على متمرد لا بد من اخضاعه:
يطرح البعض مقولة مفادها:1- ان المجتمعين فى بيت الزهراء (ع)، و هم على (ع) و بنوهاشم هم معارضة للحكم، فطبيعة الامور تقتضى: أنه اذا اجتمعت المعارضة ليتمردوا على الخلافة، أن يبادر الحكام لمواجهتهم، و اخضاعهم، فمجيئهم انما كان لاعتقال على (ع) كى تنتهى المعارضة.
2- ان غرض المهاجمين هو اعتقال على (ع)، و أما فاطمة (ع) فلا شغل لهم بها؛ لأن هناك رأى عام موجود، فقول عمر «و ان»، جوابا لمن قال له: ان فيها فاطمة، يكون طبيعيا، و معناه: ما لنا شغل بفاطمة، نحن نريد القضاء على المعارضة باعتقال على، فان كانت الزهراء موجودة فنحن لا نقصدها بشى ء، و قصدنا هو اعتقال على فقط.
و الجواب:
أولا: اننا نستغرب جدا وصف على عليه السلام بأنه «متمرد»!! و كذا وصفه و من معه من بنى هاشم و غيرهم بأنهم «معارضة»!! و متى استقر للغاصبين حكم، و استقام لهم سلطان، حتى يوصف الآخرون بأنهم معارضة؟! فان الاعتداء على بيت الزهراء (ع) قد كان فور عودة أبى بكر من سقيفة بنى ساعدة الى المسجد، حيث جلس على منبر النبى (ص) للبيعة، و بدأ الهجوم فى هذا الوقت بالذات، و حتى بعد تمكنهم من الامساك بأزمة الامور، فهل يحسن أو يصح وصف صاحب الحق الشرعى، و الذى يباشر المعتدون الاعتداء عليه؛ بهدف ابتزاز حقه و منصبه الذى وضعه الله تعالى فيه، و التغلب عليه بالقوة
و القهر، و الحيلة و الدهاء، و بالوسائل غير المشروعة، هل يصح وصفه بأنه «معارضة»؟! و بأنه متمرد؟! و لا بد من اخضاعه؟
هل كل ذلك ليكون الغاصب المعتدى هو «الشرعية»؟!.
و ثانيا: لو صح ذلك كله، فهل يصبح معنى قول عمر: لتخرجن أو لأحرقن البيت بمن فيه، فقالوا له: ان فيها فاطمة، فقال: و ان..
هل يصبح معناه: اننا لا شغل لنا بفاطمة، نحن نريد اعتقال على؟!
و هل يعنى ذلك: أنهم سوف ينقذون فاطمة من الاحتراق بالنار، و يوجهون النار نحو على دون سواه؟! و بذا تكون فاطمة محترمة و مبجلة عند المهاجمين، و قد حفظوا فيها والدها رسول الله (ص)؟!.
ثالثا: هل يعنى وجود الرأى العام: أنه سوف يمنعهم من احراق فاطمة؟!
و اذا كان الرأى العام يسمح باحراق على (ع)، فلماذا لا يسمح باحراق فاطمة (ع) والحسنين (ع) معه؟! و هم مناصروه، و معاضدوه، و اذا كانت أقوال النبى (ص) فى حق الزهراء (ع) تمنعهم، فلماذا لم تمنعهم أقواله (ص) فى حق على (ع)؟! و أى رأى عام ذاك الذى يسمح باعتقال على (ع) و الاعتداء عليه؟
و اذا كان هناك رأى عام موجود، فلماذا لم يمنع من قول بعضهم لرسول الله (ص): ان النبى ليهجر؟!
و لماذا لم يعاقب القائل؟! أو على الاقل لماذا لم يبادر الى تأنيبه،
و ملامته؟! بل لم نجد ما يدل على أنهم عبسوا فى وجهه. و هو اقل ما كان يفترض فيهم فى تلك الحال، الا اذا كان هذا البعض يريد ان ينكر حتى صدور ذلك من هذا الرجل بحق النبى الاعظم صلى الله عليه و آله و سلم!!
ثم لماذا لم يمنع الرأى العام من ضرب الزهراء (ع)، و اسقاط جنينها بعد ذلك؟؟!
و لماذا لم يمنع الرأى العام من قتل الامام الحسين (ع)، و من معه من نجوم الارض من بنى عبدالمطلب، و من خيرة المؤمنين و المخلصين؟! ثم سبى بنات رسول الله (ص) و ذريته، و الطواف بهن فى البلاد، و العباد على رؤوس الاشهاد؟!.
و لماذا؟؟ و لماذا؟؟..
رابعا: من الواضح: أن كلمة «و ان» وصلية، يعاد ما قبلها الى ما بعدها، أى و ان كان فى البيت فاطمة، فانى سأحرق البيت بمن فيه.. و ليس معنى هذه الكلمة: «لا شغل لنا بفاطمة نحن جئنا لنعتقل عليا» على حد تعبير هذا القائل، فان هذا المعنى لا تساعد عليه أى من قواعد اللغة العربية، و ليس له أى وجه مقبول فى علوم البلاغة أو غيرها..
و أما كلمة (بمن فيه)؛ فان كلمة «من» التى يراد بها العقلاء، تؤكد على انه سيحرق البيت و يحرق جميع من فيه من الناس، و فيهم فاطمة والحسنان و على عليهم سلام الله.
و لو سلمنا صحة هذا التفسير؛ فاذا كان لا شغل لهم بفاطمة، فهل لا شغل لهم أيضا بمن فيه من بنى هاشم، و الزبير، و العباس، الذين
يقول هذا البعض: انهم كانوا موجودين أيضا؟!.
فهل كلمة (بمن فيه) قد وضعت فى اللغة العربية لخصوص على عليه السلام، و خرج الحسنان عليهماالسلام، و فضة و الزبير، و الهاشميون و فاطمة و العباس و... و... و...
أضف الى ذلك: أنه لو كان ليس له شغل بفاطمة، فلماذا لم يطلب منها مغادرة البيت الذى يجاء بالحطب ليحرقه بمن فيه؟! بل هو عوضا عن ذلك قال فى جواب: ان فيها فاطمة: «و ان».
طلب المسامحة يدل على مكانة الزهراء:
و يتساءل البعض، فيقول:أل يدل طلب الشيخين، أبى بكر و عمر- المسامحة من الزهراء (ع)، على أن الزهراء عليهاالسلام كانت تحتفظ بقيمتها فى المجتع المسلم بين كبار الصحابة؟.
الجواب:
أولا: ان طلب المسامحة نفسه هذا يدل على أنهم قد آذوها، و أغضبوها، الى درجة احتاجوا الى طلب المسامحة منها و لو ظاهرا.
و ثانيا: لا شك فى أن الزهراء (ع) كانت تحتفظ بقيمتها فى المجتمع المسلم، و هذا ما اضطر الذين آذوها و اعتدوا عليها الى محاولة امتصاص النقمة، و ازالة الآثار و النظرة السلبية التى نشأت و ستنشأ تجاههم بسبب ما فعلوه و ما ارتكبوه فى حقها (ع).
و ثالثا: انهم حين استرضوها لم يقدموا أى شى ء يدل على أنهم
كانوا جديين فى ذلك الاسترضاء، بل ان كل الدلائل تشير الى انهم قد أقدموا على ذلك من أجل الاعلام و للاعلام فقط، فهم لم يرجعوا اليها فدكا، و لم يتخذوا خطوات عملية لازالة آثار اعتدائهم الآثم عليها، و لا تراجعوا عن تصميمهم الأكيد على اغتصاب حق على عليه السلام، و كذلك هم لم يعترفوا بأى خطأ أمام الصحابة بصورة علنية، حيث ارتكبوا ما ارتكبوه بصورة علنية أيضا.
و رابعا: ان «احتفاظها بقيمتها» لم يمنعهم من الاعتداء عليها بالضرب و بغيره، كما أن أباها قد كان أعظم فى نفوس الناس منها، و أقدس. و لم تمنعهم عظمته و قداسته، و قيمته- حين اقتضت طموحاتهم و مصالحهم- من توجيه أقسى قواذع القول له (ص)، حينما تصدى بعضهم لمنعه (ص) من كتابه الكتاب بالوصية لعلى عليه السلام و كان (ص) على فراش المرض، فى ما عرف برزية يوم الخميس! و قال قائلهم: ان النبى ليهجر! أو: غلبه الوجع!
الايضاح: ص 359 و تذكرة الخواص: ص 62 و سر العالمين: 21، و صحيح البخارى: ج 3 ص 60 و ج 4 ص 5 و 173 و ج 1 ص 21 و 22 و ج 2، ص 115، و المصنف للصنعانى: ج 6، ص 57 و ج 10، ص 361 و راجع ج 5 ص 438 و الارشاد للمفيد: ص 107 ط النجف، و البحار: ج 22، ص 498. و راجع: الغيبة للنعمانى: ص 81 و 82 و عمدة القارى: ج 14، ص 298 و ج 2 ص 170 و 171 و ج 25 ص 76 و فتح البارى: ج 8 ص 100 و 101 و 102 و 186 و 187 و البداية و النهاية: ج 5، ص 227 و 251 و البدء و التاريخ: ج 5 ص 59 و الملل و النحل: ج 3، ص 192- 193 ط- الاستقامة، و الكامل فى التاريخ: ج 2، ص 320، و أنساب الاشراف: ج 1، ص 562، و شرح النهج للمعتزلى: ج 6، ص 51، و ج 2 ص 55، و تاريخ الخميس: ج 2، ص 164 و 182 و صحيح مسلم: ج ص 75، و مسند أحمد: ج 1 ص 355 و 324 و 222 و 325 و 332 و 336 و 362 و 346 و السيرة الحلبية: ج 3، ص 344، و نهج الحق: ص 273، و العبر و ديوان المبتدأ و الخبر: ج 2 ص 62 و اثبات الهداة: ج 2 ص 344 و 348 و 399 و ج 1 ص 657 و الجامع الصحيح للترمذى: ج 3 ص 55 و نهاية الارب: 18 ص 375، و روضة المناظر لابن شحنة: ج 7 ص 808 (مطبوع هامش الكامل فى التاريخ).. و راجع: حق اليقين: ج 1 ص 181 و 182، و دلائل الصدق: ج 3 قسم 1، ص 63 و 70، و الصراط المستقيم: ج 3 ص 3 و 7 و المراجعات: 353 و النص و الاجتهاد: ص 149 و 163. و المختصر فى أخبار البشر: ج 1 ص 151 و مجموع الغرائب للكفعمى: ص 289 و منهاج السنة ج 3 ص 135 و مناقب آل أبى طالب ج 1 ص 292 و تاريخ الاسلام ج 2 ص 383 و 384 و كشف المحجة ص 64 ط سنة 1370 ه. ط الحيدرية النجف، و الطرائف ص 432 و 433، و راجع التراتيب الادارية: ج 2 ص 241 و كنز العمال ط الهند سنة 1381 ه. ج 7 ص 170 و دلائل النبوة للبيهقى ج 7 ص 181/ 184، و مسند أبى يعلى: ج 5 ص 393 و ج 3 ص 393 و 394 و ج 4 ص 299 و مجمع الزوائد: ج 4 ص 214.