خيانة أبى بكر كيف تثبت:
و قد استدل فى الكتاب على خيانة أبى بكر للنبى (ص) أولا: بقوله تعالى: (لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم).ثانيا: بلعن النبى (ص) من تخلف عن جيش أسامة، و أبوبكر
ممن تخلف، راجع ص 99.
و هو استدلال غير موفق، لان الآية المباركة لا ربط لها بخيانتهم للنبى (ص). نعم هى تدل على عدم ايمان من لا يرضى بحكم النبى (ص)، الا اذا كانوا يظهرون القبول، ثم اذا خلو الى أنفسهم غمزوا فى حكمه (ص).
كما ان لعن النبى للمتخلف لا يدل على خيانة المتخلف. بل يدل على عصيانه و مخالفته لأمر النبى (ص). و يدل أيضا على عدم ايمان من يلعنه النبى (ص).
و قد يكون مقصود المستدل: انهم حين رفضوا حكم النبى، و عصوا أمره، لم يفعلوا ذلك بصورة علينة بل بصورة خيانية فيها التفاف و تملص و احتيال، و اظهار خلاف الواقع، ظهر منه أن ما يظهرونه من ايمان و طاعه و حرص عليه فى مرضه لم يكن على حقيقة.
شك عمر فى النبوة:
و استدل على أن أن عمر كان شاكا دائما فى نبوة النبى بقول عمر فى الحديبية: «ما شككت فى نبوة محمد مثل شكى يوم الحديبية» ص 100.و نقول:
ان قول عمر هذا لا يدل على أنه كان شاكا دائما فى نبوة نبينا (ص)، و انما يدل على أنه كان يشك كثيرا فى النبوة، و ان ذلك قد حصل له مرارا عديدة، لكن شكه فى الحديبية كان أشدها و أعمقها.
لا تجتمع أمتى على خطأ، و قتل عثمان:
انه استدل بقول النبى (ص): «لا تجتمع أمتى على خطأ» على صحة قتل الناس عثمان بن عفان. و جعل ذلك دليلا على عدم ايمانه ص 103.و غنى عن البيان: ان الاجماع على قتل من ارتكب جريمة يستحق لاجلها القتل، لا يعنى الاجماع على سلب صفة الايمان عنه، لان الايمان شى ء، و ارتكاب الجرائم الموجبة للقتل شى ء آخر، قد يجتمعان، و قد يختلفان.
و الحديث الشريف انما يدل على استحقاقه للعقوبة، و لا يدل على اجماعهم على عدم ايمانه.
و عدم ايمانه انما يثبت بدلائل أخرى، لا بد من تلمسها، و التأمل فيها. هذا كله بالاضافة الى أن عليا، و كثيرا ممن كانوا معه لم يشاركوا فى قتله. و ذلك معروف و مشهور. و ان كان قتله لم يسر عليا و لم يسؤه كما روى عنه (ع).
حديث العشرة المبشرة:
و قد حكم العلوى ببطلان حديث العشرة المبشرة بالجنة، و استدل على ذلك بعدة أدلة:منها: ان طلحة قد آذى النبى (ص) حين ذكر انه سينكح زوجته من بعده، فنزل قوله تعالى: (و ما كان لكم أن تؤذوا رسول الله، و لا أن تنكحوا أزواجه من بعده أبدا) الاحزاب 53.
و منها: ان طلحة و الزبير قد سعيا فى قتل عثمان، و قد قال رسول الله (ص) القاتل و المقتول فى النار، ص 107.
و نقول:
اننا و ان كنا نؤيد ما ذكره من نزول الآية فى طلحة، و ايذائه للنبى (ص)، و ندفع ما يدعيه البعض من أن طلحة قد تاب بعد ذلك، و عمل صالحا، ثم جاء حديث بشارة العشرة، فبشره بالجنة.
ندفعه بأن اثبات توبة طلحة دونه خرط القتاد.
كما ان بشارته بالجنة تصطدم بخروجه على امام زمانه على (ع)، بعد ذلك و الخارج على امام زمانه فى النار. كما انها تصطدم بنكثه بيعة أميرالمؤمنين (ع).
نعم، اننا و ان كنا نؤيد ذلك، ولكننا نقول: ان الاستدلال بحديث القاتل و المقتول فى النار، لا يصح فى كل مورد، فلا يصح فى مورد خروج طلحة على امام زمانه المنصوص على امامته من رسول الله (ص).
و أما خروجه على عثمان، فقد يدعى انه مبرر، من حيث ان خلافة عثمان جاءت مستندة الى صحة خلافة عمر، و خلافة عمر مستندة فى صحتها الى خلافة أبى بكر، و هى غير شرعية، لانها جاءت ابطالا للتدبير الالهى الحاسم، الذى قرر امامة و خلافة على دون سواه، فخروجه على عثمان، بعد أن أحدث، له حكم، و خروجه على على المنصوص على امامته و خلافته له حكم آخر.
المتعة لأجل الحصول على المال:
و نستغرب كثيرا قوله فى الكتاب: أليس بالمتعة يحصلن على مقدار من المال لمصارف أنفسهن و أطفالهن اليتامى» ص 124.فان هذا الكلام قد يوهم ان تشريع المتعه انما هو لتكون سببا فى الحصول على المال و المتاجرة بالاعراض، و هذا أمر غير معقول و لا مقبول. فان المهر فى المتعة كالمهر فى الزواج الدائم. و للمتعة أهدافها النبيلة و مبرراتها الموضوعية، كما للزواج الدائم. حيث انه يتضمن حلا شرعيا و صحيا لمعضلات يواجهها هذا الانسان. فراجع كتابنا: «الزواج المؤقت فى الاسلام».
أقيلونى فلست بخيركم:
ثم اننا نجده يقول: «انه (ع) كان مستغنيا عن غيره، و غيره كان محتاجا اليه. ألم يقل أبوبكر: أقيلونى فلست بخير فيكم، و على فيكم» ص 119.والذى يلفت نظرنا هنا:
أولا: ان النص المتداول و المعروف هو قوله: أقيلونى فلست بخيركم و على فيكم، و هى تفيد معنى يختلف عن قوله: لست بخير فيكم.
ثانيا: ان قول أبى بكر: أقيلونى الخ... لا ربط له بالاستغناء و الحاجة الى على (ع). فان أعلم العلماء قد لا يكون هو خير الناس، لأن الخيرية، أمر، الاستغناء و الحاجة أمر آخر.