هل عرف قبر الزهراء:
و يلاحظ: أن الائمة عليهم السلام لم يتصدوا لتعريف شيعتهم موضع قبرها عليهاالسلام، كما كان الحال بالنسبة لأميرالمؤمنين الذى أظهر الامام الصادق قبره كما هو معلوم، و كذا الحال بالنسبة لسائر الائمة حيث عرفوا شيعتهم بمواضع قبورهم، باستثناء الزهراء عليهاالسلام، بل ان شيعد أهل البيت ايضا، الذين حضروا تشييع الجنازة و الدفن، مثل عمار و أبى ذر، و سلمان، و العباس، و عقيل، و غيرهم لم يدلوا أحدا على قبرها، وفاء لها، و حبا بها، و هذا ابن أبى قريعة المتوفى سنة 367 ه يقول:و لأى حال لحدت | بالليل فاطمة الشريفة و لما حمت شيخيكم- عن وطى ء حجرتها المنيفة |
أوه لبنت محمد | ماتت بغصتها أسيفة كشف الغمة للاربلى ج 2 ص 131. |
و قال السيد محسن الامين رحمه الله:
و لأى حال فى الدجى دفنت | و لأى حال الحدت سرا |
دفنت و لم يحضر جنازتها | أحد و لا عرفوا لها قبرا المجالس السنية ج 5 ص 120. |
و مما تقدم تعرف ان دعوى هذه البعض: أن قبر الزهراء عليهاالسلام قد عرف الآن، هى دعوى لا وجه لها، و يا ليته يدلنا على هذا القبر الذى عرف الآن، و يبين لنا ما استند اليه من أدلة قطعت له كل عذر، و دحضت كل شبهة، و سوف نكون له من الشاكرين.
و نحن على يقين من أنه غير قادر على ذلك.
جرأة الجاحظ:
و ما أبعد ما بين هذا الرجل الذى يختار خصوص الحديث الذى ظهرت فيه لمحات التحوير، والتزوير، بادعاء رضى الزهراء عليهاالسلام عن الذين جاؤا لاسترضائها، رغم تكذيب كل الشواهد الواقعية و التاريخية و الحديثية له، و بين ذلك الرجل الآخر المعروف بانحرافه عن على، ثم باهتمامه بنقض فضائله عليه السلام، و تأييد مناوئيه، و هو الكاتب و الاديب الذائع الصيت، عمرو بن بحرالجاحظ.. الذى يقول فى رسالته المعروفة ب«العباسية»- حسبما نقله عنه الشيخ الطوسى رحمه الله:
«فلما منعها ميراثها و بخسها حقها، واعتدى عليها، و جنح فى أمرها، و عاينت الهضم و أيست من النزوع و وجدت مس الضعف و قلة الناصر، قالت: والله لأدعون الله عليك.
قال: والله لأدعون الله لك.
قالت: والله لا أكلمك أبدا.
قال: والله لا أهجرك أبدا.
فان يكن ترك النكير منهم على أبى بكر دليلا على صواب منعها، ان فى ترك النكير على فاطمة عليهاالسلام دليلا على صواب طلبها. و أدنى ما كان يجب عليهم فى ذلك: تعريفها ما جهلت، و تذكيرها ما نسيت، و صرفها عن الخطأ، و رفع قدرها عن البذاء و أن تقول هجرا أو تجور عادلا و تقطع واصلا. فاذا لم تجدهم انكروا على الخصمين جميعا، فقد تكافأت الامور و استوت الاسباب، و الرجوع الى أصل حكم الله فى المواريث أولى بنا و بكم و أوجب علينا و عليكم.
ثم قال:
فان قالوا: فكيف يظن بأبى بكر ظلمها و التعدى عليها و كلما ازدادت فاطمة عليهاالسلام عليه غلظة ازداد لها لينا ورقة، حيث تقول: «والله لا أكلمك أبدا».
فيقول: «والله لا أهجرك أبدا».
ثم تقول: «والله لأدعون الله عليك».
فيقول: «والله لأدعون الله لك»
راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلى: ج 16 ص 214، و تلخيص الشافى: ج 3 ص 152 و غير ذلك.