تنبيه
قد رأيت ما مرّ آنفاً عن محمد بن مسلم ، قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام( :
«إنّي سمعت أباك إلى قوله)عليه السلام) : «إنّ هذا حديث كان يرويه أبي عن عائشة» .
الحديث . وفي الجواهر فيما أورده ثالثاً على احتمال كون شرطيّة الاتصال بين التخيير
والاختيار مبنيّاً على أنّ ذلك أي التخيير عقد تمليك أو توكيل فعلى الأوّل يعتبر
الاتصال كما في غيره من العقود بخلاف الثاني ردّاً على الشهيد الثاني بصحة التخيير
، ما هذا لفظه : «فمن الغريب بعد ذلك كله ميل الشهيد الثاني إلى القول المزبور ،
لهذه الأخبار التي قد عرفت حالها وما يعارضها وقوّة خروجها مخرج التقية ، بل قد
عرفت التصريح في بعضها بأن ذلك حديث «أبي عن عائشة»[233] .
وذكر في بيان الأخبار المعتبرة الدالّة على عدم الصحة أيضاً في ذيل الحديث ما
هذا لفظه : «هو صريح في الردّ على مالك القائل بأنّ المخيّرة على طلقة ، إذا اختارت
زوجها ، وفي أنّ الحديث الذي يرويه اُبي بن كعب ، عن عائشة من أكاذيبها ،
وافتراآتها»[234] .
أقول : ومن العجب نسبته الرواية إلى «اُبيّ بن كعب» وكيف ذلك مع أنّ ما في كتب
الرواية هو «أبي» المنسوب إلى «الأب» وكذا في كتب الفقه على ما استقصيناه .
هذا مضافاً إلى دلالة صدر الرواية وإلاّ يلزم تكذيب محمد بن مسلم من جانبه(عليه
السلام( ، فلاتغفل وكن على دقـة في النظـر إلى الروايـة حتى فيما كان النظر إليها
من مثل صاحب الجواهر)قدس سره) .
( مسألة 4 ـ يجوز للزوج أن يوكّل غيره في طلاق زوجته بالمباشرة أو بتوكيل غيره ،
سواء كان الزوج حاضراً أو غائباً ، بل وكذا له أن يوكّل زوجته فيه بنفسها أو
بالتوكيل ، لكن لاينبغي ترك الاحتياط بعدم توكيلها) .
أصل جواز الوكالة في الطلاق كغيره من الايقاعات والعقود التي لايعتبر فيها
المباشرة ممّا لا كلام فيه ولا إشكال . ويدلّ عليه الأخبار المستفيضة الواردة في
فروعها بعد الفراغ عن صحة الأصل ، كما أنّ جواز توكيل الزوج الغائب ، عليه الاجماع
وصرّح به في الشرائع بقوله : «ويجوز الوكالة في الطلاق للغائب اجماعاً»[235]
. وفي الجواهر نسبه إلى قسميه ، وإنّما الكلام والخلاف في الحاضر ، فعن الشيخ في
النهاية والمبسوط وأتباعه عدم الجواز بل عنه نسبته في المبسوط إلى اصحابنا لكنّ
المشهور ، الجواز وهو المنصور ، لاطلاق أدلّة الوكالة فيما لا غرض للشارع في اعتبار
المباشرة فيه كالعقود والإيقاعات التي منها الطلاق ، وإطلاق صحيحة سعيد الأعرج ، عن
أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «سألته عن رجل جعل أمر امرأته إلى رجل ، فقال :
اشهدوا أ نّي قد جعلت أمر فلانة إلى فلان ، فيطلّقها أيجوز ذلك للرجل ؟ فقال : نعم»[236]
التي فيها ترك الاستفصال .
دليل الشيخ ومن تبعه هو الجمع بين خبر زرارة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال
: «لاتجوز الوكالة في الطلاق»[237] . والأخبار الدالّة على الجواز التي
منها صحيحة الأعرج على الحاضر وتلك على الغائب .
وفيه : مع عدم الشاهد له ، أنّ الترجيح لمثل صحيحة الأعرج ، فإنّ صحّتها معلومة
، وأمّا خبر زرارة فإنّه على أحد سنديه على وثاقة جعفر بن سماعة موثّق ، وعلى السند
الآخر وإن كان على وثاقة معلّى بن محمّد صحيحاً لكن الوثاقة محلّ كلام . فليس فيه
إلاّ انّه شيخ الاجازة ولذلك وقع الخلاف فيه .
وقد يقال : إنّ الأولى الاستدلال على ذلك بظهور نصوص حصر الطلاق الصحيح في قول
الرجل لامرأته في قبل العدّة بعد ما تطهر من حيضها قبل أن يجامعها : «أنت طالق»
باعتبار أنّها مساقة سوق التعريف الملحوظ قيدية كلّ ما يذكر فيه ، وحينئذ فمن ذلك ،
المباشرة المزبورة المعلوم انتفاء اعتبارها في الغائب ، مؤيداً بخبر زرارة بل لعلّ
ذلك هو الوجه فيما يحكى عن الشيخ من اعتبار الغيبة عن البلد وإن حكي عنه الاكتفاء
بالغيبة عن المجلس ، لكنّه خلاف ما صرّح به ، لأنه المتيقن من عدم اعتبار المباشرة
فيه .
إلاّ انّه قد يدفع ذلك بمنع الظنّ ولو للشهرة العظيمة باستفادة اعتبار المباشرة
من ذلك ، خصوصاً بعد سوقها في إرادة بيان عدم الاجتزاء بالكناية من نحو «أنت خليّة»
وشبهها ، ولذا لم يعتبر في الصيغة ، الخطاب قطعاً (وبعد ورودها مورد الغالب) ولكن
مع ذلك فالاحتياط لاينبغي تركه ، لأنّ أمر الفرج شديد[238] .
ثم إنّه هل يصحّ توكيل المرأة أم لا ؟ فعن الشيخ انّه لايصحّ ولو في حال الغيبة
لظهور تلك النصوص في غيره لما عنه(رحمه الله( من استناده في المنع إلى أنّ القابل
لايكون فاعلا وظاهر قوله)صلى الله عليه وآله وسلم) «الطلاق بيد من أخذ بالساق» .
وكلّها كما ترى ، فإنّ المغايرة بين القابل والفاعل يكفي فيها الاعتبار وهما
مختلفان بالحيثية . كيف والاختلاف اعتباراً وحيثيةً كاف في العقود المركبّة من
الإيجاب والقبول فضلا عن الإيقاع الذي هو ليس إلاّ من طرف واحد ، وأمّا النبوي ففيه
ما لايخفى من أنّ التوكيل من جانبه لاينافي كون الطلاق بيده بل يكون مؤيداً له ،
حيث إنّ التوكيل ليس إلاّ من قبل من له ذلك . هذا مع أنّ إطلاق أدلّة الوكالة فيما
لا غرض للشارع في اعتبار المباشرة كما يشمل غير الزوجة على تسليم الدلالة فكذلك
الزوجة .
وفي المختلف في الاستدلال على المشهور قال : «انّه فعل يقبل النيابة ، والمحلّ
قابل ، فجاز ، كما لو وكّل غيرها من النساء ، أو توكّلت في طلاق غيرها»[239]
. ولعلّه يرجع إلى ما ذكرنا أو إلى الغاء الخصوصية من النصوص المدّعى ظهورها في
الاختصاص بالرجال ، وكيف كان فقد ظهر ممّا ذكر أنّ الحقّ ما في المتن الذي هو
المشهور ، كما قد ظهر منه أيضاً عدم تمامية ما عن الكفاية من انّه لو وكّلها في
طلاق نفسها ففي صحته قولان ، والأدلّة من الجانبين محلّ البحث . انتهى كلامه المؤذن
بالتوقف ، ومثله المحدّث الكاشاني في المفاتيح على المحكي عنه حيث إنّه اقتصر على
نقل القولين من غير ترجيح ، وقد ظهر أيضاً وجه الاحتياط .
( مسألة 5 ـ يجوز أن يوكّلها على انه لو طال سفره أزيد من ثلاثة شهور مثلا أو
سامح في إنفاقها أزيد من شهر مثلا طلّقت نفسها ، لكن بشرط أن يكون الشرط قيداً
للموكل فيه لا تعليقاً في الوكالة) .
ووجهه ظاهر ; فإنّ إطلاقات الوكالة وعموماتها وكذا أدلة العقود دالة على الجواز
، فيما كان الشرط قيداً للموكّل فيه كغيره من الشروط والقيود فيه كالتعليق في غيرها
من العقود والإيقاعات ، نعم التعليق في الوكالة نفسها يوجب البطلان .
( مسألة 6 ـ يشترط في صيغة الطلاق التنجيز ، فلو علّقه على شرط بطل سواء كان
ممّا يحتمل وقوعه كما إذا قال : «أنت طالق ان جاء زيد» أو ممّا يتيقن حصوله ، كما
إذا قال : «إن طلعت الشمس» ، نعم لايبعد جواز تعليقه على ما يكون معلّقاً عليه في
الواقع كقوله : «ان كانت فلانة زوجتي فهي طالق» سواء كان عالماً بأنّها زوجته أم
لا) .
شرطية التنجيز ومبطلية التعليق من دون الفرق بين الصفة وهي الأمر المعلوم الحصول
والشرط وهو المشكوك الحصول ، هو قول مشهور على ما في الشرائع بل قال فيه : لم أقف
فيه على مخالف منّا . بل عن الإنتصار والإيضاح والتنقيح والروضة والسرائر وغيرها
الإجماع عليه ، لكن العامّة قد أطبقوا على الجواز هنا واستدل لاشتراطه بوجوه مشتركة
بين باب الإيقاع والطلاق وبقية الأبواب من العقود ، وبوجوه مختصّة بالباب .
والمشتركة كلّها درائية ، كما أنّ المختصة ليست رواية خاصة فعلى هذا ، القول بأنّه
لا نصّ على الحكم في المسألة ليس بجزاف .
أمّا الوجوه المشتركة فنذكر هنا أربعة منها :
أحدها : أنّ الصيغة والانشاء سبب شرعاً فكما أنّ انفكاك المسبّب العقلي عن السبب
العقلي غير ممكن ومحال فكذا الشرعي منه والتعليق مستلزم لذلك كما لايخفى .
ثانيها : أنّ الشارع جعل الانشاء سبباً فجعل السبب مع الشرط خلاف جعله ويكون
مستلزماً لمشرعيّة المعلّق بالكسر وللدخالة في أمر التشريع ، مع أنه ليس الحكم إلاّ
لله يقصّ الحق وهو خير الفاصلين .
ثالثها : أنّ الشرط كذلك في الحقيقة من الشروط المخالفة للكتاب والسنّة
والمحلّلة حراماً ، ضرورة انّه بعد ظهور الادلة في ترتب الأثر على السبب الذي هو
الصيغة فاشتراط تأخّره إلى حصول المعلّق عليه مخالف لذلك الظهور .
رابعها : أنّ الإنشاء هو الايجاد وهو دائر بين الوجود والعدم فالتعليق والترديد
فيه غير متصوّر وغير قابل له أصلا .
ولايخفى : أنّ الظاهر كون أكثر هذه الوجوه متخذة من العامة ، فكيف أطبقوا على
الجواز هنا مع أنّ الطلاق أولى من العقود بعدم الجواز .
وأمّا الوجوه المختصّة فهي وجهان ; أحدهما الاجماع المحكي ، وثانيهما اطلاق
الروايات الحاصرة ، حيث كانت تدل بالحصر على الوقوع بصيغة خاصة وتكون الصيغة مع
القيد خارجة عنها ، وظهور موثقة حسن بن سماعة ، قال الحسن : «ليس الطلاق إلاّ كما
روى بكير بن أعين أن يقول لها وهي طاهر من غير جماع : أنت طالق ، ويشهد شاهدين
عدلين ، وكل ما سوى ذلك فهو ملغى»[240] . هذا كلّه مع أنّ عدم الصحة
موافق لأصالة بقاء النكاح وأحكامه .
أقول : وفي الوجوه الأربعة الاُولى ما لايخفى بل الوجهين الآخرين أيضاً . توضيحه
: أنّ مثل تلك الوجوه متخذة من الاُمور الواقعية ومربوطة بها والباب باب الاعتبار
الذي يكون تمام قوامه بالاعتبار . والمقايسة غير صحيحة ولذا لا مانع في الجمع بين
الأضداد في الاعتباريات ويكون ممكناً ، بل هو واقع في مثل المتوضّأ بالماء المشكوك
طهارته ، فإنّه محكوم ببقاء الحدث وطهارة البدن للأصل فيهما مع ما بينهما من
التضادّ كما هو واضح[241] .
وأمّا الاجماع فغير مستفاد من عبارة الشيخ بل المستفاد منه هو عدم الخلاف ،
وأمّا الروايات فالحصر في غير الموثقة منها إضافي وناظر إلى نفي ما عليه العامّة من
الوقوع بمثل أنت خلية وبريّة وغيرهما من الكنايات وأمثالها ، لا حقيقي كما لايخفى ،
بل لقائل أن يقول : إنّ اطلاق الحصر موجب للوقوع مع الشرط مثل ما لا شرط فيه .
وأمّا الموثقة فلفظة «كلّ» الموجود فيها وإن كان من ألفاظ العموم لكنّه كغيره من
ألفاظ العموم يكون موضوعاً لتكثير تاليه والعموم فيه ، لا انّه للعموم بنفسه كالجمع
المحلّى بالألف واللام ، فعمومه تابع للتالي سعة وضيقاً ، ولمّا أنّ التالي في
الموثّقة أي «ما سوى ذلك» هو مطلق فمن المحتمل فيه أن يكون إطلاقه كالحصر في غيرها
ناظراً إلى ذلك لاحتمال كونه في مقام البيان بالنسبة إليها لا البيان المطلق ،
ويشهد على ذلك مورد السؤال ، فتكون الموثقة كغيرها ناظرة إلى كلمات العامّة ، وإن
أبيت عن ذلك وقلت : إنّ الأصل في البيان هو البيان على الإطلاق لا الإضافة فنقول :
إنّه لا أقل من الانصراف إلى غير المعلّق فإنّه الرائج والدائر في الألسنة ; فتأمل[242]
.
اللّهم إلاّ أن يقال : إنّ العامة حيث كانوا يجوّزون الطلاق مع التعليق فيمكن أن
يكون الحصر فيها ناظراً إلى هذا القول منهم كغيره من أقوالهم . ومال الشهيد الثاني
إلى صحة التعليق ، محتجّاً بعمومات الطلاق وبوقوعه في الظهار ونحوه ممّا ثبت في
الأدلّة مؤيداً له بأنّ في تعليقه حكمة لاتحصل في المنجّز ، فإنّ المرأة قد تخالف
الرجل في بعض مقاصده ، فتفعل ما يكرهه ، وتمتنع ممّا يرغب فيه ، ويكره الرجل طلاقها
من حيث أنّه أبغض المباحات إلى الله تعالى شأنه ، ومن حيث أنّه يرجو موافقتها ،
فيحتاج إلى تعليق الطلاق بفعل ما يكرهه أو ترك ما يريده ، فإمّا أن تمتنع وتفعل
فيحصل غرضه ، أو تخالف فتكون هي المختارة للطلاق[243] ، وبما في الجواهر
من الخبر العامّي عن عبدالرحمن بن عوف قال : «دعتني اُمّي إلى قريب لها فراودتني في
المهر ، فقلت : إن نكحتها فهي طالق ، ثم سألت النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقال
: انكحها . فقال : لا طلاق قبل النكاح»[244] .
أقول : استدلاله بالعمومات المراد منها الإطلاقات صحيح وادّعاء الانصراف كما في
الحدائق غير وجيه لكن شبهة دلالة الروايات الحاصرة والموثقة على خلافه وكذا عدم
الخلاف المدّعى وعدم نقل الخلاف حتى من مثل «ابن أبي عقيل» كلّ هذه تمنع عن الأخذ
بها وعن اسراء الحكم من مثل الظهار إلى الطلاق ، وأمّا الحكمة المذكورة فضعف
التأييد بمثلها ممّا لايخفى على مذهب الإمامية ، والجواب بنفي الطلاق قبل النكاح
وعدم الجواب ببطلان التعليق كما يمكن أن يكون لما ذكره(رحمه الله) يمكن أن يكون من
جهة أولوية التعليل بمثل الذاتي عن التعليل بمثل العرضي وإن كان هو أيضاً موجباً
للبطلان فالحق أنّ التعليق هنا أيضاً مخلّ بالصحة .
ثم لايخفى أنّ مقتضى الاستدلال للتنجيز بمثل عدم امكان تأخر المسبب عن السبب عدم
البطلان فيما كان التعليق على شرط في الحال دون الاستقبال ، بلا فرق بين الاُمور
الدخيلة في الطلاق وغيرها ، وبين ما كان معلوم الحصول أو مشكوكه بل الدخيلة خارجة
أيضاً عن الاستدلال بالدخالة في الجعل وبالمخالفة للكتاب والسنّة كما لايخفى ومن
ذلك كله يعلم أنّ غيره هو القدر المتيقن من الاجماع وعدم الخلاف واكتفى في المتن
بالأول احتياطاً لأهميّة الطلاق .
( مسألة 7 ـ لو كرّر صيغة الطلاق ثلاثاً وقال : «هي طالق ، هي طالق ، هي طالق»
من دون تخلل رجعة في البين قاصداً تعدّده تقع واحدة ولغت الاُخريان ولو قال : «هي
طالق ثلاثاً» لم يقع الثلاث قطعاً ، والأقوى وقوع واحدة كالصورة السابقة) .
اجماعاً ، ويدلّ عليه معتبرة إسحاق بن عمار ، إن لم تكن صحيحة[245]
فقد روى الشيخ(رحمه الله( عن محمد بن أحمد بن يحيى ، عن الحسن بن موسى الخشاب ، عن
غياث بن كلوب بن فيهس البجلي ، عن اسحاق بن عمار الصيرفي ، عن جعفر ، عن أبيه ، أنّ
عليّاً)عليه السلام) كان يقول : «إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في
كلمة واحدة فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولاتحلّ له حتّى تنكح زوجاً
غيره ، وإن قال : هي طالق ، هي طالق ، هي طالق ، فقد بانت منه بالاُولى ، وهو خاطب
من الخطّاب إن شاءت نكحته نكاحاً جديداً وإن شاءت لم تفعل»[246] .
وهذا لا كلام فيه إذا كان بلا رجوع بينهما وإلاّ يأتي البحث فيه ، وإنّما الكلام
في قوله «هي طالق ثلاثاً» مرسلة ، في مجلس واحد فإنّه محل خلاف عندنا . وأمّا
العامّة فهم متفقون على وقوع الثلاث مطلقاً مفصّلا كان أو مرسلا .
فهنا مقامان ; أحدهما الطلاق مفصّلة أي مكرّرة من دون الرجوع بينها وثانيهما
مرسلة . أمّا الأول فلا خلاف في صحة الواحدة منها دون الثلاثة ، ويدل عليه رواية
إسحاق بن عمار الصيرفي كما مرّ وأمّا الثاني فعن المرتضى في الانتصار ـ وإن ذكر في
الجواهر انّه لم يتحققه ـ وابني عقيل وحمزة وسلاّر ويحيى بن سعيد ، البطلان من رأس
والمشهور بين الأصحاب عن المرتضى في الناصريات ما يشعر بالاجماع عليه وكذا ما عن
الخلاف بل المحكي عن العلاّمة في نهج الحقّ ذلك صريحاً انّه يقع طلقة واحدة بقوله
هي طالق ويلغو الثلاث التالي له وليس محل البحث ما اُريد من الصيغة ثلاثاً بل محلّه
هو أنّ الصيغة استعملت في معناها ولكن اُريد انّه ثلاث مرّات مثل ما اُريد من تقييد
«لا إله إلاّ الله» بمثل عدد الليالي والدهور في الدعاء .
ومنشأ الخلاف في القضية هو اختلاف الروايات وإلاّ فالبطلان من رأس ممّا لا إشكال
فيه ولا كلام ظاهراً حتى من العامّة حيث إنّه لم يعلم بعدُ كونه من الأغلاط أو
المجاز حتى يقع البحث عن صحة الصيغة بذلك النحو من المجاز وكيف كان فمورد البحث هو
تعدّد الدال والمدلول بمعنى استعمال لفظ الطلاق في معناه واستعمال التالي أي ثلاثاً
في معناه أيضاً فإنّه المناسب مع التفريع على الشرط الثالث في مثل القواعد وهو عدم
تعقّب الصيغة بما يبطلها ومع عنوانه في مقابل اعتبار الصراحة أو اعتبار الدلالة ولو
بالمجاز والكناية دون وحدة المدلول وتعدّد الدال كما هو ظاهر . والحكم في هذه
المسألة والخروج من الروايات مشكل جدّاً ولابدّ إلاّ من الاستعانة بالله وذلك
للاختلاف في الاستنباط من مثل صاحبي الرياض والجواهر ، فالسيّد يرى دلالة الاخبار
على المشهور والجواهر ذهب إلى دلالتها على غير المشهور ، ولكلٍّ منهما شأن ومقام
خاصّ من الفقاهة والكتابة في الفقه ، فترجيح قول أحدهما على الآخر صعب ومحتاج إلى
إمعان النظر والدقة والإحاطة بأخبار الباب أكثر من غالب المسائل ، ولما في الأخبار
من الدلالة على شدّه التقية بحيث يصرّح أبوعبدالله(عليه السلام(على ما رواه محمد بن
سعيد «سعد السندي خ . ل» الاُموي باختلافه(عليه السلام)وأبيه(عليه السلام) في الحكم
، فعنه قال : سألت اباعبدالله)عليه السلام) «عن رجل طلّق ثلاثاً في مقعد واحد ، قال
: فقال : أمّا أنا فأراه قد لزمه ، وأمّا أبي فكان يرى ذلك واحدة»[247]
.
والرواية بحيث يبيّن الامام(عليه السلام( أيضاً الحكم مع الابهام ، والاختلاف
بالقول بالأقوال الثلاثة كما يظهر ممّا رواه أبو أيوب الخزّاز فعنه ، عن أبي
عبدالله)عليه السلام) قال : «كنت عنده فجاء رجل فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً
قال : بانت منه ، قال : فذهب ثم جاء رجل آخر من أصحابنا فقال : رجل طلّق امرأته
ثلاثاً فقال : تطليقة ، وجاء آخر فقال : رجل طلّق امرأته ثلاثاً فقال : ليس بشيء ،
ثم نظر إليّ فقال : هو ما ترى ، قال : قلت : كيف هذا ؟
قال : هذا يرى أنّ من طلّق امرأته ثلاثاً حرمت عليه ، وأنا أرى أنّ من طلّق
امرأته ثلاثاً على السنّة فقد بانت منه ، ورجل طلّق امرأته ثلاثاً وهي على طهر
فانّما هي واحدة ، ورجل طلّق امرأته ثلاثاً على غير طهر فليس بشيء»[248]
.
ونحوه خبري موسى بن أشيم فعنه قال : دخلت على أبي عبدالله(عليه السلام)فسألته
«عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس فقال : ليس بشيء ، فأنا في مجلسي إذ دخل عليه
رجل فسأله عن رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس فقال : تردّ الثلاث إلى واحدة فقد
وقعت واحدة ولايردّ ما فوق الثلاث إلى الثلاث ولا إلى الواحد ، فنحن كذلك إذ جاءه
«رجل خ» آخر فقال له : ما تقول في رجل طلّق امرأته ثلاثاً في مجلس ؟ فقال إذا طلّق
الرجل امرأته ثلاثاً بانت منه فلم تحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره . فأظلم عليّ البيت
وتحيّرت من جوابه في مجلس واحد بثلاثة أجوبة مختلفة في مسألة واحدة ، فقال : يا ابن
أشيم أشككت ؟ ودّ الشيطان أنك شككت ، إذا طلّق الرجل امرأته على غير طهر ولغير عدّة
كما قال الله عزّوجلّ ثلاثاً أو واحدة فليس طلاقه بطلاق ، وإذا طلّق الرجل امرأته
ثلاثاً وهي على طهر من غير جماع بشاهدين عدلين فقد وقعت واحدة وبطلت الثنتان
ولايردّ ما فوق الواحدة إلى الثلاث ، ولا إلى الواحدة ، وإذا طلّق الرجل امرأته
ثلاثاً على العدّة ـ كما أمر الله عزوجل ـ فقد بانت منه ، ولاتحلّ له حتى تنكح
زوجاً غيره فلا تشكّنّ يا ابن أشيم ، ففي كلّ ـ والله ـ من ذلك الحق»[249]
.
ونحوه خبره الآخر مع اختصار واختلاف يسير[250] .
ولما فيها من بيان الحكم على قاعدة الإلزام في بعض المواضع دون الحكم الواقعي .
ففي رواية محمد بن سعيد قال(عليه السلام) «أمّا أنا فأراه قد لزمه» . ولما فيها من
الاختلاف في الردّ إلى الكتاب والسنّة في المسألة في أنّ البطلان من رأس مخالف له
أو صحة الواحدة وبطلان الزائد كما يظهر ذلك في بيان الأخبار فانتظر . وللاشكال في
أنّ قوله «طلّق ثلاثاً» الموجود في الروايات هل الظاهر منه الطلاق الثلاث المفصلة
أو الأعم منها ومن المرسلة ولو من جهة ترك الاستفصال ؟
فالمسألة من هذه الجهات العديدة مشكلة جدّاً وقبل الورود في الروايات نقول : إن
مقتضى القاعدة هي صحة الواحدة وبطلان البقية لتمامية الأركان من وجود المقتضي وعدم
المانع فإنّ كلمة «ثلاثاً» غاية الأمر فيها اللغوية وليس الباب باب العبارة
المركبّة حتى يكون الزائد موجباً للبطلان نعم لغويته موجبة لبطلانها وعدم الجدوى
فيه كما لايخفى .
نعم ، لقائل أن يقول : إنّ مقتضى الروايات الحاصرة هو البطلان وقد مرّ أنّ الحصر
إضافي .
وأمّا أخبار الباب فهي على طوائف ثلاث :
الطائفة الاُولى : ما يكون كالنصّ بل بعضها نصّ في الاختصاص بمورد البحث وهي
أربعة :
أحدها : ما رواه في الكافي عن الحسين بن محمد ، عن معلّى بن محمد ، عن محمد بن
علي ، عن سماعة بن مهران ، عن الكلبي النسابة وهو الحسن بن علوان ، عن الصادق(عليه
السلام( في حديث قال قلت له : «رجل قال لامرأته : أنت طالق عدد نجوم السماء فقال :
ويحك أما تقرأ سورة الطلاق ؟ قلت : بلى ، قال : فاقرأ فقرأت )فطلّقوهنّ لعدّتهنّ
وأحصوا العدّة) فقال : أترى هاهنا نجوم السماء ؟ قلت : لا ، فقلت : فرجل قال
لامرأته : أنت طالق ثلاثاً فقال : تردّ إلى كتاب الله وسنّة نبيه ، ثم قال : لا
طلاق إلاّ على طهر من غير جماع بشاهدين مقبولين»[251] .
والرواية غير خالية من الاجمال بالنسبة إلى حكم المسألة حيث لم يبيّنه صريحاً بل
اكتفى في البيان بالرد إلى الكتاب والسنّة وروايات الردّ إليهما في الباب على
طائفتين ، إحديهما دالة على البطلان بالأسر وثانيتهما على بطلان الأخيرين فقط ،
إلاّ أن يقال : في صدرها شهادة على البطلان من رأس حيث إنّ ردّه(عليه السلام)
الطلاق بعدد نجوم السماء إلى الكتاب ظاهر في انّه لمّا لم يكن الطلاق كذلك في
القرآن فليس بمشروع ويكون باطلا ، فمثله الطلاق ثلاثاً المردود إليه أيضاً لعدم
الطلاق كذلك في الكتاب ، فهو أيضاً باطل كعدد نجوم السماء .
هذا مع ما في ذيل الرواية من الاشعار على البطلان أيضاً لما فيها الاشارة من حيث
الوقوع ثلاثاً في غير طهر والردّ إلى الكتاب والبطلان لهذه الجهة ظاهر ويشهد على
ذلك صحيحة الحلبي عن أبي عبدالله(عليه السلام( قال : «من طلّق امرأته ثلاثاً في
مجلس وهي حائض فليس بشيء وقد ردّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)طلاق ابن عمر
إذ طلّق امرأته ثلاثاً وهي حائض فأبطل رسول الله)صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك
الطلاق ، وقال : كلّ شيء خالف كتاب الله والسنّة ردّ إلى كتاب الله وقال : لا طلاق
إلاّ في عدّة»[252] . وإلاّ فقوله(عليه السلام)«لا طلاق إلاّ في عدّة»
لايصير مرتبطاً بمورد السؤال ويكون لطفاً محضاً وهـوغير قريب .
ثانيها : ما عن إسحاق بن عمّار الصيرفي ، عن جعفر ، عن أبيه أنّ عليّاً(عليه
السلام)كان يقول : «إذا طلّق الرجل المرأة قبل أن يدخل بها ثلاثاً في كلمة واحدة
فقد بانت منه ولا ميراث بينهما ولا رجعة ولاتحلّ له حتى تنكح زوجاً غيره ، وإن قال
: هي طالق ، هي طالق ، هي طالق فقد بانت منه بالاُولى ، وهو خاطب من الخطّاب إن
شاءت نكحته نكاحاً جديداً ، وإن شاءت لم تفعل»[253] . وصدرها المربوط
بما نحن فيه شاذ لاتفاق الأصحاب على خلافه فانّهم بين قائل ببطلان الثلاث المرسلة
من رأس وبين قائل بصحة الواحدة دون الثلاثة ولا قائل بصحة الثلاثة والاحتياج إلى
المحلّل ، نعم هو مذهب العامّة فيكون من باب التقية .
ثالثها : ما عن علي بن إسماعيل قال : كتب عبدالله بن محمد إلى أبي الحسن(عليه
السلام( : «روى أصحابنا عن أبي عبدالله(عليه السلام) في الرجل يطلّق امرأته ثلاثاً
بكلمة واحدة على طهر بغير جماع بشاهدين أنّه يلزمه تطليقة واحدة ، فوقّع بخطّه :
أخطأ على أبي عبدالله)عليه السلام) أ نّه لايلزم الطلاق ويردّ إلى الكتاب والسنّة
إن شاء الله»[254] . دلالته على البطلان من رأس الذي هو خلاف المشهور
واضحة .
رابعها : ما عن هارون بن خارجة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام( قال : قلت : «إنّي
ابتليت فطلّقت أهلي ثلاثاً في دفعة ، فسألت أصحابنا فقالوا : ليس بشيء ، وإنّ
المرأة قالت : لا أرضى حتى تسأل أباعبدالله)عليه السلام) فقال : ارجع إلى أهلك فليس
عليك شيء»[255] . والظاهر من قوله «فليس عليك شيء» وأمره بالرجوع إلى
أهله ، البطلان من رأس .
إلاّ أن يقال : دلالته على صحة الواحدة منها غير بعيدة والشاهد عليه الأمر
بالرجوع ونفي الشيء عنه فإنّ الرجوع في أخبار الطلاق إن لم يكن ظاهراً في الرجوع
عنه فلا أقلّ من انصرافه إليه كما أنّ نفي الشيء لعلّه إشارة إلى عدم الحرمة من جهة
عدم الاحتياج إلى المحلّل فإنّ الرجوع مع الاحتياج إليه محرّم .
ولايخفى أنّ مكاتبة عبدالله بن محمد هي أوضح دلالة في الأربعة المذكورة .
الطائفة الثانية الدالة على وقوع الطلاق الواحد في الطلاق ثلاثاً من دون تقييد
بالإرسال أو التفصيل وهي مستفيضة كثيرة :
منها : صحيحة أبي بصير ومحمد بن علي الحلبي وعمر بن حنظلة جميعاً ، عن أبي
عبدالله(عليه السلام) قال : «الطلاق ثلاثاً في غير عدّة إن كانت على طهر فواحدة ،
وإن لم تكن على طهر فليس بشيء»[256] . وقوله(عليه السلام) «في غير عدّة»
أي إذا لم يكن للعدّة بأن يرجع في العدّة ويجامع .
ومنها : صحيحة زرارة عن احدهما(عليهما السلام) قال : « سألته عن رجل طلق امرأته
ثلاثاً في مجلس واحد وهي طاهر ؟ قال : هي واحدة»[257] .
ومنها : صحيحته الاُخرى عن أحدهما(عليهما السلام) ، قال : «سألته عن الذي يطلّق
في حال طهر في مجلس ثلاثاً ، قال : هي واحدة»[258] .
ومنها : صحيحة شهاب بن عبد ربّه ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) في حديث قال :
قلت : «فطلّقها ثلاثاً في مقعد . قال : تردّ إلى السنّة فإذا مضت ثلاثة أشهر أو
ثلاثة قروء فقد بانت منه بواحدة»[259] .
ومنها : خبر عمرو بن البراء قال : قلت لأبي عبدالله(عليه السلام) : «إنّ أصحابنا
يقولون : إنّ الرجل إذا طلّق امرأته مرّة أو مائة مرّة فإنّما هي واحدة وقد كان
يبلغنا عنك وعن آبائك أنّهم كانوا يقولون : إذا طلّق مرّة أو مائة مرّة فإنما هي
واحدة ، فقال : هو كما بلغكم»[260] إلى غيرها من الروايات فراجع إن شئت[261]
.
الطائفة الثالثة : ما يدل على البطلان جميعاً وموردها مورد الطائفة الثانية فلا
فرق بينهما مورداً وإنما الفرق في الحكم فهذه دالّة على خلاف المشهور وتلك دالة على
المشهور .
منها : صحيحة أبي بصير ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «من طلّق ثلاثاً في
مجلس فليس بشيء ، من خالف كتاب الله عزّوجلّ ردّ إلى كتاب الله عزّوجلّ . وذكر طلاق
ابن عمر»[262] .
اللهم إلاّ أن يقال من المحتمل أن يكون المراد من قوله «فليس بشيء» نفي شيئيّة
الثلاثة لا شيئية أصل الطلاق ، وعليه فلا دلالة للصحيحة على البطلان من رأس بل دالة
على صحة الواحدة وبطلان الزيادة فالشيئية المنفيّة محتملة الأمرين ; أصل الطلاق
ووقوعه ثلاثاً ، ومع الاحتمال لايتمّ الاستدلال وذكر طلاق ابن عمر أيضاً ليس شاهداً
على البطلان من رأس وان الطلاق كذلك كان في حال الحيض فإنّ روايات طلاقه أيضاً على
نحوين فبعضها دالّة على الصحة وآخر على البطلان فالرواية غير خالية عن الإجمال
فتأمل[263] .
ومنها : خبر الحسن بن زياد الصيقل قال : قال أبو عبدالله(عليه السلام) : «لاتشهد
لمن طلّق ثلاثاً في مجلس واحد»[264] . وهذا لايدلّ على أكثر من الحرمة
حيث إنّ نهيه(عليه السلام)عن تحمّل الشهادة أو عن أدائها لا دلالة فيه على أزيد من
الحرمة وهي إنّما تكون ناشئة من أنّ الشهادة على الطلاق ثلاثاً شهادة على أمر مبدع
محرّم وأمّا أنّ ذلك المبدع باطل من رأس أو بالنسبة إلى الأزيد من واحد فلا دلالة
للخبر عليه كما لايخفى .
وبالجملة الحديث ناظر إلى الحكم التكليفي للشهادة على المورد لا الحكم الوضعي
للمورد ، فاعلم واغتنم .
ومنها : خبر عمر بن حنظلة ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إياكم
والمطلّقات ثلاثاً في مجلس واحد فانّهنّ ذوات أزواج»[265] .
ومنها : خبر حفص بن البختري ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إياكم
والمطلّقات ثلاثاً فانّهنّ ذوات أزواج»[266] . ودلالة الخبرين على
البطلان من رأس من حيث التعليل بأنّهنّ ذوات أزواج واضح فإنّه شامل لما قبل العدّة
وبعدها وذات الزوجية بعد العدّة ملازمة للبطلان من رأس .
هذا إذا كان المطلّق شيعياً وإلاّ فهو إمّا شاذّ لمخالفته لقاعدة الالزام وإمّا
يكون محمولا على استحباب ترك الزواج بهنّ ، فتأمّل . وممّا يبعّد كونه من الشيعة
استبعاد وقوعه ثلاثاً من جانب رجل شيعيّ ، وشهادة ما عن جعفر بن سماعة أنّه سئل عن
امرأة طلّقت على غير السنّة ألي أن أتزوجها ؟ فقال : نعم . فقلت له : ألست تعلم أنّ
علي بن حنظلة روى : «اياكم والمطلّقات ثلاثاً على غير السنّة فانّهن ذوات أزواج ؟»
فقال : يابنيّ رواية ابن أبي حمزة أوسع على الناس ، روى عن أبي الحسن(عليه السلام)
انّه قال : «ألزموهم من ذلك ما ألزموه أنفسهم وتزوّجوهنّ فلا بأس بذلك»[267]
.
ولايخفى أنّ هذه الروايات على تقدير تمامية الدلالة فالتعارض بينها والطائفة
الاُولى من جانب وبين الطائفة الثانية من جانب آخر واضح وكلتاهما مخالفتان للعامة
فلا ترجيح لأحدهما على الآخر من هذه الجهة كما لا ترجيح من جهة موافقة الكتاب أيضاً
لسكوتها في هذه الجهة ، وما في أخبار الباب من بيان الموافقة والمخالفة فليس حجة
على الترجيح لأ نّه المورد للتعارض فلا تغفل ، مع ما بينهما من التعارض في نفس ذلك
الأمر أيضاً . فإن اُخذ الشهرة مرجّحة فهو وإلاّ فيستقرّ التعارض وتؤخذ الثانية
لأنها أكثر رواية وأوضح سنداً وأظهر دلالة فلها مزية على غيرها وكل مزية موجبة
للترجيح وإن كانت غير منصوصة كما حققناه في الاُصول ، فتحصّل مما ذكر أنّ الترجيح
للثانية إمّا بالشهرة وإمّا بغيرها من المزايا الغير المنصوصة .
هذا كلّه بناءً على كون المراد من الطلاق ثلاثاً المورد للطائفتين الأخيرتين
الثلاث المرسلة وأمّا إن قلنا بكون المراد منه المفصّلة وانّه الظاهر والمتبادر منه
فإنّ القول بانّه سبّح عشراً غير صادق إلاّ مع التسبيح عشر مرّات مفصّلة دونه مرسلة
فإنّه وإن لم يحصل الفرق في التعارض والترجيح أيضاً إلاّ أنّهما خارجتان عن محلّ
البحث وتبقى الطائفة الاُولى بلا معارض . كما انّه على القول بشمولهما لكتا
الصورتين فالتعارض بين الطائفة الاُولى والثانية على نحو العموم والخصوص مطلقاً ،
فهي تتقيد بالاُولى والنتيجة هي البطلان من رأس ، وبهذا الوجه على تسليم العمومية
في الثانية ثانياً وبظهورها في الاختصاص بالمفصلة أوّلا جعل صاحب الجواهـر غير
المشهور أقوى وأرجح بحسب النصوص[268] ، فمقتضى القاعدة على هذا ظاهر ولا
كلام فيه ولكن الكلام هو في امكان الاستناد والتخصيص والتقييد ، مع انّه ليس في
أخبارها ما يكون تامّة الدلالة إلاّ المكاتبة هنا ، فعلينا أن نرجع مرة اُخرى إلى
روايات الطائفة الاُولى .
ونقول : أمّا ما عن الكلبي النسّابة[269] فهي قاصرة الدلالة على
البطلان فإنّ الإمام(عليه السلام) إن كان مراده بيان البطلان وأنّ مورد الثاني
كالأوّل فكان ينبغي أن يجيب بمثل سابقه لا أن يغيّر الجواب . هذا مع احتمال البطلان
من جهة فقد بعض الشرائط حيث إنّه يشير إلى الطلاق ثلاثاً في حال الحيض بنقل طلاق
ابن عمر . وإن أبيت عن ذلك وقلت إنّ روايات طلاق ابن عمر على نحوين كما مرّ فيأتي
الاحتمال والاجمال .
وأمّا موثقة إسحاق بن عمّار الصيرفي[270] فهي شاذة مخالفة للاجماع .
وأمّا المكاتبة[271] فدلالتها جيدة وما حكاه في الرياض عن بعض
الأجلّة من حمل الطلاق في قوله «لايلزمه الطلاق» على الثلاث لا الواحدة وتأييده ذلك
الحمل بما فيه من الردّ إلى الكتاب بملاحظة ما قدّمه من تفسيره الردّ إلى الواحدة
فغير تام للمخالفة للظاهر جدّاً واعترف(رحمه الله) بذلك أيضاً ، فراجع[272]
.
ورواية هارون بن خارجة[273] ، في دلالتها إشكال كما مرّ ، فلم يبق ما
يصلح للتقييد إلاّ مكاتبة عبدالرحمن بن محمد ، وتقييد تلك الروايات الكثيرة بهذه
المكاتبة وإن كان موافقاً للصناعة ولكنه مشكل بل ممنوع ، مضافاً إلى أنّ فيها نسبة
السهو إلى الأصحاب وهذا أمر بعيد ; فهذه كلها توجب الشك في حجّيتها وفي عدم
قابليتها للتقييد ، فما هو المشهور لاسيّما بين المتأخرين هو المنصور .