قد مرّ الكلام فيها ومنشأ الاحتياط العمل بالروايات المختلفة .
( مسألة 4 ـ لو طلّقت ذات الأقراء قبل بلوغ سنّ اليأس ورأت الدم مرة او مرتين ثم
يئست أكملت العدة بشهرين أو شهر ، وكذلك ذات الشهور اذا اعتدّت شهراً أو شهرين ثم
يئست أتمت ثلاثة) .
اعلم أنّ في المسألة جهتين من البحث ; من ناحية القواعد ومن جهة الرواية الخاصة
. أمّا الاولى فمقتضى القواعد هو عدم العدّة فيها ، وذلك لأنّ الروايات الدالة على
لزوم العدّة منصرفة إلى من تتمكن العدّة بل ظاهرة فيها لأ نّه المنسبق منها إلى
الذهن ، ومقتضى الاصل ايضاً البرائة منها ، ومع عدم العدّة لها من رأس لامحلّ
لقاعدة الميسور كما هو ظاهر ، ومنه انقدح ضعف ما في المسالك حيث إنّ المستفاد منه
الاستدلال على العدّة بالاستصحاب وذلك لعدم اليقين السابق واعتدادها جهلاً مربوط
بمقام الاثبات لا الثبوت ، نعم ما اورده الجواهر عليه باختلاف الموضوع وتعدّده فغير
وارد ، لما قلنا غير مرّة تبعاً لسيّدنا الاستاذ (سلام الله عليه) إنّ المستصحب في
امثال المورد ليس كليّاً بل شخصي وجزئي وهو واحد .
وأمّا الثانية فمقتضاها لزوم اتمام العدّة كما في المتن ، والرواية واحدة وهي
خبر هارون بن حمزة ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) «في امرأة طلّقت وقد طعنت في
السنّ فحاضت حيضة واحدة ثمّ ارتفع حيضها ، فقال : تعتدّ بالحيضة وشهرين مستقبلين
فإنّها قد يئست من المحيض»[492] . والدلالة تامّة والسند لاكلام فيه
لوثاقة الكل إلاّ يزيد بن اسحاق فلم يوثّق في كلام الشيخ والنجاشي لكن في توثيق
العلاّمة والشهيد الثاني كفاية لاسيّما مع أنّ الثاني قائل بلزوم البيّنة في
الوثاقة ، هذا مضافاً إلى ورود المدح فيه ، وإلى عمل الاصحاب بها فلا اقلّ من كونها
حسنة ومعتبرة إن لم تكن صحيحة ومورد الرواية وإن كانت ذات الاقراء لكنّ ذات الشهور
ملحقة بها فحوىً والغاءً بل وعلّة حيث إنّ اليأس شامل عرفاً لليأس عن الحيض بالفعل
وهي ذات الاقراء او بالقوّة وهى ذات الشهور كما لايخفى . وبذلك يظهر ايضاً حكم فروع
المسألة ممّا هو مذكور في المتن وغيره .
( مسألة 5 ـ المطلقة ومن ألحقت بها ان كانت حاملا فعدّتها مدّة حملها ، وتنقضي
بأن تضع ولو بعد الطلاق بلافصل) .
وعليه الاجماع بقسميه بل ضرورة الفقه ، والاصل في ذلك ، الكتاب والسنّة . أمّا
الكتاب فقوله تعالى (واولات الاحمال اجلهنّ أن يضعن حملهنّ) كما مرّ .
وأمّا السنة فهي كثيرة يأتى في اثناء البحث بعضها[493] . فلا اشكال
ولا خلاف في أنّ العدّة بالوضع في الجملة وإنّما الخلاف والاشكال في انّه العدّة
مطلقاً وإن بلغ إلى ما دون سنة او انّه عدّة فيما كان اقرب الأجلين منه ومن مضيّ
الاقراء او الأشهر ؟ المشهور هو الأوّل وعن الصدوق وابن حمزة هو الثاني بل يظهر من
السيّد وابن ادريس وجود مخالف غيرهما ايضاً وإن كنّا لم نتحققه .
والحق هو الاول لظاهرالمقابلة الموجودة في الكتاب في آية واحدة (واللاّئي يئسن
من المحيض من نسائكم ان ارتبتم فعدّتهنّ ثلاثة أشهر واللاّئي لم يحضن واولات
الاحمال أجلهنّ أن يضعن حملهنّ)[494] وفي الطائفتين من الروايات في عدة
الحبلى وعدة المطلقة . فمن الاولى صحيحة زرارة عن ابي جعفر(عليه السلام) قال :
«طلاق الحامل واحدة ، فاذا وضعت ما في بطنها فقد بانت منه»[495] .
ومن الثانية صحيحة داودبن سرحان عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «عدّة
المطلّقة ثلاثة قروء أو ثلاثة أشهر إن لم تكن تحيض»[496] .
والتعدّد غير مضرّ بفهم العرف ، بل في قوله تعالى (ولايحلّ لهنّ أن يكتمن ما خلق
الله في ارحامهن)[497] بعد الحكم بالتربّص ثلاثة قروء اشعار بذلك
فتدبّر .
هذا وتدلّ على الثاني اخبار ; منها : صحيحة ابي بصير قال : قال ابوعبدالله(عليه
السلام) : «طلاق الحامل الحبلى واحدة وأجلها أن تضع حملها وهو أقرب الاجلين»[498]
.
ومنها : صحيحة الحلبي ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «طلاق الحبلى واحدة
وأجلها أن تضع حملها وهو اقرب الأجلين»[499] .
ومنها : خبر ابي الصباح ، عن ابي عبدالله(عليه السلام) قال : «طلاق الحامل واحدةوعدّتها اقرب الأجلين»[500] .
وفي الحدائق : إنّ السيّد السند في شرح النافع استدلّ لهذا القول برواية الصباح
ثم ردّها بضعف السند لاشتماله على محمد بن الفضيل وهو مشترك واعترض عليه بورود
صحيحتين اخريين بذلك . وفيه أنّ من البعيد عدم اطّلاع السيّد السند على الصحيحتين
بعد ما كانتا في الكافي والتهذيب ، بل لعلّه كان الوجه في عدم التعرّض لهما احتمال
ارادة أنّ وضع الحمل اقرب العدّتين امكاناً باعتبار امكان حصوله بعد الطلاق بلحظة
والجملة صفة وبيان لخصوصية ثابتة في الوضع ; فالواو استينافية ، فالوضع له هذه
الخصوصية الامكانية دون الثلاثة كما هو واضح فإنّها ابعد الاجلين دائماً ومع
الاحتمال لايصحّ الاستدلال ، وخبر ابي الصباح لابدّ من كون المراد من الجملة
والأقربية فيه اقربية فعلية ممكنة الثبوت لكلّ من الوضع والثلاثة ولا موصوف حتى
تكون الجملة صفة ومحمولة على القوّة والامكان ، فالاستدلال به تامّ ; فالدليل على
قول الصدوق منحصر في الخبر وهو غير قابل للاعتماد لما ذكره السيّد(رحمه الله) من
الضعف في السند والصحيحتان تدلاّن على القول المشهور كما عرفت .
وبما ذكرناه كلّه إلى هنا ظهر ضعف قول الصدوق لكنّه في الجواهر مع ذلك كلّه
تقوية قوله وأنّ الانصاف عدم خلوّ قوله من قوّة ودونك عبارته ; قال :
هذا ولكنّ الانصاف عدم خلوّ قوله من قوّة ، ضرورة كونه مقتضى الجمع بين الادلّة
كتاباً وسنّة ، اذ منها ما دلّ على اعتداد المطلّقة بالثلاثة ، ومنها مادلّ على
اعتداد الحامل مطلّقة كانت أو غيرها بالوضع ، فيكون أيّهما سبق يحصل به الاعتداد ،
نحوما سمعته في الثلاثة أشهر والاقراء ، بعد القطع بعدم احتمال كون كلّ منهما عدّة
في الطلاق كي يتوجه الاعتداد حينئذ بأبعدهما . وأمّا الصحيحان فالمراد منهما
الاعتداد بالوضع حال كونه أقرب الأجلين ، فالجملة حالية ، فيوافقان الخبر الاوّل بل
جعلها مستأنفة لا حاصل له ، ضرورة كون الموجود في الخارج منه كلاًّ من الأقرب
والأبعد ، إذ كما يمكن الوضع بعد لحظة يمكن تأخّره تسعة ، بل يمكن القطع بفساد
ارادة ذلك منهما ، وكانّ هذا هو الّذي دعا المتأخرين إلى الاطناب بفساد قول
الصدوق(رحمه الله) وانّه في غاية الضعف ، إلاّ أنّ الانصاف خلافه ، بل ان كان منشأ
الشهرة هذا التوهم الفاسد من الصحيحين كان قولهم بمكانة من الضعف ، ضرورة عدم
المعارض إلاّ اطلاقات لاتصلح مقابلة للتصريح المصرّح به في المعتبر من النصوص
المتعدّدة ، فتأمل جيداً»[501]
وفيه أوّلاً أنّ الاخبار الواردة في العدّة ، من العدّة للحامل او لذات الاقراء
والأشهر كلّها في المطلّقة بلا فرق بينهما في ذلك اصلاً كما يظهر للمراجع اليها
وإنّي على عجب من قوله(رحمه الله( «منها مادلّ على اعتداد الحامل مطلّقة كانت او
غيرها بالوضع» فتأمّل . واحتمال ارادته العمومية في الكتاب فقط ففيه مضافاً إلى أنّ
الظاهر منه المطّلقة هي المرويّة عن ائمّتنا(عليهم السلام) ايضاً ، ففي مرسلة فضل
بن الحسن الطبرسي في قوله تعالى (واولات الأحمال اجلهنّ أن يضعن حملهنّ) قال : هي
في المطلّقات خاصّة وهو المرويّ عن ائمتنا)عليهم السلام)[502] .
وثانيـاً ، أنّ الظاهر من الكتاب والسنّة المقابلة الدالّة على كون كل منهما
عدّة خاصّة لطائفة من المطلّقات لا أ نّهما عدّة لجميع المطلّقات فأ يّهما سبق يحصل
به الاعتداد .
وثالثاً ، أنّ الجملة وإن سلّمنا ظهورها في الحالية ولكن الأقربية بالاضافة إلى
الاقراء التي هي الاصل في العدّة لاالشهور التي هي عدّة بدليّة وعليه فإن قلنا أنّ
الحامل حصول العدّة لها ممكن فالاقربية غالبية والاستدلال غير تمام ايضاً حيث إنّ
من المحتمل كون التقييد للاستيناس والتثبيت في ذهن المخاطب بأنّ العدّة بما هو
الغالب والمفهوم في القيد منوط باحراز الدخالة والقيدية فمع احتمال التثبيت وأنّ
الحكم للغائب دائماً لا مفهوم له والجملة صفة وبيان لخصوصية ثابتة في الوضع ،
فالواو استينافية ، والا فهي دائمية وعدم الدلالة عليها على قول الصدوق واضحة .
نعم ما ذكره(رحمه الله) من أنّ الجملة حاليّة والمراد من الصحيحين الاعتداد
بالوضع حال كونه اقرب الأجلين لا الاستينافية والوصفية بالخاصة الثابتة ففي محلّه ،
قضاءً لظهور الالفاظ في الفعلية وما ذكره من عدم الحاصل فانّما هو بالنسبة إلى
الفعلية لا الامكانية كما لايخفى ، وعلى ذلك فالعمدة في عدم الاستدلال بهما اعراض
الاصحاب والمخالفة لظاهر المقابلة في الكتاب والسنّة ، بل ولظاهرهما من حيث الدلالة
على أنّ الوضع عدّة فإنّه على الصحيحين ليس الوضع عدّة بل العدّة اقرب الاجلين كما
هو صريح خبر ابي الصباح ، فتأمّل حتى تقضي بأنّ الانصاف هو انصاف الجواهر بالنسبة
إلى دلالة الروايتين وضعف قولهم إن كان منشأ الشهرة حمل الجملة على غير الحالية .
لايقال : لعلّ قيد الاقربية لرفع الاستعجاب من قلّة العدّة حيث إنّها تحصل
بالحمل ولو ساعة بعد الطلاق والعجب في كونه عدّة مع الاقليّة من الثلاثة فالتقييد
ناظر إلى رفع ذلك الاستعجاب من جهة القلّة وليس ناظراً إلى جهة الكثرة فلا دلالة في
الاحاديث إلاّ على قول الصدوق(رحمه الله( ويؤيدّه التأكيد في خبر اسماعيل بذكر كلمة
«قد» و«الفاء» و«الماضي» ، وبحصول البينونة وان وضعت من ساعتها وما رواه زرارة عن
أبي جعفر)عليه السلام)قال : «إذا طلقّت المرأة وهي حامل فأجلها أن تضع حملها وإن
وضعت من ساعتها[503] .
لأ نّا نقول : إنّه لاوجه للاستعجاب لافتوىً ولا اعتباراً ; أمّا الاولى فلقيام
اجماع الفقهاء عامة وخاصة على كون عدّة الحبلى هي وضع الحمل ، وأمّا الثانية فلأنّ
الحكمة استبراء الرحم وأىّ استبراء اكمل من الوضع ، والتأييد بالخبرين ففيه أ نّهما
ناظران إلى ما عن بعض العامّة من أنّ العدّة بالوضع والطهارة من النفاس فالتأكيد
ناظر إلى بطلان ذلك الرأي .
وما حكي عن الصدوق وابن حمزة من التفصيل بأنّ العدّة تتمّ بالوضع من حيث رجوع
الزوج دون الزوجة فلا يجوز لها التزوّج إلاّ بعد ثلاثه أشهر ، تفصيل بلا دليل .