6- انه ليس من حق أحد أن يطلب من الناس أن يقتصروا فى ما يثيرونه من قضايا على ما ورد عن النبى (ص) و الأئمة (ع) بأسانيد صحيحة، وفق المعابير الرجالية فى توثيق رجال السند... لأن ذلك معناه أن يسكت الناس كلهم عن الحديث فى جل القضايا و المسائل، دينية كانت أو تاريخية أو غيرها.
بل ان هذا الذى يطلب ذلك من الناس، لو أراد هو أن يقتصر فى كلامه على خصوص القضايا التى وردت بأسانيد صحيحة عن المعصومين، فسيجد نفسه مضطرا الى السكوت، و الجلوس فى بيته، لأنه لن يجد الا النزر اليسير الذى سيستنفده خلال أيام أو أقل من
على أننا نقول، و هو أيضا يقول: ان ثبوت القضايا لا يتوقف على توفر سند صحيح لها برواية عن المعصومين، فثمة قرائن أخرى تقوى من درجة الاعتماد أحيانا، ككون الرواية الضعيفة قد عمل بها المشهور، و استندوا اليها مع وجود ذات السند الصحيح أمام أعينهم، ثم لم يلتفتوا اليها و كذا لو كان النص يمثل اقرارا من فاسق بأمر يدينه أو يناقض توجهاته، فانه لا يصح ان يقال: ان هذا فاسق فلا يقبل قوله. و على هذا، فلابد من ملاحظة القرائن المختلفة فى قضايا الفقه، و الاصول، و العقيدة و التاريخ و غيرها من قبل أهل الاختصاص، حيث يستفيدون منها فى تقوية الضعيف سندا، أو تضعيف القوى، بحسب الموارد و توفر الشواهد.
7- انه ليس أسهل على الانسان من أن يقف موقف المشكك و النافى للثبوت، و المتملص من الالتزام بالقضايا، و الهروب من تحمل مسئوولياتها. و ليس ذلك دليل علمية و لا يشير الى عالمية فى شى ء.
و العالم المتبحر، و الناقد، و المحقق هو الذى يبذل جهده فى تأصيل الاصول، و تأكيد الحقائق. و اثبات الثابت منها، و ابعاد المزيف.
8- ان نسبة أى قول الى فئة أو طائفة، انما تصح اذا كان ذلك القول هو ما ذهب اليه، و صرح به رموزها الكبار، و علماؤها على مر الاعصار، أو أكثرهم، و عليه استقرت آراؤهم، و عقدوا عليه قلوبهم.
و يعلم ذلك بالمراجعة الى مجاميعهم، و مؤلفاتهم، و كتب عقائدهم، و تواريخهم.
أما لو كان ثمة شخص، أو حتى أشخاص من طائفة، قد شذوا فى بعض آرائهم، فلا يصح نسبة ما شذوا به الى الطائفة بأسرها، أو
الى فقهائها، و علمائها. فكيف اذا كان هؤلاء الذين شذوا باقوالهم من غير الطليعة المعترف بها فى تحقيق مسائل المذهب.
و كذا الحال لو فهم بعض الناس قضية من القضايا بصورة خاطئة و غير واقعية و لا سليمة، فلا يصح نسبة هذا الفهم الى الآخرين بطريقة التعميم، لكى تبدا عملية التشنيع بالكلام الملمع و المزوق و المرصع و المنمق، مع تضخيم له و تعظيم، و تبجيل و تفخيم، يؤدى الى احتقار علماء المذهب و تسخيف عقولهم، بلا مبرر او سبب. ثم هو يدقم البديل الذى اعده و مهد له بالكلام المعسول مهما كان ذلك البديل ضعيفا و هزيلا.
9- ان طرح القضايا التى يطلب فهيا الوضوح، على الناس العاديين باساليب غائمة، و ان كان ربما يسهل على من يفعل ذلك التخلص و التملص من تبعة طروحاته الى حد ما..
ولكنه لا يعفيه من مسوولية تلقى الناس العاديين للفكرة على انها هى كل الحقيقة، و هى الراى الصواب الناشى ء عن البحث و الدراسة، و ما عداه خطا.
نعم، لا يعفيه من مسؤولية ذلك، ما دام ان الكل يعلم: ان لاناس يفهمون الامور ببساطة، فلا يلتفتون الى كلمة: ربما، لعل، لنا ان نتصور، يمكن ان نفهم، نستوحى، علينا ان ندرس، و ما الى ذلك..
و بعد...
فاننا نحترم و نقدر جهود العاملين و المخلصين، و ندعو لهم بالتوفيق و التسديد، و نشكر كل الاخوة العاملين المخلصين الذين بذلوا جهدا فى سبيل انجاح هذا الكتاب، و اخص منهم بالذكر الاخ العلامة
الجليل الشيخ رضوان شرارة، فشكر الله سعى الجميع، و حفظهم رعاهم. و وفقنا واياهم لسداد الراى، و خلوص العمل. و هو ولينا، و هو الهادى الى الرشاد و السداد.
الزهراء و ماساتها:
الزهراء مقامها و عصمتها:
بداية و توطئة:
سنبدأ حديثنا فى هذا الفصل عن تاريخ ميلاد الزهراء (ع) لأن البعض يحاول ان يتحاشى، بل يأبى الالزام أو الالتزام بما ورد عن النبى الكريم (ص)، و عن الائمة الطاهرين عليهم السلام، من انها (ع) قد ولدت من ثمر الجنة بعد الاسراء و المعراج، أو يحاول تحاشى الالتزام بأنها عليهاالسلام قد تزوجت من على (ع) فى سن مبكر، لأنه يشعر بدرجة من الاحراج على مستوى الاقناع، يؤثر أن لا يعرض نفسه له.. و قد لا يكون هذا و لا ذاك، بل ربما أمر آخر، هو الذى يدعوه الى اتخاذ هذا الموقف والله هو العالم بحقائق الامور، و المطلع على ما فى الصدور.ثم نتحدث بعد ذلك، عن أمور لها ارتباط قريب بشأن عصمة الأنبياء، و الأوصياء، و الأولياء عليهم السلام لا سيما عصمة الصديقة الطاهرة صلوات الله و سلامه عليها.
و سيكون حديثنا هذا عن العصمة مدخلا مقبولا و تمهيدا لعرض بعض الحديث عن منازل الكرامة، و درجات القرب و الزلفى لسيدة نساءالعالمين عليها الصلاة
والسلام، فى ظل الرعاية الربانية، و التربية الالهية، دون أن نهمل الاشارة الى موضوع ارتباطها بالغيب، الذى تمثل بما حباها الله سبحانه و تعالى به من صفات و خصوصيات،
و كرامات ميزتها عن سائر نساءالعالمين. فكانت المرأة التى تحتفل السماء قبل الارض بزواجها من على عليه الصلاة والسلام، و كانت أيضا المرأة الطاهرة المطهرة عن كل رجس و دنس و نقص، حتى لقد نزهها الله عما يعترى النساء عادة من حالات خاصة بهن دون أن يكون لذلك أى تأثير سلبى على شخصيتها فيما يرتبط بشأن الحمل، و الولادة.
ثم اننا: قبل أن نخرج من دائرة كراماتها الجلى، و ميزاتها و صفاتها الفضلى، كانت لنا المامة سريعة بما حباها الله به من علم متصل بالغيب، أتحفها الله به بواسطة ملك كريم كان يحدثها و يسليها بعد وفاة أبيها، الأمر الذى أنتج كتابا هاما جدا، كان الائمة الاطهار عليهم الصلاة والسلام يهتمون، بل و يعتزون به، و كانوا يقرأون فيه، و ينقلون عنه و هو ما عرف ب«مصحف فاطمة» عليهاالسلام، بالاضافة الى كتب أخرى اختصت بها صلوات الله و سلامه عليها. اننا سنقرأ لمحات عن ذلك كله فى هذا الفصل، مع توخى سلامة الاختيار و مراعاة الاختصار قدر الامكان.. و بالله التوفيق، و منه الهدى و الرشاد.
متى ولدت الزهراء؟
ان أول ما يطالعنا فى حياة الصديقة الطاهرة هو تاريخ ولادتها عليهاالسلام. حيث يدعى البعض أنها عليهاالسلام قد ولدت قبل البعثة بخمس سنوات؟!و نقول: ان ذلك غير صحيح.
و الصحيح هو ما عليه شيعة أهل البيت (ع)، تبعا لأئمتهم (ع)
راجع ضياء العالمين: ج 2 ق 3 ص 2 «مخطوط» و جامع الأصول لابن الأثير: ج 12 ص 9 و 10.