و من الواضح: أن معرفة هؤلاء الذين أبعدوا أهل البيت عن مقاماتهم، و أزالوهم عن مراتبهم التى رتبهم الله فيها و ظهور امرهم و وضوح مدى جرأتهم على الله سبحانه، و على رسوله أمر ضرورى و مطلوب لكل مسلم، لأن ذلك يمس أخطر قضية فى تاريخ الاسلام.
و بعبارة أوضح: ان لوازم الحديث هى التى ترتبط بالعقيدة، و ان لم يكن ذات الحدث بها، فمثلا حينما نقرأ فى القرآن عن زوجة لوط عليه السلام: أنها قد وشت بضيوف زوجها لقومها، الذين يسعون الى ارتكاب الفاحشة مع الرجال.
قد نتعجب، و نقول: هل يليق بالقرآن أن يؤرخ لقوم لوط فى خصوص هذه الخصلة السيئة و الدنيئة؟!.
و هل يمكن لأحد أن يقول:
اننى لا أهتم شخصيا بهذا الامر التافه المذكور فى القرآن؟!
أم أننا نفهم القضية بطريقة أخرى، فنقول: لو كان الله سبحانه يريد أن «يؤرخ» لقوم لوط، لكان أرخ لسائر الشعوب كالفينيقيين و الكلدان و الاشوريين، و الرومان، و الساسانيين، و غيرهم، ولكنا رأيناه يتحدث عن كثير من سياساتهم و شؤونهم و ما مر بهم من أحداث كبيرة و خطيرة. ولكن ذلك لم يكن، فاقتصاره على خصوص هذا الامر بالنسبة لخصوص قوم لوط يدلنا على أنه سبحانه و تعالى قد أراد لنا أن نستفيد من لوازم الحدث أمورا قد يكون لها مساس بالعقيدة، أو بالشرعية، أو بالمفاهيم الاخلاقية و الحياتية فى أكثر من مجال؟!
اننا لا شك سوف نتجه هذا الاتجاه الثانى، و نبحث عن كل تلك اللوازم، و الحيثيات و المعانى التى أراد لنا القرآن أن نعيشها، و أن
نلتفت اليها فى ما حكاه لنا عن امرأة لوط و قومها، لنستفيد منها المزيد من المعرفة و الوعى، و المزيد من الايمان، و المزيد من الطهر و الصفاء.
و نجد فى هذه القضية أكثر من معنى حياتى هام جدا، لا بد لنا من الاطلاع عليه، و تثقيف انفسنا به، و يكفى أن نشير الى ما تحمله هذه القصة- بعد الالفات الى بشاعة فعلهم ذاك- من تحد قوى، من قبل المرأة، و الزوجة، التى لم تكن تملك قدرات علمية، و فكرية بمستوى، تتحدى رجلا، نبيا، يملك كل القدرات و الطاقات، و خصوصا قدرة التحدى فى مجال الاقناع، و فى أمر يملك الدافع لمقاومة من خلال الدين، و العقيدة و القداسة و الاخلاق، و العنفوان الانسانى؛ حيث كان التحدى له فى ضيوفه (ع)، و فيما يمس الشرف، و الكرامة و الدين، و الاخلاق، و الرسالة...
خلفيات صرحت بها الكلمات:
و قضية الزهراء أيضا، و ما جرى عليها بعد رسول الله (ص) سيكون حدثا تاريخيا مفيدا جدا من حيث دلالاته الالتزامية، اذ فرق بين أن يقال لك: ان الذين اغتصبوا الخلافة قد ضربوا الزهراء (ع) فور وفاة أبيها الى درجة أنهم اسقطوا جنينها، و كسروا ضلعها الشريف، الى غير ذلك مما هو معروف، و بين أن يقال لك كما يقول البعض: انهم ما زادوا على التهديد باحراق بيتها.ثم يقال لك: انهم كانوا يحترمونها، و يجلونها، أو على الاقل يخشمون من الاساءة اليها بسبب موقعها و احترام الناس لها، الامر الذى يعنى ان تهديدهم لها صورى لا حقيقة له، ثم يتسع المجال لمن
يريد أن يقول لك بعدها: انهم فى أمر الخلافة، قد اجتهدوا فأخطأوا.
ثم هو يقول لك مرة أخرى، لكى يمهد لاقناعك بأنهم مأجورون على غصب الخلافة:
«ان النبى (ص) نص على على عليه السلام، لكن الصحابة قد فهموا ذلك بطريقة أخرى».
أى أن القضية لم تكن عدوانا، و لا هى غصب حق معلوم، و انما كانت مجرد سوء فهم لكلام الرسول (ص)، و لم يكن سوء الفهم هذا منحصرا بالمعتدين، و الغاصبين، بل الصحابة كلهم قد فهموا نفس ما فهمه الغاصبون حيث يقال لك فى مورد آخر: ان النبى (ص) قد نص على على عليه السلام يوم الغدير، لكن طبيعة الكلام الذى قاله النبى تجعل الناس فى شك.
اذن، هم يريدون منك أن تقول «ألف» لكى تقول «باء»، ثم ينتزعون منك «التاء» و هكذا الى «الياء»..
العقبة الكؤود:
و أعظم عقبة تواجه هؤلاء هى ضرب الزهراء (ع)، و اسقاط جنينها، و احراق بيتها، و اقتحامه بالعنف و القسوة البالغة، دونما مبرر مقبول أو معقول. و لو أن عليا هو الذى كان قد واجه القوم لأمكن ان تحل العقدة، باتهامه بأنه هو المعتدى على المهاجمين (!!).و يزيد الامر تعقيدا ما قاله النبى (ص) فى حق فاطمة عليهاالسلام، و كون هذه الامور قد حصلت فور وفاته صلى الله عليه و آله،
و فى بيت الزهراء بالذات، و بطريقة لا يمكن الدفاع عنها أو توجيهها.
فان ما فعلوه مخالف للشرع والدين من جهة، و مخالف للاخلاق الانسانية و للوفاء لهذا النبى الذى أخرجهم من الظلمات الى النور، و كانوا على شفا حفرة من النار فأنقذهم منها من جهة أخرى.
ثم هو يصادم المشاعر النبيلة و العواطف و الاحاسيس الانسانية، و هو يصادم الوجدان، و الضمير ايضا، و كل الاعراف و كل السجايا و حتى العادات، من جهة ثالثة.
و يراد لمرتكب هذه الأمور العظيمة أن يجعل اماما للأمة، و فى موقع رسول الله (ص)، و أن يؤتمن على الدين، و على الانسان، و على الاخلاق، و القيم، و على أموال الناس، و أعراضهم و أن يوفر لهم الأمن و الكرامة و العزة، و أن يربى الناس على الفضيلة و الدين و الأخلاق.
فاذا كان نفس هذا الشخص يرتكب ما يدل على أنه غير مؤهل لذلك كله، لأن ما صدر منه قد لامس كل ذلك بصورة سلبية صريحة؛ فان ذلك يعنى ان معرفة هذه العظائم تصبح ضرورية لكل الناس الذين يجدون لهذا الشخص أثرا فى كل الواقع الفكرى، و السياسى و المذهبى الذى يعيشونه، و له حساس فى كل مفاهيمهم و فى كل واقعهم الدينى، و الايمانى، بل و حتى على مستوى المشاعر و الاحاسيس.
اذن، فان ما صدر عن هذا الشخص ليس أمورا شخصية تعنيه هو دوننا، اذ أن ما ارتكبه لم يكن مجرد نزوة عارضة، أو شهوة جامحة، بل هو يعبر عن روحيته، و عن نظرته لتعاليم الدين، و عن قيمة رسول الله (ص) فى نفسه، و عن قسوته و عن حقيقة مشاعره
الانسانية، و أحاسيسه البشرية، و عن أخلاقياته، و عن قيمه، و ليست القضية هى انه اجتهد فأخطأ فله أجر، أو أصاب فله أجران
هذه الرواية رويت من غير طرق الشيعة فى الاكثر..