القول في عدّة الوفاة
( مسألة 1 ـ عدة المتوفى عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام اذا كانت حائلا ،
صغيرة كانت أو كبيرة ، يائسة كانت أو غيرها ، مدخولا بها كانت أم لا ، دائمة كانت
أو منقطعة ، من ذوات الأقراء كانت أو لا) .
اجماعاً منّا ومن غيرنا في مدّتها ، ويدلّ عليه الكتاب والسنّة :
أمّا الكتاب وهو الاصل في ذلك ، قوله تعالى : (والّذين يتوفّون منكم ويذرون
أزواجاً يتربّصن بأنفسهنّ أربعة أشهر وعشراً فاذا بلغن أجلهنّ فلاجناح عليكم فيما
فعلن في أنفسهنّ بالمعروف واللّه بما تعملون خبير)[584] . وهـي ناسخة
لقوله تعالى : (والّذين يتوفّون منكم ويذرون أزواجاً وصيّةً لازواجهم متاعاً إلى
الحول غير اخراج فإن خرجن فلا جناح عليكم في ما فعلن في انفسهنّ من معروف والله
عزيز حكيم)[585] إن كان مربوطاً بعدّة الوفاة وذلك اجماعاً وسنّة من
الفريقين ولكنّ الارتباط بها غير معلوم ، فلعلّه كان متوجّهاً إلى ما في الجاهلية
من لزوم بقائها في البيت وأخذها النفقة ، مضافاً إلى عدم مساعدة الذيل له فإنّه
الدال على جواز خروجها في الحول من جهة نفيه الحرج على المكلفين في خروجهنّ في وسط
الحول وفعلهنّ المعروف في انفسهنّ بالزينة وهذا مناف للعدّة حيث إنّ ترك الزينة
والحداد لمّا يكون واجباً فعليهم الحرج في الامر بالمعروف والنهي عن المنكر ولذلك
نفى الحرج في الآية الاولى مشروط بتمامية العدّة وبلوغهنّ اجلهنّ وإلاّ كانت العادة
في الجاهلية لزوم ترك الزينة حولا كاملا مع أنهنّ كنّ لايحترمن ازواجهنّ ، هذا مع أ
نّه على الارتباط ففيها الاشارة إلى صيرورته منسوخاً .
أمّا العشر فالمتفق بين علماء الاسلام أنّ المراد منه عشرة ايام ، ويدل عليه بعض
اخبارنا ، نعم عن الاوزاعي أنّ المراد هو الليل واستدل بأنّ التذكير في العشر يدل
على أنّ المعدود مؤنث وهو الليلة ، وفيه أوّلا : أ نّه مخالف لفهم العرف ، لغلبة
اليوم في مثل ذلك ، وثانياً : يجوز الامران مع عدم ذكر المعدود كما قيل ، وثالثاً :
عموم القاعدة ممنوع ، ورابعاً : هو معارض لقول العلماء .
وأمّا السنّة فمستفيضة بل متواترة ، وهي على طوائف :
منها : ما ورد في بيان العدّة ، ومنها : ما ورد في بيان لوازم العدّة كترك
الزينة ، ومنها : ما ورد في فروع المسألة كغير المدخول بها والمتمتّع بها والدليل
على تفاصيل المتن مضافاً إلى التفصيل بكون الزوج صغيراً ام كبيراً ، ذميّة كانت
الزوجة ام مسلمة ، اطلاق الكتاب والسنّة ، مع مافي بعض الاخبار من العموم والتصريح
ببعضها ففي صحيحة زرارة ، قال : سألت أباجعفر(عليه السلام)«ما عدّة المتعة اذا مات
عنها الّذي تمتّع بها ؟ قال : أربعة أشهر وعشراً ، قال : ثم قال : يا زرارة ! كلّ
النكاح اذا مات الزوج فعلى المرأة حرّة كانت أو أمة وعلى اىّ وجه كان النكاح منه
متعة أو تزويجاً او ملك يمين فالعدّة أربعة أشهر وعشراً ، وعدّة المطلقة ثلاثة أشهر
والأمة المطلّقة عليها نصف ما على الحرّة ، وكذلك المتعة عليها مثل ما على الأمة»[586]
.
نعم حكي عن المفيد وغيره في المتعة أنّ عدّتها خمسة وستّون يوماً ، واستدلّ له
بوجهين :
احدهما : أنّ المتمتع بها كانت في حياة الزوج كالأمة فكذلك في ممات الزوج .
ثانيهما : مرسلة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : سألته «عن رجل
تزوّج امرأة متعة ثم مات عنها ما عدّتها ؟ قال : خمسة وستّون يوماً»[587]
.
وفي الاوّل ما لايخفى ، والمرسلة مع ضعف سندها بعلّي بن حسن فإنّه جعّال وضّاع
معارضة بروايات كثيرة ، منها : ما مرّ في الصحيح عن زرارة آنفاً
ومنها : ما عن عبدالرحمن بن الحجّاج ، قال : سألت أباعبدالله(عليه السلام) «عن
المرأة يتزوّجها الرجل متعة ثمّ يتوفّى عنها زوجها ، هل عليها العدّة فقال : تعتدّ
أربعة أشهر وعشراً فاذا انقضت أيامها وهو حىّ فحيضة ونصف مثل ما يجب على الأمة قال
: قلت : فتحدّ ؟ قال : فقال : نعم اذا مكثت عنده ايّاماً فعليها العدّة وتحدّ واذا
كانت عنده يوماً أو يومين أو ساعة من النهار فقد وجبت العدّة كملا ولاتحدّ»[588]
.
وأمّا صحيحة علي بن يقطين فهي شاذة معرض عنها ، فقد روى عن أبي الحسن(عليه
السلام) قال : «عدّة المرأة اذا تمتّع بها فمات عنها خمسة وأربعون يوماً»[589]
. مع أ نّها كالمرسلة في المعارضة بالاخبار الكثيرة المرجحّة عليها من وجوه .
وأمّا غيرالمدخول بها فيدل على لزوم عدّة الوفاة فيها مضافاً إلى الاجماع واطلاق
الكتاب ، روايات ; منها : ما عن محمد بن مسلم ، عن احدهما(عليهما السلام) «في الرجل
يموت وتحته امرأة لم يدخل بها ، قال : لها نصف المهر ولها الميراث كاملا وعليها
العدّة كاملة»[590] .
ومنها : مـا رواه عبدالله بـن سنان ، عـن أبـي عبد الله(عليه السلام( قال :
«قضـى أميرالمؤمنين)عليه السلام) في المتوفّى عنها زوجها ولم يمسّها قال : لاتنكح
حتّى تعتدّ أربعة أشهر وعشراً عدّة المتوفّى عنها زوجها»[591] .
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) قال : «إن لم يكن دخل بها
وقد فرض لها مهراً فلها نصف ما فرض لها ولها الميراث وعليها العدّة»[592]
.
نعم يعارضها اخبار ; منها : خبر محمد بن عمر الساباطي ، قال : سألت الرضا(عليه
السلام)«عن رجل تزوّج امرأة فطلّقها قبل أن يدخل بها ، قال : لا عدّة عليها» ،
وسألته «عن المتوفّى عنها زوجها من قبل أن يدخل بها ، قال : لا عدّة عليها هما
سواء»[593] .
ومنها : صحيحة عبيد بن زرارة ، قال : سألت أباعبدالله(عليه السلام) «عن رجل طلّق
امرأته من قبل أن يدخل بها أعليها عدّة ؟ قال : لا ، قلت له : المتوفى عنها زوجها
قبل أن يدخل بها أعليها عدّة ؟ قال : أمسك عن هذا»[594] .
ونحوه ما عنه ايضاً ، عن أبي عبدالله(عليه السلام) «في المتوفّى عنها زوجها ولم
يدخل بها : إن كان سمّى لها مهراً فلها نصفه وهي ترثه ، وإن لم يكن سمّى لها مهراً
فلا مهر لها وهي ترثه ، قلت : والعدّة ؟ قال : كفّ عن هذا»[595] .
و لايخفى أنّ التعارض للاخيرتين ممنوع لعدمه موضوعاً فإنّ السكوت وعدم البيان
غير معارض للبيان والكلام كما لايخفى . نعم الاولى معارضة إلاّ انّه مضافاً إلى ضعف
سندها بالجهل في محمد بن عمر ، قد اعرض عنها الاصحاب ، وهي مخالفة لظاهر الكتاب .
هذا مضافاً إلى احتمال الانكار بالاستفهام من جهة أنّ نفي العدّة في الطلاق
موافق لحكمة الاستبراء بخلاف الوفاة فإنّ العدّة للتوجع واظهار المصيبة فانكر
الامام على السائل التساوي بينهما في العدم ، مع أنّ في نفس الخبر سُقماً وهو شبهة
القياس ، ومافي الحدائق من احتمال التقية مبنىّ على كون الامر بالسكوت من باب الخوف
من نفس الافتاء إمّا على نفسه وإمّا على السائل لئلاّ يعرف انّه يستفتي وإلاّ
فالعامّة ايضاً متّفقون على العدّة .
( وإن كانت حاملا فابعد الأجلين من وضع الحمل والمدّة المزبورة) .
ويدل عليه روايات كثيرة[596] فهي مخصّصة لآية العدّة في الوفاة
(والّذين يتوفّون منكم ويذرون ازواجاً يتربّصن بانفسهن اربعة أشهر وعشراً)[597]
، نعم ذهب العامة إلى انقضاء العدّة بوضع الحمل لعموم آية (واولات الاحمال اجلهنّ
أن يضعن حملهنّ)[598]
وفيه : أنّ في سياق الآيات والتعبير بالأجل لشهادة للاختصاص بالطلاق ولو سلّم
العمومية فبينها وبين آية الوفاة عموم من وجه فتتعارضان ومورد التعارض والاجتماع
الحامل المتوفى عنها زوجها فيؤخذ بالاظهر دلالة وهو آية الوفاة لوجود احتمال
الاختصاص بالطلاق المذكور في تلك الآية دون آية الوفاة فإنّها نصّ فيها . هذا
مضافاً إلى أ نّه مع عدم الاظهرية فلابدّ من العمل بالتكليفين فإنّ الاصل عدم
التداخل فيجب الجمع بين الحكمين والاعتداد بكليهما ، ومنه يظهر ضعف استدلال بعض
الامامية بالآيتين على لزوم الاعتداد بابعد الأجلين .
نعم يمكن تقريب الاستدلال بأنّ عدّة الوفاة هي اكثر من عدّة الطلاق وعليها في
الوفاة تكاليف ليست فيه فيعلم أ نّها اقوى من عدّته فيلزم رعاية الأبعد لكنه اعتبار
لايزيد امراً .
( مسألة 2 ـ المراد بالأشهر هي الهلالية ، فإن مات عند رؤية الهلال اعتدّت
بأربعة أشهر وضمّت اليها من الخامس عشرة ايام ، وإن مات في أثناء الشهر فالأظهر
أنّها تجعل ثلاثة أشهر هلاليات في الوسط وأكملت الأوّل بمقدار ما مضى منه من الشهر
الخامس حتى تصير مع التلفيق أربعة أشهر وعشرة أيّام) .