من نتائج ما تقدم:
و نستخلص مما نقدم نتائج كثيرة، نذكر منها هنا ما يلى:1- قد ظهر مما تقدم من حلال عرض ما ضربه الله مثلا: أن البيئة و المحيط ليس هو الذى يصنع شخصية الانسان، و ان كان ربما يؤثر فيها احيانا، اذا فقدت الرقابة الواعية، حيث يستسلم الانسان للخضوع و الخنوع.
فلا مجال اذن لقول هذا البعض: ان شخصية الزهراء عليهاالسلام، هى من نتاج المحيط و البيئة التى عاشتها، و لن نقبل أن يقال: انها عليهاالسلام لو عاشت فى محيط آخر- فاسد مثلا- لكانت قد عاشت واقع محيطها الفاسد ايضا.
2- ان مواجهة مريم لضغوطات محيط الانحراف، فى أشد الامور حساسية و أهمية بالنسبة اليها، و هى لا تملك أى وسيلة مألوفة للدفاع عن نفسها، سوى هذا الايمان الصافى، و الثقة الكبيرة بالله تعالى.
ثم تحرك آسية بنت مزاحم فى عمق و كر الانحراف و الشرك، و فى صميم محيطه، و بيئته، لمواجهة أعتى القوى، و أكثرها استجماعا لوسائل القهر، و الاغراء، و التحدى، و أشدها بغيا، و ظلما، و استكبارا..
ان هذا و ذاك يدل على أنه لا مجال لتبرير الانحراف بضغوطات المحيط، و البيئة، أو السلطة، أو الخضوع لارادة الزوج، و ما الى ذلك.
3- قد ظهر مما تقدم: أن للمرأة كما للرجل، قوة حقيقية، و قدرة على التحكم بالقرار النهائى فى أية قضية ترتبط بها، و أنها فى مستوى الخطاب الالهى، و تستطيع ان تصل الى أرقى الدرجات التى تؤهلها لأسمى المقامات، فى نطاق الكرامة و الرعاية الالهية.
4- ان الاندفاع نحو احقاق الحق، و اقامة شرائع الله، و العمل بأحكامه، و التزام طريق الهدى و الخير أمر موافق للفطرة و العقل دون ريب، و ان الانحراف عن ذلك ما هو الا تخلف عن مقتضيات الفطرة، و استخفاف بأحكام العقل، و تفريط بمعانى الانسانية و السداد و الرشاد.
الزهراء و الغيب:
الجوانب الغيبية فى حياة الزهراء:
هناك من يقول: انه لا حاجة لنا فيما يفيض فيه التاريخ فى مسألة زواج الزهراء عليهاالسلام، و الجوانب الغيبية فى ذلك الزواج، فيما احتفلت به السماء، و غير ذلك مما يتعلق بهذا الأمر، كما أنه يتحفظ على الحديث الذى يقول بوجود عناصر غيبية أو خصوصيات غير عادية فى شخصية الزهراء عليهاالسلام، و ماذا ينفع أو يضر- على حد تعبيره- أن نعرف أو نجهل: أن الزهراء (ع) نور أو ليست بنور؟ فان هذا علم ينفع من علمه و لا يضر من جهله.و يضيف على هذا قوله: و لا نجد ان هناك خصوصية غير الظروف التى كفلت لها النمو الروحى و العقلى، و الالتزام العملى، بالمستوى الذى تتوازن فيه عناصر الشخصية بشكل طبيعى فى مسألة النمو الذاتى، و لا نستطيع اطلاق الحديث المسؤول القائل بوجود عناصر غيبية مميزة تخرجها عن مستوى المرأة العادى، لأن ذلك لا يخضع لأى اثبات قطعى.
و نقول:
اننا بالنسبة لضرورة الثقافة الغيبية نسجل ما يلى:
اولا: ان اثارة الامور بهذه الطريقة، التى يخشى أن تسبب باثارة صراع داخلى، من حيث أنها ترمى الى التشكيك بضرورة الثقافة الدينية الغيبية و ذلك غير مقبول و لا معقول؛ لأن ذلك من بديهيات الدين و العقيدة، و لا شك أن ابعاد جانب مهم جدا من قضايا الدين و الايمان عن دائرة الاهتمام، بطريقة التسويف أو التسخيف، أو التقليل من أهميته، يعتبر تقويضا لركن مهم من أركان الدين، و هو ارباك حقيقى للفكر الاسلامى الرائد، و هو يستبطن وضع علامات استفهام على الكثير من مفردات المعارف الدينية الاخرى،الامر الذى سينتهى الى أن يضعف ايمان الناس، و أن تنحصر معرفتهم بالله سبحانه و تعالى و برسله و أصفيائه، و يتزعزع واقع اعتقادهم بحقائق الاسلام و الايمان، و يثير تساؤلات كثيرة حول أمور كان الاجدر أن لا يثار حولها جدل غير منهجى و لا علمى، حيث لا ينتج عن ذلك الا ارباك الحالة العامة، و صرف اهتمامات الناس الى اتجاهات بعيدة عن الواقعية، و عن التفكير الجدى فى أمور مصيرية، تهدد مستقبلهم و وجودهم، و تبعدهم عن التخطيط و العمل لمواجهة الاخطار الجسام التى تنتظرهم فى حلبة الصراع مع قوى الحقد و الاستكبار، التى لا بد من تشابك الايدى، و تضافر الجهود فى مواجهتها.
عصمنا الله من الخطل و الزالل فى الفكر و القول و العمل انه ولى قدير، و بالاجابة حرى و جدير.
ثانيا: لا شك فى ان النصوص التى تثبت عناية الهية، و رعاية
غيبية للزهراء، بل كرامات و معجزات
فقد ذكر أبوالصلاح الحلبى فى الكافى: ص 102 و 103 ان المعجزات تظهر لغير الانبياء أيضا، و لا يقتصر الامر فيها على التحدى للانبياء فى نبوتهم- كما يحاول البعض أن يدعيه- و قد مثل لذلك أبوالصلاح بقصة آصف بن برخيا و مجيئه بعرش بلقيس قبل ارتداد الطرف . و ما ظهر لمريم من معجزات كخصولها على الرزق و معجزات تلاميذ عيسى، و غير ذلك.