ماذا يقول المفيد:
توطئة و بداية:
هناك من يحاول اثارة الشك بكل ما جرى على الزهراء عليهاالسلام، باستثناء التهديد باحراق البيت و غصب فدك.و حتى هذا التهديد، فانه يحاول أن يخفف من وقعه، و يجعله صوريا بدعواه: «أن الذين جاء بهم الخليفة الثانى ليهاجموا الزهراء عليهاالسلام، كانت قلوبهم مملوءة بحبها فكيف نتصور ان يهجموا عليها».
هذا بالاضافة الى ان قوله: «ان الناس كانوا يحترمونها و يجلونها، و لن يكون من السهل القيام بأى عمل ضدها».
يعنى: ان يصبح التهديد شكليا، ثم يضيف قوله: ان رأس المهاجمين قد استثنى الزهراء عليهاالسلام، و أخرجها عن دائرة التهديد، حيث فسر كلمة: «و ان» فى جواب من قال: ان فيها فاطمة، قائلا: «ان المراد بقوله «و ان»: لا شغل لنا فاطمة، انما جئنا لاعتقال على».
ثم استشهد لذلك كله بما تقدم فى الفصل السابق، و بما سنذكره فى هذا الفصل و ما يأتى بعده.
والذى نريد أن نلم به فى فصلنا هذا هو ما رأى أنه يؤيده من أقوال بعض أساطين المذهب، و رواد العلم، حيث استشهد بكلام ثلاثة من هؤلاء و هم:
1- الامام الشيخ المفيد قدس الله نفسه الزكية.
2- آيةالله الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء رحمه الله.
3- آيةالله السيد عبدالحسين شرف الدين طاب ثراه.
فنحن نورد أولا كلام المفيد (قدس سره)، ثم نوضح انه لا ينفعه فيما يريد اثباته، و ذلك فيما يلى من مطالب.
الاستناد الى أقوال العلماء:
قلنا: ان البعض يستشهد لتأييد تشكيكاته فيما جرى على الزهراء عليهاالسلام، من بلايا و مصائب بأقوال ينسبها الى بعض كبار العلماء، كالمفيد، و كاشف الغطاء، و شرف الدين.فنقول:
ان البعض قد يعتذر عن مخالفاته الكثيرة فى أمور الدين لما عليه عامة جهابذة العلم و أساطينه، بأن فلانا العالم يقول بهذا القول، و أن فلانا العالم الآخر يقول بذلك القول.. و هكذا..
و قد لا يقتصر فى اعتذاره هذا على امور الفقه بل يتعداها الى
العقائد، و التاريخ، و التفسير، و غير ذلك، و قد يحتاج أحيانا، قبل أن يجهر ببعض قناعاته الى أن يمهد لها بما يبعدها عن الاستهجان و الاستغراب بأنواع التمهيدات؛ فيسرب رأيه أولا عن طريق بعض المقربين له، ثم يعلن فى مناسبات متوالية أنه لا يرال يدرس الموضوع، و يلمح فى الوقت نفسه الى فرص انتاج الرأى المطلوب بطريقة أو بأخرى. و حين لا يجد أحدا من الفقهاء يوافقه على ما يقول، فانه يلجاء الى اعتبار الاحتياط الوجوبى بنقيض قوله اشارة بل اتجاها نحو موافقته بالفتوى فى المستقبل. فالقول بأن الاحوط هو حرمة حلق اللحية مثلا، يعتبره خطوة على طريق القول بالحلية، و يصلح للاستشهاد به لها.
ثم انك قد تجده يقول: ان فلانا العالم و الفقيه المعروف لدى عامة الناس، هو أول من قال بكذا، فاذا راجعت الكتب و الموسوعات الفقيهية، تجد أن الامر ليس كذلك، بل قد سبق هذا الفقيه الى هذا القول كثيرون آخرون.
فقد يقال لك مثلا فى العديد من المرات و المناسبات أن المرجع الدينى الكبير السيد محسن الحكيم رحمه الله هو أول من أفتى بطهارة الكتابى، مخالفا بذلك الاجماع، و القصد من هذا القول هو تبرير مخالفات الاجماع التى تصدر من قبل من يهمه أمثال هذه التبريرات، مع ان ابن أبى عقيل، و ابن الجنيد، و الشيخ المفيد فى أحد قوليه، و ربما نسب الى الشيخ الطوسى ايضا القول بذلك- و جميع هؤلاء من كبار قدماء فقهاء الامامية-، و قد أفتوا بطهارة الكتابى قبل السيد الحكيم رحمه الله.
و مثال آخر نذكره هنا، و هو أن البعض حين يسأل عن السبب
فى تحليله اللعب بآلات القمار نجده يبادر الى الاستشهاد بالسيد الامام الخمينى (ره) على انه قد خالف الاجماع حين حلل اللعب بالشطرنج و هو من آلات القمار..
مع أن السيد الامام لم يحلل الشطرنج الذى هو من آلات القمار، بل قال رحمه الله: «ان الشطرنج ان كان قد خرج عن كونه من آلات القمار، جاز اللعب به». و هذه قضية تعليقية شرطية، و صدق الشرطية لا يستلزم صدق طرفيها.
على ان من الواضحات كون الافتاء بالجواز معلقا على شرط، لا يعنى المخالفة لمن أفتى بالحرمة بدون ذلك الشرط.
و حين تجتمع لدى البعض نوادر من الفتاوى، على نحو ملفت للنظر، نجده يبرر ذلك بأن فلانا العالم قد قال بهذه الفتوى، و قال فلان العالم الآخر بتلك، و هكذا.
ولكننا لا ندرى لماذا يكون الحق فى ذلك كله مع هؤلاء فى خصوص المسائل التى شذوا فيها مما وافقهم عليه، ولكنهم يخطئون فى فتاواهم و المشهور يخطى ء معهم، فى غير ذلك من فتاوى تخالفه، فضلا عن خطأهم فيما شذوا فيه عن المشهور، و لم يوافقهم هذا البعض أيضا عليه؟!
على ان اجتماع فتاوى شاذة كثيرة لدى شخص واحد، قد يؤدى الى أن يصبح هذا الشخص خارج دائرة المذهب الفقهى الذى ينتمون اليه..
و ان كان لا يخلو فقيه من الموافقة فى بعض فتاواه لبعض الفتاوى الشاذة اليسيرة جدا، والتى لا تضر، و لا تخرجه عن النهج
العام للمذهب الذى ينتمى اليه.
و بعد هذه المقدمة، ندخل الى الموضوع الذى هو محط نظرنا، فنقول:
الاجماع على المظلومية:
هناك من يقول: بأن ثمة اجماعا على أن الزهراء عليهاالسلام قد ظلمت، و ضربت، بل و أسقط جنينها، لكن البعض حاول التشكيك فى اجماع كهذا، و لم يقنعه ما جاء فى تلخيص الشافى، من نص شيخ الطائفة الشيخ الطوسى على أنه لا خلاف بين الشيعة، فى أن فاطمة عليهاالسلام قد تعرضت للضرب، و اسقاط الجنين.و لم يقنعه ايضا، رواية ذلك بكثرة ظاهرة فى مصنفات شيعة أهل البيت (ع)، و لا ورود ذلك أيضا بصورة مستفيضة من طرق غيرهم.
بل ان روايت الشيعة عن المعصومين، فضلا عن غيرهم، حول مظلوميتها عليهاالسلام من الكثرة و التنوع بحيث يمكن القول بتواترها.
و نحن نذكر هنا كلام الشيخ الطوسى، و العلامة كاشف الغطاء حول هذا الامر، ثم نعقب بمناقشة ما قاله هذا البعض حول ذلك.
فنقول:
1- قال شيخ الطائفة الامام الشيخ محمد بن الحسن الطوسى المتوفى سنة 460 ه. و هو تلميذ الشيخ المفيد، و الشريف المرتضى:
«و مما أنكر عليه: ضربهم لفاطمة عليهاالسلام. و قد روى أنهم ضربوها بالسياط.
و المشهور الذى لا خلاف فيه بين الشيعة: أن عمر ضرب على بطنها حتى اسقطت، فسمى السقط «محسنا»، و الرواية بذلك مشهورة عندهم. و ما أرادوا من احراق البيت عليها، حين التجأ اليها قوم، و امتنعوا من بيعته.
تلخيص الشافى: ج 3 ص 156.