يجعله عوضاً بل جعله معطوفة على الطلاق فلا يتأثربها وتلغو في نفسها كما لو قال :
«انت طالق وعليك حج» وإن قبلت لأنّ قبولها إنّما وقع رضا بما فعل ولم يقع منه ما
يقتضي المعاوضة»[865] . وفيه ما لايخفى فإنّ البذل كما قلنا ليس ركناً
في الخلع كالمهر في النكاح بل هو ادون منه ، غاية الامر أنّ الباعث له هو البذل فمع
تحقق هذه الباعثية والداعوية يقع الطلاق خلعاً سواء كان اللفظ ظاهراً في ارتباط
الطلاق به ام لا ، بل كان مراده معلوماً من دون ظهور في اللفظ .
( مسألة 9 ـ يشترط في تحقق الخلع بذل الفداء عوضاً عن الطلاق ، ويجوز الفداء بكل
متموّل من عين أو دين أو منفعة قلّ او كثر وإن زاد على المهر المسمّى ، فإن كان
عيناً حاضرة تكفي فيها المشاهدة ، وإن كان كليا في الذمة أو غائباً ذكر جنسه ووصفه
وقدره ، بل لايبعد أن يكون الأمر فيه أوسع من ذلك ، فيصحّ بما يؤول إلى العلم كما
لو بذلت ما في الصندوق مع العلم بكونه متموّلا ، ويصحّ بما في ذمة الزوج من المهر
ولو لم يعلما به فعلا ، بل في مثله ولو لم يعلما بعد أيضاً صح على الاقوى) .
توضيح ذلك : انّه يشترط في الفدية أن تكون عوضاً عن نكاح قائم لم يعرض له الزوال
لزوماً كالبائن ولا جوازاً كالرجعي وذلك لانّها عوض عنه ولأنّ المستفاد من الاحاديث
أنّ الخلع بمنزلة الطلاق ، بل قلنا إنّه طلاق فكما يعتبر في الطلاق أن يكون عن نكاح
قائم فكذا في الخلع وكيف كان فقد صرّح غير واحد من الاصحاب ، بل لا خلاف فيه ، بأنّ
كل ما يصح أن يكون مهراً صح أن يجعل فدية ، من قليل او كثير ، ومن عين او منفعة ،
ومن شخصي او كلّي . هذا وقد ذكر صاحب الجواهر[866]
للقاعدة ثلاثة وجوه :
احدها : ارتباط الفدية بالمهر في الاخبار المتعرّضة لجواز كونها اكثر من المهر
كما في صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر(عليه السلام) قال : «المباراة يؤخذ منها دون
الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما شئت أو ما تراضيا عليه من صداق او اكثر ، وإنّما
صارت المبارية يؤخذ منها دون الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما يشاء لأنّ المختلعة
تعتدي في الكلام وتكلّم بما لايحلّ لها»[867] .
وكذلك ما رواه علي بن ابراهيم في تفسيره ، عن ابيه ، عن ابن أبي عمير ، عن ابن
سنان يعني عبدالله ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «الخلع لايكون إلاّ أن تقول
المرأة لزوجها : لاأبرّ لك قسماً ولأخرجنّ بغير اذنك ولأوطئنّ فراشك غيرك ،
ولاأغتسل لك من جنابة . أو تقول : لاأطيع لك امراً أو تطلّقني ، فاذا قالت ذلك فقد
حلّ له أن يأخذ منها جميع ما أعطاها ، وكلّ ما قدر عليه ممّا تعطيه من مالها فإن
تراضيا على ذلك على طهر بشهود فقد بانت منه بواحدة وهو خاطب من الخطّاب» الحديث[868]
.
ثانيها : مشاركة الفدية له في عدم اعتبارها في مفهوم الطلاق كعدم اعتباره في
مفهوم النكاح .
ثالثها : أ نّه لايعتبر فيه ازيد مما يعتبر في اصل المعاوضات من كونه متمولاً
معلوماً في الجملة عيناً او ديناً او منفعة قليلاً كان او كثيراً مقدوراً على
تسليمه ، وكيف كان فالحق أنّ كل ما يصح جعله مهراً يصح جعله فداءً ، قضاءً لاطلاق
قوله تعالى (ولا جناح عليهما فيما افتدت به)[869] بل واطلاق السنة من
اخذه ما وجد من دون فرق بين كونه عيناً او منفعة ، كلياً او جزئياً قليلاً او
كثيراً فتأمل فإنّها في مقام بيان عدم لزوم كونها اقل من المهر او مساوية له بخلاف
المباراة ; نعم اطلاقها وعمومها في خصوص الكثرة والقلّة تام كما تدل عليه الروايات
الخاصة ايضاً مثل صحيحة زرارة السابقة وكذا صحيحته الاخرى ، عن أبي جعفر(عليه
السلام) قال : «لايكون الخلع حتّى تقول : لا أطيع لك أمراً ولا ابرّ لك قسماً ولا
اقيم لك حدّاً فخذ منّي وطلّقني ، فاذا قالت ذلك فقد حلّ له أن يخلعها بما تراضيا
عليه من قليل أو كثير» الحديث[870] .
ثم إنّه كما لايعتبر في المهر العلم التفصيلي بل يكفي ما يؤول إلى العلم فيما
بعد ، نحو ما في الصندوق وما في كمّي ونحوهما فكذلك الفدية في الخلع لاطلاق الآية
الشريفة واطلاقات العقود والمعاوضات واطلاق ادلة الخلع مع التأمل في الاخير . نعم
الجهل المطلق الذي لايؤول إلى العلم مضرّ ، مثل شيء من الاشياء او بعض ما يتمول او
نحو ذلك مما هو مثار النزاع ، نعم يترائى في كلام الشرائع شبه تهافت إن لم يكن عين
التهافت ، فإنّه قال : يكفي المشاهدة في العين الحاضرة بخلاف الكلّي في الذمة فإنّه
لابدّ فيه من العلم بجنسه ومقداره ووصفه . مع أ نّهما يرتزقان من لبن واحد ولقد
اجاد نفسه في المختصر النافع بعدم الفرق بينهما ، فراجع إن شئت .
( ويصح جعل الفداء ارضاع ولده لكن مشروطاً بتعيين المدّة) .
وذلك قضاء للقاعدة .
( ولاتبعد صحته بمثل قدوم الحاج وبلوغ الثمرة ، وان جعل كليا في ذمتها يجوز جعله
حالا ومؤجلا مع تعيين الأجل ولو بمثل ما ذكر) .
وذلك لكفاية التعيين .
( مسألة 10 ـ يصح بذل الفداء منها ومن وكيلها بأن يبذل وكالة عنها من مالها أو
بمال في ذمتها) .
وذلك لأنّ بذله بذلها ، كما هو واضح .
( وهل يصح ممّن يضمنه في ذمته باذنها فيرجع اليها بعد البذل بأن تقول لشخص :
«اطلب من زوجي أن يطلقني بألف درهم مثلا عليك وبعد ما دفعتها اليه ارجع عليّ» ففعل
ذلك وطلّقها الزوج على ذلك ؟ وجهان بل قولان ، لايخلو ثانيهما من رجحان) .
من أنّ المطلوب في الخلع هو كون الطلاق بعوض وفدية والفدية هنا وإن لم تكن من
المرأة مباشرة وابتداءً لكنها ترجع اليها في النهاية وذلك المقدار منها كاف فيه ،
ومن أنّ القدر المتيقن من الادلة بل ظاهر الآية الشريفة هو كون الفدية منها والفدية
هنا ليست منها حقيقة وادائها فيما بعد لايوجب صدق «فديتها عليّ» بنحو الحقيقة بل
يعد غرامة منها مع انّه ضمان مالم يجب وهو باطل عندالامامية .
( كما انه لايصح من المتبرع الّذي لايرجع عليها ، فلو قالت الزوجة لزوجها :
طلّقني على دار زيد أو الف في ذمته فطلّقها على ذلك وقد أذن زيد او اجاز بعده لم
يصح الخلع) .
لما مرّ .
( ولا الطلاق الرجعي ولا غيره إلاّ اذا أوقع بلفظ الطلاق أو اتبعه بصيغته) .
وهذا هو موافق لكلام المحقق في الشرائع وهو لايختصّ بالمسألة بل يعمّ الفروع
المماثلة كما اذا خلعها على مال الغير مع العلم بأنّ المال مال الغير ، او على غير
المملوك كالخمر ، او على ما لايتموّل .
ووجه التفصيل أنّ المعتبر في الخلع هو الفدية وهو كالمعاوضة فاذا بطلت الفدية
بطل الخلع وأمّا اذا وقعت صيغة الطلاق بعده يقع رجعياً ، لأنّ الطلاق المتعقب له
امر مستقل برأسه واجد لشرائطه ، ولكن الحق تبعاً لصاحب الجواهر انّه يقع رجعياً
مطلقاً بعد بطلان الفدية ، من دون فرق بين اتباعه بصيغة الطلاق ام لا ، بل وصيغة
الطلاق وحدها أمّا عدم كونه خلعاً فواضح لبطلان الفدية الموجب لعدم تحقق الخلع الذى
هو طلاق بائن وأمّا وقوع الطلاق فلان الفدية ليست من اركانه ولا من شرائطه حتى يكون
انتفائها موجباً لانتفائه بل هي باعثة عليه فبطلان الفدية لايوجب بطلان اصل الطلاق
ولا فرق بين اتباعه بالطلاق وعدمه لوحدة حقيقة الخلع والطلاق والمراد من الطلاق
المتعقب له هو الخلع اي الطلاق بعوض فذكر صيغة الطلاق بعده لايزيد على الخلع بل هو
نفسه .
( مسألة 11 ـ لو قال أبوها : «طلّقها وأنت بري من صداقها» وكانت بالغة رشيدة
فطلقها صح الطلاق وكان رجعياً بشرائطه والشرط المتقدم في المسألة السابقة ، ولم
تبرأ ذمته بذلك ما لم تبرأ ، ولم يلزم عليها الابراء ولايضمنه الأب) .
لما مرّ ، وفيه ما مرّ ايضاً .
( مسألة 12 ـ لو جعلت الفداء مال الغير او ما لايملكه المسلم كالخمر مع العلـم
بذلك بطل البذل فبطل الخلع وصار الطلاق رجعياً بالشرط المتقدم) .
ولقد جاد صاحب الجواهر في بيان المسألة والنقض والابرام عليها فكان الاكتفاء به
حسن ، قال في الجواهر ممزوجاً بما قاله المحقق :
«ولو كان الفداء ممّا لايملكه المسلم» عالمين به «كالخمر» والخنزير فسد البذل
بلا إشكال ولا خلاف ، لاشتراط المالية فيه ، بل قيل : «فسد الخلع» لفساد المعاوضة
حينئذ «وقيل» والقائل الشيخ : «يكون» الطلاق «رجعياً» لما عرفت من عدم اعتبار العوض
في مفهومه ، وأن إنشاء الطلاق مستقل وإن كان الباعث له عليه البذل المزبور ، إلاّ
أنّ أقصاه عدم كونه بائناً ، لفحوى ما تسمعه من النصوص المتضمنة لكون الطلاق
رجعيّاً لو رجعت بالبذل .
«و» لكن قال المصنّف : «هو حقّ إن أتبع بالطلاق ، وإلاّ كان البطلان أحقّ»
ولعلّه لأ نّه مع الاقتصار على الخلع لايتحقق صحة الطلاق مع فساد العوض ، لأن الخلع
الّذى يقوم مقام الطلاق أو هو الطلاق ليس إلاّ اللفظ الدّال على الإبانة بالعوض ،
فبدونه لايكون خلعاً ، فلا يتحقق رفع الزوجية بائناً ولا رجعيّاً ، وإنّما يتم إذا
أتبعه بالطلاق ليكونا أمرين متغايرين لايلزم من فساد أحدهما فساد الآخر فيفسد حينئذ
الخلع لفوات العوض ، ويبقى الطلاق المتعقب له رجعيّاً لبطلان العوض الموجب لكونه
بائناً ، وفي المسالك هو الأقوى .
وفيه أوّلا : أن الشيخ قد عرفت أنه ممّن يوجب اتباع الخلع الطلاق ، فلا وجه
للتفصيل في كلامه . وثانياً : أن الطلاق المتبع به الخلع لايراد به إلاّ الطلاق
بالعوض ، وليس هو إنشاء مستقلا ، وقد سمعت سابقاً من المسالك أنه هو المملّك للعوض
، وأنّ تقدّم الخلع عليه قليل الفائدة ، بل يمكن فرض مسألة المقام في كون الخلع
بلفظ «أنت طالق بكذا من الخمر» من دون سبق الخلع ، ولا وجه للصحّة فيه رجعيّاً إلاّ
بناءً على ما ذكرناه من عدم المعاوضة في ذلك حقيقة .
ومنه ينقدح وجه الصحّة رجعيّاً لو كانت الصيغة بلفظ «خلعت» أيضاً وإن لم نجوّز
وقوع غير الطلاق بعوض بها ، لما عرفت من كون الخلع طلاقاً وإن كان مورده خاصّاً ،
فتارة يصح وأخرى يبطل لفقد شرط من شرائطه ، ولكنه لايبطل أصل الطلاق الحاصل به كما
يومئ إليه ما تسمعه من النص والفتوى في صيرورة الطلاق رجعيّاً لو فسخت البذل ورجعت
به ، من غير فرق بين كون الخلع قد كان بلفظ «خلعتك على كذا» وبين «أنت طالق بكذا»
وما ذاك إلاّ لصحة وقوع الطلاق به في مورده وإن لم يسلم بفسخ للبذل أو بفقد شرط من
شرائطه .
واحتمال الجمود على خصوص مورد النص مناف لقاعدة الاستنباط المستفادة من فحاوى
الأدلة المشار إليها بقولهم(عليهم السلام) «لايكون الفقيه فقيهاً حتى تلحن له فيعرف
ما تلحن له»[871] وغيره ، هذا كله مع العلم» . انتهى كلامه(قدس سره)[872]
.
( ولو جعلته مال الغير مع الجهل بالحال فالمشهور صحة الخلع وضمانها للمثل او
القيمة ، وفيه تأمل) .
وذلك لأنّ فقد الشرط موجب للبطلان والجهل لايوجب الصحة ، كما لو تبيّن فقد شرط
في اركان العقد .
وفيه : أنّ الفدية ليست من اركان الطلاق كما مرّ بل هي مقوّمة للخلع .
( مسألة 13 ـ يشترط في الخلع على الأحوط أن تكون كراهة الزوجة شديدة بحيث يخاف
من قولها أو فعلها أو غيرهما الخروج عن الطاعة والدخول في المعصية) .
لا اشكال ولا خلاف في أ نّه يشترط في الخلع الكراهة من جانب الزوجة وحدها لا منه
فلا يجوز اخذ العوض ولا منهما فيكون مباراة بل عليه الاجماع ، مضافاً إلى النصوص
المستفيضة إن لم تكن متواترة ولكن قديقع الكلام في انّه هل يعتبر فيه الكراهة ام
يكفي فيه خوف عدم اقامة حدودالله والوقوع في الفتنة ؟ وعلى الاوّل فهل يعتبر فيه
مطلق الكراهة او الكراهة الشديدة بحيث يخاف الخروج من طاعة الله تعالى وحدوده وعلى
الفرضين فهل يشترط فيه اسماع معانى الاقوال المذكورة في النصوص مثل قولها «لا اغتسل
لك من جنابة ولا اقيم لك حداً ولاُوطئنّ فراشك من تكرهه» او يكفي تفهيمها قولاً او
عملاً او يكفي كون افعالها واقوالها بحيث لها شأنية الخروج من الطاعة ؟ احتمالات
ووجوه وقد ادعى ابن ادريس الاجماع على اشتراط الخلع بأن يسمع منها ما لايحل ذكره او
يعلم ذلك منها فعلاً فإنّه قال ما هذا لفظه :
«فأمّا اذا كانت الحال بين الزوجين عامرة ، والأخلاق ملتئمة ، واتفقا على الخلـع
، فبذلت لـه شيئاً على طلاقها ، لم يحلّ لـه ذلك ، وكان محظوراً ، لاجماع أصحابنا
على أ نّه لايجوز له خلعها ، إلاّ بعد أن يسمع منها ما لايحل ذكره ، من قولها : «لا
أغتسل لك من جنابة ، ولااقيم لك حدّاً ، ولاُوطئنّ فراشك من تكرهه» أو يعلم ذلك
منها فعلا ، وهذا مفقود هيهنا ، فيجب أن لايجوز الخلع ، وأيضاً قوله تعالى :
(ولايحلّ لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ شيئاً إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله)[873]
وهذا نص ، فإنّه حرّم الأخذ منها إلاّ عند الخوف من ترك اقامة الحدود»[874]
.
هذا ولكن الحق في صحة الخلع هـو تحقق خوفه او خوفها مـن خروج الطاعـة وإن لم
تتحقق الكراهة مـن جانبها فضلا عن الكراهة الموجبة للخروج وفضلا عن اعتبار تلك
الالفاظ ، والدليل عليه قوله تعالى : (إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله فإن خفتم
ألاّ يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به)[875]
والقول بأنّ الآية الشريفة إنّما تفيد جواز الافتداء من دون دلالة على أنّ الطلاق
خلع وبائن حتى يترتب عليه احكامه مـدفوع بأنّ ما ورد في الخلع مـن السنة وفتاوى
العلماء ناظر إلى الآية الشريفة .
إن قلت : فلماذا لم يتعرض الروايات لخوف خروج الزوج عن الطاعة ولو اشارة ؟
قلت : لانّها واردة مورد الغالب وافتداء الزوجة لخوف خروج الزوج عن الطاعة فرض
نادر ، ومنه يظهر انّه لا موضوعية لتلك الالفاظ والجملات المذكورة في النصوص بل
طريق لبيان أنّ المناط هو خوف خروجهما من طاعة الله والدخول في معصيته تعالى
الناشئة عن هذا النكاح ، سواء كانت في حقوق الزوجين او في غيرها من سائر حدود الله
تعالى : (تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فاولئك هم الظالمون)[876]
كترك صلاة الفجر مثلا فمع الخوف من عدم اقا متهما حدود الله تعالى يحل للزوج اخذ
العوض ويصح الخلع ويقع بائناً .
واستدلّ لاشتراط اظهارها الالفاظ الخاصّة ، بأنّ الاصل عدم وقوع الخلع من دون
تفهيم هذه الجملات ، وبالنصوص التي قد مرّت ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي
عبدالله(عليه السلام) قال : «لايحلّ خلعها حتّى تقول لزوجها : والله لا أبرّ لك
قسماً ولا اطيع لك امراً ولا أغتسل لك من جنابة ولاُوطئنّ فراشك ولآذننّ عليك بغير
اذنك ، وقد كان الناس يرخّصون فيما دون هذا ، فاذا قالت المرأة ذلك لزوجها حلّ له
ما أخذ منها» الحديث[877] .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «المختلعة التي
تقول لزوجها : اخلعني وأنا اعطيك ما اخذت منك ، فقال : لايحلّ له أن يأخذ منها
شيئاً حتى تقول : والله لاأبرّ لك قسماً ولااطيع لك امراً ، ولآذننّ في بيتك بغير
اذنك ، فاذا فعلت ذلك من غير أن يعلّمها حلّ له ما اخذ منها» الحديث[878]
. وغيرهما من الاخبار ، وهذا خلافاً لروايتين اخريين ; احديهما : صحيحة محمد بن
مسلم ، عن أبي جعفر(عليه السلام)قال : «اذا قالت المرأة لزوجها جملة «لاأطيع لك
امراً» مفسّراً وغير مفسر حلّ له ما أخذ منها وليس له عليها رجعة»[879]
. وثانيتهما : موثقة سماعة ، قال : قلت لابي عبدالله(عليه السلام) : «لايجوز للرجل
أن يأخد من المختلعة حتى تتكلّم بهذا الكلام كلّه ، فقال : اذا قالت : «لا اطيع
الله فيك ، حلّ له أن يأخذ منها ما وجد»[880] . كما أنّ اختلاف تلك
الالفاظ نفسها شاهدة على عدم اشتراطها ، والعمدة أ نّها كلّها ناظرة إلى الآية
ويكفي في صحته خوف وقوع الزوج او الزوجة في المعصية والخروج عن الطاعة من اي طريق
حصل فلا يعتبر فيه الكراهة فضلا عن الكراهة الشديدة وفضلا عن اعتبار تلك الالفاظ .
( مسألة 14 ـ الظاهر انه لا فرق بين أن تكون الكراهة المشترطة في الخلع ذاتية
ناشئة من خصوصيات الزوج كقبح منظره وسوء خلقه وفقره وغير ذلك وبين أن تكون ناشئة من
بعض العوارض مثل وجود الضرّة وعدم ايفاء الزوج بعض الحقوق الواجبة أو المستحبة) .
وذلك قضاءً لاطلاق ادلة الخلع من الكتاب والسنة خلافاً لما حكاه في الحدائق عمّن
عاصره من مشائخ بلاد البحرين من اعتبار الكراهة الذاتية ولا فرق في الكراهة
العرضيّة بين تركه الحقوق الواجبة او المستحبة ولا بين تركه لغرض الجائها إلى بذل
الفداء ام لا .
لايقال : الجائها إلى بذل الفدية ومطالبة الخلع اكراه وهو يوجب بطلان الخلع
والفدية فلا يقع الا اصل الطلاق دون الخلع .
لأ نّه يقال : إنّ الاكراه امر عرفي لايصدق في مثل ما نحن فيه للفرق بين اكراه
الغير على فعل وبين الاتيان بما يضطر به فيختاره فإنّها مضطرة إلى بذل الفداء لا
مكرهة ومما يؤيد ذلك بل يدل عليه قوله تعالى : (ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ما
آتيتموهن إلاّ أن يأتين بفاحشة مبينة)[881] . فإنّه يدل على صحة الفدية
مع الاعضال لعدم امكان النهي عنه مع بطلان الفدية وهذا نظير ما استدل به ابوحنيفة
لدلالة النهي عن العبادات والمعاملات على الصحة بتقريب أنّ متعلق النهي لابد أن
يكون مقدوراً بعد النهي ليمكن موافقة النهي ومخالفته والنهي لو دل على بطلان
العبادة او المعاملة لما كان المكلف قادراً على اتيان متعلق النهي لعدم تعلق النهي
بما يكون فاسداً منهما اذ لا حرمة في الفاسد منهما .
فالصحيح منهما غير مقدور لدلالة النهي على فساده والفاسد منهما غير متعلق للنهى
فلو اقتضى النهي الفساد يلزم أن يكون النهي سالباً لقدرة المكلف على مخالفته وكذا
النهي عن الاعضال (لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن) يدل على صحة البذل وصيرورته ملكاً
للزوج والايلزم ان يكون النهي موجباً لرفع القدرة على متعلقه مع انّه لو تعلق مراده
تعالى ببيان فساد البذل فكان الاولى أن يقال : لاتعضلوهن فإنّه اكل مال بالباطل .
ولكن مع ذلك كلّه انّه إن اضطرت الزوجة إلى البذل لعدم قيام الزوج باداء حقوقها
الواجبة وجعلها كالمعلقة فيكمن التفصيل بين ما يمكن لها الرفع إلى الحاكم ومع ذلك
تبذل الفدية فيجوز له لأنّ الفدية بيدها وبذلها باختيارها لعدم انحصار الطريق في
البذل وبين ما لايمكن لها الرفع إلى الحاكم فلا يجوز لاضطرارها في البذل لانحصار
الطريق فيه ولايحل اكل ما بذل اضطراراً .
وأمّا قوله تعالى (ولاتعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن)[882]
بمعنى «ولايحل أن تعضلوهن» لكونه معطوفاً على (ولايحل لكم أن ترثوا النساء
كرهاً)ظاهراً .
إن قلت : إنّ اكل الفدية بسبب الاعضال حرام مطلقاً ولو مع التمكن من الرجوع إلى
الحاكم وعدم جوازه الاعن طيب النفس لقوله تعالى : (وآتوا النساء صدقاتهن نحلة فإن
طبن لكم عن شيء منه نفساً فكلوه هنيئاً مريئاً)[883] .
قلت : إنّ الآية ناظرة إلى الهبة غير المعوضة فلا ترتبط بباب المعاوضات . هذا
أوّلا وثانياً أ نّها في الاباحة بمراتبها العالية وأمّا اصل الاباحة فلا يعتبر فيه
الا الرضا وبعبارة اخرى إنّ الأكل مع الهنائة والمرائة يعتبر فيه طيب النفس وأمّا
اصل الاكل فيكفي فيه مطلق الرضا .
إن قلت : إنّ الطلاق مع بطلان الفداء يصير رجعياً فما تفعل المرأة إن رجع زوجها
في العدة مع أنّ غرضها قد تعلق بالطلاق البائن حتى لايتمكن الزوج من الرجوع فيها ؟
قلت : يرفع امـرها إلى الحاكم فيطلقها بائناً من باب الولاية على الممتنع .
إن قلت : كيف يطلقها بائناً مـن دون ان يكون خلعاً مـع اجتماع شرائط الرجعى ؟
قلت : إنّ الرجوع حق لاحكم فيصالحه الحاكم بعوض ولايته .
( نعم إن كانت الكراهة وطلب المفارقة من جهة ايذاء الزوج لها بالسبّ والشتم
والضرب ونحوها فتريد تخليص نفسها منها فبذلت شيئاً ليطلّقها فطلّقها لم يتحقق الخلع
، وحرم عليه ما أخذه منها) .
لكنه قد ظهر ممامر انما لايتحقق الخلع اذا اتى بهذه الامور لغرض أن تخلع نفسها
دون ما اذا لم يكن بهذا الغرض فما في المتن من الاطلاق غير تامّ .
( ولكن الطلاق صح رجعيّاً بالشرط المتقدم) .
وفيه ما تقدّم .
( مسألة 15 ـ لو طلّقها بعوض مع عدم الكراهة وكون الأخلاق ملتئمة لم يصح الخلع
ولم يملك العوض) .
اجماعاً ، ويدل عليه الروايات المستفيضة ، إن لم تكن متواترة ولكن في النفس
بالنسبة اليه شيء وهو أنّ الآية الشريفة (ولايحل لكم أن تأخذوا ممّا آتيتموهنّ
شيئاً إلاّ أن يخافا ألاّ يقيما حدود الله) تدل على صحة الخلع عند الخوف من عدم
اقامتهما حدود الله والمراد من حدود الله اعم مما يرتبط بحقوق الزوجين فيشمل كل
الواجبات والمحرمات فلو خافت من ترك واجب او فعل حرام بسبب هذا النكاح على الزوج او
على نفسها مع كون الاخلاق ملتئمة يمكن القول بأنّ مقتضى الكتاب هو أ نّه يصح الخلع
ويملك العوض .
( ولكن صح الطلاق بالشرط المتقدم) .
وفيه ما مرّ .
( فإن كان مورده الرجعي كان رجعياً وإلاّ بائناً)[884] .
هذا وفي المسألة كلام مبسوط يأتي في آخر الخلع فانتظر .
( مسألة 16 ـ طلاق الخلع بائن لايقع فيه الرجوع) .
وذلك للاصل والاجماع والسنة وكذا الكتاب لأنّ الافتداء هو للتخلّص فثبوت حق
الرجوع له ينافي الافتداء كما في الخلاف وكشف اللثام ، مضافاً إلى أنّ مقتضى الاصل
ايضاً ذلك .
إن قلت : إنّ استصحاب عدم الرجوع غير تام لعدم الحالة السابقة له لأنّ الشك انما
يكون في أنّ الخلع هل وجد مع حق الرجوع ام وجد بدونه
قلت : إنّ الاستصحاب وإن لم يجر في عدم الرجوع لما ذكر لكنه يجري في لوازم
الطلاق وآثاره واحكامه من حرمة النظر واللمس والوطئ وعدم وجوب النفقة وغيرها من
الآثار فإنّها حرمت بالطلاق ومع رجوع الزوج يقع الشك في بقاء الحرمة وعدمه والاصل
العدم وهذا نظير استصحاب اللزوم فإنّ العقد إمّا وجد لازماً وإمّا جائزاً فلا يكون
للزوم حالة سابقة فلا يجرى فيه الاستصحاب ولكن يجري في احكام العقد وآثاره .
( ما لم ترجع المرأة فيما بذلت ، ولها الرجوع فيه ما دامت في العدّة ، فاذا رجعت
كان له الرجوع إليها) .
ويدل على جواز الرجوع اليها فيما رجعت في الفدية الاجماع والاخبار بل القاعدة
وهي أن فساد البذل لايوجب فساد اصل الطلاق ; لأنّ البذل ليس من اركان الطلاق بل
باعث له فهي بضميمة قاعدة «كل طلاق رجعي الا ما خرج بالدليل» المستفاد من قوله
تعالى : (وبعولتهن احق بردهنّ) يفيد صحته رجعياً .
( مسألة 17 ـ الظاهر اشتراط جواز رجوعها في المبذول بامكان رجوعه بعد رجوعها ،
فلو لم يمكن كالمطلقة ثلاثاً وكما اذا كانت ممن ليست لها عدة كاليائسة وغير المدخول
بها لم يكن لها الرجوع في البذل) .
فإنّ في المسألة قولين ; احدهما جواز رجوعها في البذل مطلقاً وهو الظاهر ممن
اطلق جواز الرجوع او اطلق جواز الرجوع في العدة مثل المحقق في الشرائع ، ثانيهما
وهو الحق ، اشتراطه بامكان رجوعه في النكاح كما هو المحكي من غير واحد من الاصحاب
بل عن المشهور . وذلك ، مضافاً إلى اصالة عدم جواز رجوعها إلاّ مع امكان رجوعه في
البضع ومضافاً إلى انّه شبه معاوضة فجواز رجوعها من دون امكان رجوعه يستلزم وقوع
المبذول بلا عوض ومضافاً إلى قاعدة نفي الضرر فإنّ ذهاب ماله (المهرية) من دون عود
فائدة اليه ضرر عليه ، أنّ المستفاد من النصوص ليس اكثر من ذلك فإنّه القدر المتيقن
منها بل قد يقال : إنّ المستفاد منها هو الملازمة بين جواز رجوعها وامكان رجوعه .
فمن ذلك صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع ، عن الرضا(عليه السلام) في حديث الخلع
قال : «وإن شاءت أن يردّ إليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت»[885] .
ومنها : موثقة أبي العبّاس البقباق ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال :
«المختلعة إن رجعت في شيء من الصلح يقول : لأرجعنّ في بضعك»[886] .
ومنها : صحيحة عبدالله بن سنان ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) ، وفيها «وينبغي
له أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة وإن ارتجعت في شيء ممّا أعطيتني فأنا
املك ببضعك ، وقال : لا خلع ولا مباراة ولا تخيير إلاّ على طهر من غير جماع بشهادة
شاهدين عدلين ، والمختلعة اذا تزوّجت زوجاً آخر ثم طلّقها يحلّ للاوّل أن يتزوّجها
، قال : ولا رجعة للزوج على المختلعة ولا على المباراة إلاّ أن يبدو للمرأة فيردّ
عليها ما أخذ منها»[887] .
فإنّ موارد هذه النصوص هو ما يمكن له الرجوع ، بل قد يقال : إنّ المستفاد من
صحيحة ابن بزيع وموثقة أبي العباس الملازمة بينهما ، قضاء للشرطية ، اذ الجملة
الشرطية فيهما تقتضي الملازمة بين الشرط والجزاء فتأمل فإنّ الملازمة في صحيحة ابن
بزيع إنّما وقع بين مشية المختلعة أن يرد ما اخذ منها وبين مشيتها أن تكون امرأته
وكذا في موثقة ابي العباس البقباق وقعت الملازمة بين قولها بالرجوع في شيء من الصلح
وقوله بالرجوع في البضع وعلى هذا فالاولى ما قلناه من أنّ القدر المتيقن من
الروايات هو جواز رجوعها فيما يمكن للزوج في البضع ولايستفاد منها جواز رجوعها
مطلقا حتى مع عدم امكان رجوعه .
ومما يؤيد قول المشهور ، كما افاده صاحب الجواهر ، هو أنّ اتفاق الاصحاب على
تقييد جواز رجوعها بالبذل بما اذا كان في العدة مع خلو النصوص عنه لعلّه مبنىّ على
التلازم المزبور ، للعلم بعدم جواز الرجوع له بعدها ، لصيرورة المرأة اجنبية
كالصغيرة واليائسة اللّتين لا عدة لهما اللّتين قد استفاضت النصوص بكون طلاقها حيث
يقع بائناً ، فتقيد جواز رجوعها بالعدة مقدمة لجواز رجوعه حينئذ .
ولكن يمكن أن يقال : إنّ تقييد الاصحاب جواز الرجوع بالعدة لعلّه كان بلحاظ
المطلّقة ثلاثاً واليائسة والصغيرة حيث لايجوز لهن الرجوع .
وتظهر الثمرة بين القول المشهور وغيره في المطلقة ثلاثاً لعدم تمكّن الزوج من
الرجوع في البضع فلا يجوز لها الرجوع على المشهور المختار ويجوز على القول غير
المشهور حيث لم يشترطوا بامكان رجوعه وأمّا في اليائسة والصغيرة فلا يجوز لهما
الرجوع في البذل على كلا المبنيين للاجماع على أنّ رجوع المرأة في العدة جائز فإنّ
الاجماع قد قيد بكون المرأة في العدة ، واليائسة والصغيرة لا عدة لهما ، ومنه يظهر
ما في جعل عدم جواز الرجوع لليائسة والصغيرة ثمرة للنزاع من المسامحة .
( بل لايبعد عدم صحة رجوعها فيه مع فرض عدم علمه بذلك إلى انقضاء محلّ رجوعه فلو
رجعت عند نفسها ولم يطلع عليه الزوج حتى انقضت العدّة فلا أثر لرجوعها) .
خلافاً لظاهر العلاّمة في القواعد وغيره ، والحق اشتراطه بعلمه بالرجوع لأنّ
الثابت من الادلة المزبورة رجوعها في حال العلم بذلك فإنّ صحيح عبدالله بن سنان
وموثق ابي العباس البقباق ظاهران بل نصّان في اختصاص جواز الرجوع بعلمه ولايشملان
صورة الجهل ، لأنّ قول الزوج بالرجوع إلى البضع لايكون الابعد علمه برجوعها إلى
البذل وأمّا صحيح ابن بزيع الذي قد اعتبر في شرطه كونها امرأته «إن شاءت أن يرد
اليها ما اخذ منها وتكون امرأته فعلت» فلا يستقيم ايضاً الا مع علم الزوج بالرجوع ،
لأنّ كونها امرأته بمعنى كونها امرأته الرجعية فهو مجاز لم يرد منه معناه الحقيقي
للاجماع على عدم كونها زوجة له الابعد رجوعه اليها ولايكون الرجوع منه إلاّ بعد
علمه بالموضوع ; قال صاحب الجواهر : «فاقرب مجازاته حال علمه الذي يكون فيه حينئذ
احق ببضعها»[888] وله وجه والاوجه ما قلناه من التلازم بين كونها
امرأته وبين علمه برجوعها في البذل للاجماع المزبور فيختص بصورة العلم .
فرع
هل المختلعة بعد الرجوع في البذل هي رجعية في جميع الآثار او في خصوص جواز
الرجوع لا غيره ؟ فيه وجهان ; من أ نّها رجعية فيترتب عليه الآثار ويؤمي اليه ما في
موثقة أبي العباس وصحيحة عبدالله بن سنان ، ومن أ نّها قبل رجوعها كانت بائنة ،
فعند الرجوع يشك في ترتب جميع الآثار والاصل عدمه .
والحق أ نّها رجعية في جميع الآثار وذلك لصحيحة ابن بزيع حيث إنّ المراد من
كونها امرأة له هو معناها المجازي واقرب المجازات كونها رجعية له من جميع الجهات
فإنّها نزلت منزلة الزوجة على نحو العموم ، وعموم التنزيل يقتضي ترتب جميع آثار
الرجعية ، ويؤيد ذلك وحدة السياق بين هذه الصحيحة وبين ما ورد في أنّ المطلقة
الرجعية امرأة له وحينئذ لايجوز له نكاح الاختها ولا الخامسة بعد رجوعها في البذل
وأمّا قبله فلا اشكال في الجواز لانقطاع العصمة بينهما ولأ نّها بائنة وهو خاطب من
الخطاب ، ولصحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته «عن رجل
اختلعت منه امرأته أيحلّ له أن يخطب اُختها من قبل أن تنقضي عدّة المختلعة ؟ قال :
نعم ، قد برئت عصمتها منه وليس له عليها رجعة»[889] . وكذا لعدم صدق
الجمع بين الاختين ، وعدم صدق نكاح الخامسة وغير ذلك كما في الجواهر والظاهر أنّ
المراد من غير ذلك فيه هو عموم النكاح فإنّها ايضاً يقتضي صحة هذا النكاح وأمّا بعد
تزويجه بالاخت او الخامسة فلا يجوزلها الرجوع لعدم امكان رجوعه في البضع وقد مرّ
اشتراطه به .
لا يقال : إنّه يتمكن منه ايضاً ولو بتطليق الاخت او الخامسة مثلاً بائناً كما
لو كانت صغيرة او يائسة او غير مدخول بها او كان الطلاق خلعاً ، فإنّه يقال :
لايمكن له الرجوع في البضع حال رجوعها في البذل وامكان تمكنه فيما بعد لايكون
مصححاً له .
فرع
لو قالت له أ نّها تأتي باجنبيّ إلى الفراش ، فذهب بعض الاصحاب على ما نسب اليهم
، إلى وجوب الخلع وبعضهم إلى استحبابه ، والحق انّه مباح كما ذهب اليه صاحب الجواهر
، واستدلّ للاوّل بأنّ ذلك منكر منها والنهي عن المنكر واجب وانمايتم بالخلع واجاب
عنه في المسالك بـ «منع انحصار النهي في الخلع بل تأدّيه بالطلاق المجرد عن البذل
اقرب اليه وانسب بمقام الغيرة والنخوة من مراجعتها على بذل المال الحقير ويمكن
ايضاً تأدّيه بالضرب وغيره مما يدفع به المنكر»[890] . والحق انّه ليس
من هذا الباب ايضاً بل لايجب عليه الطلاق ايضاً من باب النهي عن المنكر وذلك كما
افاده صاحب الجواهر لوجهين : احدهما : انّه لم يتحقق المنكر بعدُ ، لمنع كون القول
نفسه من دون تعقّبة بفعل منها منكراً . وثانيهما : أ نّه لايجب رفع اليد عن الحق
لدفع عصيان الغير والا لوجب عليه تحرير العبد المصرّ على ترك طاعة سيده او هبة داره
مثلاً اذا كانت مؤثرة في ترك المنكر ومن المعلوم عدم وجوب رفع اليد عن المال او
الحق مقدمة لخلاص الغير عن الحرام القادر على تركه بدون ذلك[891] .
اقول : ما اجاب به صاحب الجواهر ثانياً في غاية المتانة والجودة ولكن يمكن
المناقشة فيما افاده اوّلاً لأنّ دفع المنكر ايضاً كرفعه واجب بل حقيقة النهي عن
المنكر لايتحقق في رفعه فإنّ ما ارتكبه فقد مضى وانعدم ولايؤثر النهي اللاحق فيه .
فرع
هل يجوز للزوجة الرجوع في بعض البذل ام لا ؟ فيه احتمالات ثلاثة :
احدها : الجواز ، لأنّ البذل غير لازم لها والرجوع فيه حقّ لها فكذا فيبعضه ، ويترتب عليه جواز رجوع الزوج ايضاً لأنّ رجوعه مترتب على رجوعها .
ثانيها : عدم الجواز ، لأنّ مع رجوعها يصير الخلع طلاقاً رجعياً مع بقاء العوض
وبينهما منافاة ، وكما أنّ بذلها ابتداءً بعض المهر لايوجب كون الطلاق رجعياً فكذلك
مع بقاء البعض ، فإنّ كون الطلاق رجعياً مع بقاء العوض في مقابله جمع بين
المتنافيين .
وثالثها : جواز رجوعها في البعض وعدم جوازه للزوج ، أمّا الجواز لما مرّ وأمّا
عدمه له لبقاء العوض ، ولايخفى أنّ أضعفها اخيرها وذلك للملازمة بين الرجوعين
ولاستلزام ذلك الضرر عليه خصوصاً فيما اذا رجعت في اكثر البذل وبقي قليل منه .
وقد ضعّف صاحب الجواهر الوجه الثاني ايضاً بأنّ مقتضى موثق ابي العباس وصحيح ابن
سنان هو جواز رجوعها ببعض البذل وانّه يثبت له حق الرجوع بذلك ولاينافيه بقاء البعض
لأنّ العوض هنا هو المجموع دون البعض الباقي وإن كان صالحاً لأن يكون عوضاً لو وقع
الخلع عليه ، فيصدق حينئذ انتفاء العوض بانتفاء البعض ويثبت حكم الرجوع . ثم قال :
«نعم الظاهر وجوب رد الجميع عليه اذا اختار الرجوع ، لظهور ذيل صحيح ابن سنان في
ذلك ، بل هو مقتضى المعاوضة»[892] .
اقول : هذا هو مقتضى الدراية في المسألة ولكن ليست معتمداً عليها في حدّ نفسها ،
فإنّ التلازم بين جواز رجوعها في الكل ورجوعها في البعض هو اوّل الكلام ولا دليل
عليه ، بل مقتضى المعاوضة خلافه وإن كان احسن الوجوه هو الأوّل . هذا وأمّا
الروايات فالظاهر البدوي منها هو التعارض بينها ، فإنّ صحيحة ابن بزيع «وإن شاءت أن
يردّ اليها ما اخذ منها وتكون امرأته فعلت»[893]
ظاهرة في الرجوع إلى الجميع وكذا ذيل صحيحة عبدالله بن سنان ، «ولارجعة للزوج على
المختلعة ولا على المباراة إلاّ أن يبدوا للمرأة فيرد عليها ما اخذ منها» فإنّ «ما»
الموصول فيهما من الفاظ العموم والاطلاق ، فيدل على جواز رجوعه في الجميع وفي
مقابلتهما موثقة ابي العباس البقباق ، قال(عليه السلام) : «المختلعة إن رجعت في شيء
من الصلح يقول : لارجعن في بضعك»[894] وكذا صدر صحيحة ابن سنان «وينبغي
أن يشترط عليها كما اشترط صاحب المباراة وإن ارتجعت في شيء مما اعطيتني فانا املك
ببضعك»[895] حيث إنّهما ظاهرتان في جواز رجوعها في بعض المبذول .
لكن التحقيق عدم التعارض بين الروايات لأنّ الاخيرتين إنّما هما لموضع الاشتراط
. أمّا صحيحة ابن سنان فواضح وأمّا موثقة ابي العباس فلان التقييد بالقول قرينة على
أنّ الباب باب الشرط لاباب بيان حكم الشرع فإنّ الحكم الشرعي بجواز الرجوع في البعض
لايدور مدار قوله برجوعه في البضع حتى يقيد بـ «يقول» ، ومما يؤيد ذلك أنّ صحيحة
عبدالله بن سنان ايضاً مقيدة بالقول كالموثقة ولا شك في أ نّها ظاهرة في الاشتراط
فكذا الموثقة ولا اقل من احتمال كونه من باب الاشتراط فمع الشك يحكم بجواز الرجوع
وبدونه لادليل عليه . ومنه يظهر أنّ الجمع بين الطائفتين بأنّ الطائفة الاولى ظاهرة
في جواز الرجوع في الجميع من دون دلالة على عدم جواز الرجوع في البعض ، والطائفة
الثانية دالة على جواز الرجوع في البعض فتكون النتيجة جواز الرجوع في البعض كالرجوع
في الجميع غير تام ومثله في عدم التمامية ترجيح الشهيد الثاني لصحيحة ابن بزيع على
موثقة أبي العباس واعتماده عليها واستفادة عدم الجواز ايضاً ليس بتمام لأنّ فيه
اوّلا تعارضه لذيل صحيحة ابن سنان ، وثانياً لا مفهوم لصحيحة ابن بزيع . وكذا ظهر
منه عدم تمامية ما في الحدائق من تأييد الموثقة وصحيحة ابن سنان بروايات المباراة
ثم الاشكال فيها بأنّ الاصحاب لم يعملوا بروايات المباراة مع كونها بمرأى ومنظرهم
وذلك منهم إمّا يدل على اعراضهم عنها وإمّا على حمل «من» في هذه الاخبار على
البيانية دون التبعيضية . وذلك لأنّ المذكور في المباراة ايضاً هو الاشتراط كما
فيما نحن فيه ، والعجب من قوله بعدم عمل الاصحاب بها ، لانّهم قد تعرّضوا لجواز
الرجوع في الكل في الخلع والمباراة ، من دون تعرض للرجوع في البعض مع الاشتراط
وواضح انّه فرق بين عدم التعرض والاعراض ، هذا أوّلا ، وثانياً أنّ ماقلناه في
روايات الخلع جار في روايات المباراة ايضاً من جواز الرجوع في البعض مع الاشتراط
وعدمه بدونه .
( مسألة 18 ـ المباراة قسم من الطلاق ، فيعتبر فيه جميع شروطه المتقدمة ويعتبر
فيه ما يشترط في الخلع من الفدية والكراهة ، فهي كالخلع طلاق بعوض ما تبذله المرأة
، وتقع بلفظ الطلاق بأن يقول الزوج بعد ما بذلت له شيئاً ليطلّقها : «أنت طالق على
ما بذلت» ولو قرنه بلفظ «بارأتك» كان الفراق بلفظ الطلاق من غير دخل للفظ «بارأتك»
ولايقع بقوله «بارأتك» مجرداً) .
ويأتي الكلام فيه .
( مسألة 19 ـ تفارق المباراة الخلع بأمور : أحدها أنّها تترتب على كراهة كلّ من
الزوجين لصاحبه ، بخلاف الخلع فانّه يترتب على كراهة الزوجة خاصة ، ثانيها أنّه
يشترط فيها أن لاتكون الفداء باكثر من مهرها بل الأحوط أن يكون اقلّ منه بخلاف
الخلع ، فانّه فيه على ما تراضيا ، ثالثها أ نّها لاتقع بلفظ «بارأتك» ولو جمع بينه
وبين لفظ الطلاق يكون الفراق بالطلاق وحده ، بخلاف الخلع فإنّ الأحوط وقوعه بلفظ
الخلع والطلاق جمعاً كما مرّ) .
ويأتي الكلام فيه ايضاً .
( مسألة 20 ـ طلاق المباراة بائن ليس للزوج الرجوع فيه إلاّ أن ترجع الزوجة في
الفدية قبل انقضاء العدّة ، فله الرجوع اليها حينئذ) .
اعلم انّه لا خلاف في اشتراط شروط الطلاق والخلع في المباراة ، كما لا خلاف في
ترتب احكام الخلع عليها ، من حضور العدلين ، ومن لزوم وقوعه في طهر غير المواقعة
وغيرهما ، ومن البينونة ، ومن جواز الرجوع في البذل ، وعليها النصوص ولا اشكال في
ذلك كلّه ، إنّما الكلام بل الخلاف في امرين ;
الامر الأوّل : أنّ الخلع يحصل بصيغة الخلع وإن لم يتعقبه الطلاق كما مرّ تفصيله
، كما أ نّه يقع بصيغة الطلاق ، وكما أ نّه يقع بصيغة الخلع المتعقبة بصيغة الطلاق
، وهذا بخلاف المباراة فإنّ المشهور عدم وقوعها بصيغة المباراة بل ادّعي عليه
الاجماع ، فإنّ وقوعها إنّما هو بصيغة الطلاق ومع الانضمام لا اثر لصيغة «بارأتك» ،
لكن النصوص على خلافه وليس فيها ما يدل على عدم وقوعها بصيغة المباراة بل هي بين
صريح وبين ظاهر في عدم اشتراط صيغة الطلاق بل تتحقق بصيغة المباراة ، والحق عدم
تحقق الاجماع في المسألة ، ولو سلّم فليس بحجّة لانّه مدركيّ . وقد صرّح المحقق(قدس
سره)[896] بعدم الاثر لصيغة المباراة ولكن قد نسبه في المختصر[897]
إلى الأكثر وهو متأخر عن الشرائع ، والاصل في الاجماع هو ادّعاء الشيخ(قدس سره) في
التهذيب ، قال : «الذي أعمل عليه في المباراة ما قدمنا ذكره في المختلعة وهو انّه
لايقع بها فرقة ما لم يتبعها بطلاق وهو مذهب جميع اصحابنا المحصلين ، من تقدّم منهم
ومن تأخر»[898] .
و هو ليس بصريح في اتفاق الكلّ لانّه قال : إنّه المتفق بين المحصلين من اصحابنا
، قديماً وحديثاً فانّه فرق بين «المحصّلين من الاصحاب» وبين «الفقهاء» منهم[899]
، ومضافاً إلى ذلك أنّ الشيخ نفسه قد احال المسألة إلى الخلع وأنّ حكم المباراة ما
قدمناه في الخلع من أ نّها تحتاج إلى الطلاق وقد حمل النصوص الدالة على حاجة الخلع
إلى إتباعه بالطلاق على التقية .
وقد حقق صاحب الجواهر(قدس سره) المسألة بما هذا لفظه : «وبذلك انكشفت الغمة التي
وقعت على جملة من المصنفين في المقام حيث انكروا على الاصحاب اشتراط اتباع المباراة
بالطلاق مع اتفاق النصوص صريحاً وظاهراً على خلافه ، فمنهم من قدم اجماعهم عليها
ومنهم من قدّمها عليه ولم يعلموا أنّ كلام الأصحاب مبني على ما ذكروه من صيغ
المباراة التي هي كنايات في الطلاق والخلع كما صرحوا به في صيغة الخلع ، كما أ نّهم
لم يعلموا أنّ ما في النصوص مبنىّ على المباراة التي هي الخلع المؤداة بصيغته
لانّها قسم منه وليست ايقاعاً جديداً اشتق لها صيغة من لفظها بل هي كالمرابحة
والمحاقلة والمزابنة التي لايشتق لها صيغة تقوم مقام البيع من لفظها ، لأنها أقسام
من البيع ، وصيغتها صيغته ، ولكن اختصّت بأسماء لمكان بعض أحكام ، وكذلك المباراة
التي هي خلع ، ولذا استفاضت النصوص بعدم احتياجها إلى الاتباع بالطلاق كالخلع .
وبذلك يظهر لك انّه لاحاجة إلى الاستدلال للأصحاب بخبر «ليس ذاك اذا خلع» بناء على
قراءته فعلاً حتى يستدل بمفهومه على احتياج المباراة للطلاق ، مع أن صدره مناف لذلك
، والتحقيق ما عرفت والحمدلله رب العالمين»[900] .
اقول : لكنه لايوافق صريح بعض النصوص لأنّ بعضها صريحة في عدم الحاجة إلى صيغة
الطلاق وظاهرة في وقوعها بصيغة المباراة ، فينبغي لحاظ النصوص والتكلم حولها .
فمنها : خبر حمران ، قال : سمعت أباجعفر(عليه السلام) يتحدّث قال : «المباراة
تبين من ساعتها من غير طلاق ولا ميراث بينهما لأنّ العصمة منها قد بانت ساعة كان
ذلك منها ومن الزوج»[901] . فهو ظاهر في كفاية صيغة المباراة وصريح في
عدم الحاجة إلى صيغة الطلاق .
ومنها : ما رواه جميل بن درّاج ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «المباراة
تكون من غير أن يتبعها الطلاق»[902] .
ومنها : صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع كما مرّ ، قال : سألت أباالحسن
الرضا(عليه السلام)«عن المرأة تباري زوجها أو تختلع منه بشهادة شاهدين على طهر من
غير جماع ، هل تبين منه بذلك أو تكون امرأته ما لم يتبعها بطلاق ؟ فقال : تبين منه
وإن شاءت أن يردّ اليها ما أخذ منها وتكون امرأته فعلت . فقلت : فانّه قد روي لنا
أنّها لاتبين منه حتّى يتبعها بطلاق ، قال : ليس ذلك اذاً خلع . فقلت : تبين منه ؟
قال : نعم»[903]
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «المباراة أن تقول
المرأة لزوجها : لك ما عليك ، واتركني فتركها إلاّ انّه يقول لها : إن ارتجعت في
شيء منه فأنا املك ببضعك»[904] . ويستفاد منها عدم الحاجة إلى صيغة
«بارأتك» .
ومنها : مضمرة سماعة ، قال : سألته «عن المباراة كيف هي ؟ فقال : يكون للمرأة
شيء على زوجها من مهر أو من غيره ويكون قد أعطاها بعضه فيكره كل واحد منهما صاحبه
فتقول المرأة لزوجها : ما أخذت منك فهو لي ، وما بقي عليك فهو لك ، وأبارئك ، فيقول
الرجل لها : فإن انت رجعت في شيء ممّا تركت فأنا احق ببضعك»[905] .
ومنها : ما رواه ابن مسكان عن أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال :
«المباراة تقول المرأة لزوجها : لك ما عليك واتركني ، او تجعل من قبلها شيئاً
فيتركها إلاّ انّه يقول : فإن ارتجعت في شيء فأنا أملك ببضعك ، ولايحلّ لزوجها أن
يأخذ منها إلاّ المهر فما دونه»[906] .
ومنها : ما رواه عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «المبارئة
تقول لزوجها : لك ما عليك وبارئني فيتركها ، قال : قلت : فيقول لها : فإن ارتجعت في
شيء فأنا أملك ببضعك ؟ قال : نعم»[907] .
ومنها : صحيحة محمد بن مسلم قال : سألت اباعبدالله(عليه السلام) «عن امرأة قالت
لزوجها : لك كذا وكذا وخلّ سبيلى ، فقال : هذه المباراة»[908] .
ومنها : صحيحة محمد بن اسماعيل بن بزيع ، وهي قد مرّت[909] .
فالحق وقوع المباراة بصيغة المباراة إن لم نقل بكفاية كلّ لفظ وقول يدل على
المطلوب .
الامر الثاني : هل تجوز المباراة ببذل المهر واخذه كلّه او يشترط كونها بدون
المهر ؟ فإنّه قد قام الاجماع والنصوص على اشتراطها بعدم الزياده ولا شك ايضاً في
جواز اخذ الاقل وانما الكلام والخلاف في جواز اخذ المساوي ، وبعبارة اخرى ، هل
الزيادة مانعة او النقصان شرط ؟ فإنّ الروايات مختلفة ، فبعضها تدل على عدم جواز
اخذ المساوي بل لابد أن يقتصر على الاقل ، منها : صحيحة زرارة ، عن أبي جعفر(عليه
السلام) قال : «المبارئة يؤخذ منها دون الصداق والمختلعة يؤخذ منها ما شئت أو ما
تراضيا عليه من صداق او اكثر ، وإنّما صارت المبارئة يؤخذ منها دون الصداق
والمختلعة يؤخذ منها ما شاء لأنّ المختلعة تعتدي في الكلام وتكلّم بما لايحلّ لها»[910]
.
والاشكال فيها بأنّ العلة المذكورة فيها مشتركة بين المختلعة والمبارئة فإنّ
المبارئة ايضاً ربما تعتدى في الكلام كالمختلعة ، مدفوع بأنّ اعتداء المبارئة غير
اعتداء المختلعة فإنّه في المبارئة تقابل باعتداء الزوج ولااقل من كراهته الموجبة
لاعتدائها .
ومنها : موثقة سماعة ومفادها كصحيحة زرارة ، قال : سألته «عن المختلعة فقال :
لايحلّ لزوجها أن يخلعها حتى تقول : لاأبرّ لك قسماً «إلى أن قال :» فاذا اختلعت
فهي بائن ، وله أن يأخذ من مالها ما قدر عليه ، وليس له أن يأخذ من المباراة كلّ
الذي أعطاها»[911] .
وبعضها الآخر تدل على جواز اخذ المهر فما دونه ، منها صحيحة ابي بصير عن ابي
عبدالله(عليه السلام) في حديث المباراة قال : «ولايحل لزوجها أن يأخذ منها الا
المهر فما دونه»[912] .
فالروايات كما رأيت متعارضة فذهب عدة من الفقهاء إلى مفاد صحيحة ابي بصير لعدم
كون الموثقة حجة في نظرهم والاشكال عليهم بانّه لو سلم فإنّ رواية زرارة صحيحة
تكافؤ صحيحة ابي بصير مدفوع بأنّ الحجة عندالشهيد الثاني انما هي للصحيح الاعلائى
وهو مايكون جميع رواته عدولاً قد شهد بها عدلان بالتنصيص وقد وقع في سند الصحيحة
ابراهيم بن هاشم وهو وإن يستفاد وثاقته من جهات مختلفة لكن لم يوجد لها نص . وذهب
بعض الفقهاء إلى امكان الجمع بينهما بالذهاب إلى استحباب كون المأخوذ دون المهر
وكراهة اخذه بلا نقص وزيادة وحرمة الزيادة ، وهو حسن لأنّ صحيحة أبي بصير صريحة في
الحلّية وهما ظاهرتان في الحرمة على تقدير ظهور الجملة الخبرية في الالزام فما جاء
في المتن من الاحتياط يقيّد بالاستحباب .