خلاصة:
كانت تلك بعض لمحات الواقع الذى واجهته امرأة فرعون، التى هى من جنس البشر، و من لحم و دم، لها ميولها، و غرائزها، و طموحاتها، و مشاعرها، و أحاسيسها. و قد واجهت رحمهاالله كل هذا الواقع الصعب بصبر و ثبات، و لم تكن تملك الا نفسها، و قوى ارادتها، و قويم و عيها، الذى جعلها تدرك: أن ما يجرى حولها هو خطأ، و جريمة، و انحراف و خزى،
فرفضت ذلك كله من موقع البصيرة و الايمان، و واجهت كل وسائل الاغراء و القهر، و لم تبال بحشود فرعون، و لا بأمواله، و لا بجاهه العريض، و لا بزينته و مغرياته، و لا بمكره و حيله و حبائله..
و طلبت من الله سبحانه و تعالى أن يهى ء لها سبل النجاة من فرعونية فرعون، و من اعمال فرعون، و من محيط القوم الظالمين.
و لم يؤثر شى ء من ذلك كله، من البيئة و المحيط و غير ذلك، فى زعزعة ثقتها بدينها و ربها، او فى سلب ارادتها، او فى سلامة و صحة خيارها و اختيارها.
و كان دعائها: «رب ابن لى عندك بيتا فى الجنة، و نجنى من فرعون و عمله، و نجنى من القوم الظالمين.».
فهى تعتبر الابتعاد عن فرعون، و عن ممارسات فرعون نجاة، و تعتبر الابتعاد عن دنس الانحراف و الخروج من البيئة الظالمة نجاة ايضا..
و هى لا تريد من الله قصورا و لا زينة، و لا ذهبا و لا جاها، بل تريد أن تفوز بنعمة القرب منه تعالى، (عندك)، و بمقام الرضا، على قاعدة: (رضا الله رضانا أهل البيت).
مريم فى مواجهة التحدى:
أما التحدى فى قضية مريم عليهاالسلام فهو الآخر قاس و مرير، انه تحد فى أمر يمس شخصيتها و كيانها، و هو من أكثر الامور حساسية بالنسبة اليها كأنثى، تعتبر نفسها أمام قومها رائدة الطهر و الفضيلة، و تنعى عليهم رجسهم و انحرافهم، انه التحدى فى أمر العفة والطهر، و قد جاء بطريقة تفقد معها كل وسائل الدفاع عن نفسها، اذ كيف يمكن لامرأة أن تأتى قومها بمولود لها، ثم تزعم لهم أنها لم تقرف اثما، و لا علاقة لها برجل.
انها تزعم: أنها قد حملت بطفل و لم يمسسها بشر، و تصر على أنها تحتفظ بمعنى العفة و الطهارة بالمعنى الدقيق للكلمة، بل هى لاتقبل أى تأويل فى هذا المجال، و لو كان من قبيل حالات العنف التى تعذر فيها المرأة.
بل و حتى المرأة، المتزوجة حين تلد فانها فى الايام الاولى تكون خجلى الى درجة كبيرة، لا سيما أمام من عرفوها و عرفتهم و ألفوها و ألفتهم.
فكيف اذا كانت تأتى قومها بطفل تحمله، و قد ولدته و لم تكن قد تزوجت، ثم هى تصر على انها لم يمسسها بشر!! أو لا ترضى منهم أن يعتقدوا أو حتى يتوهموا غير ذلك.
و لم يهتز ايمان مريم، و لم تتراجع، و لم تبادر الى اخفاء هذا الطفل، و لا الى ابعاده و لا الى التبرء منه، بل قبلت، و رضيت، و صبرت، و تحملت فى سبيل رضا الله سبحانه، فكانت سيدة نساء زمانها بحق، و بجدارة فائقة، لأنها صدقت بكلمات الله، و كانت من القانتين.
أما الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء صلوات الله و سلامه عليها، فقد أخبر الرسول الأكرم صلى الله عليه و آله و سلم انها أفضل من جميع نساءالعالمين من الأولين و الآخرين بمن فيهم مريم و آسية وسواهما، رغم كل ما قاسوه و ما واجهوه مما ينبؤك عن عظيم مكانتها
و بلائها لقوله (ع): ان اشد الناس بلاءهم الأنبياء ثم الذين يلونهم ثم الأمثل فالأمثل
راجع البحار: ج 64 ص 200.