اننا لا نريد ان نناقش هذا التفصيل (بين الطاعات و بين
المعاصى)!! باسهاب، بل نكتفى بالالماح الى ما يلى:
أولا: ان ترك الطاعات أسضا معصية، فهو اذن لا يقدر على هذا الترك تكوينا فكيف يكون مختارا فى فعلها، و ما معنى كونه مختارا فيى خصوص الساعات؟!.
ثانيا: ان هذا التفصيل لا دليل عليه، و لا توجيه له بل هو تحكم محض فلماذا لا تكون القضية معكوسة، فيكون مختارا فى ترك المعاصى مكرها على فعل الطاعات..
و الملفت للنظر هنا: أنه حين واجهته هذه الاسئلة التجأ تارة الى مقولة البلخى بأن الثواب على الطاعة انما هو بالتفضل، لا باستحقاق العبد. و تارة اخرى الى ما يتحدث عنه البعض بزعمه من ان الاستحقاق بالتفضل و هى مقالة كمقالة البلخى لا يلتفت اليها لقيام الدليل على أن الطاعة بالاستحقاق لا بالتفضل.
و هذا الدليل هو: أن الطاعة مشقة ألزم الله العبد بها؛ فان لم يكن لغرض كان ظلما و عبثا، و هو قبيح لا يصدر من الحكيم. و ان كان لغرض، فان كان عائدا اليه تعالى فهو باطل لغناه و ان كان عائدا الى المكلف، فان كان هذا الغرض هو الاضرار به كان ظلما قبيحا، و ان كان هو النفع له فان كان يصح أن يبتدى ء الله به العبد، فيكون التكليف حينئذ عبثا، و ان كان لا يصح الابتداء به بل يحتاج الى تكليف ليستحق أن يحصل على ذلك النفع فهو المطلوب.
فالنتيجة اذن هى: أن الثواب بالاستحقاق لا بالتفضل.
و أما قول البلخى فهو باطل من الأساس، لأنه يستند فيما ذهب اليه الى أن التكاليف انما و جبت شكرا للنعمة، فلا يستحق بسببها
مثوبة، فالثواب تفضل منه تعالى.
و لا شك فى عدم صحة هذا القول، اذ أن الكلام انما هو فى مرحلة الحسن و القبح، و عند العقلاء أن ينعم شخص على غيره، ثم يكلفه و يوجب عليه شكرها من دون ايصال ثواب على هذا التكليف، فانهم يعدون ذلك نقصا، و ينسبونه الى حب الجاه و الرياسة و نحو ذلك من المعانى القبيحة التى لا تصدر من الحكيم، فوجب القول باستحقاق الثواب.
غاية ما هناك أنه يمكن ان يقال، و ان كان ذلك لا يلائم كلام البلخى ايضا بل هو ايضا ينقضه و يدفعه: انه و ان كانت مالكية الله سبحانه لكل شى ء تجعله، متفضلا فى تقرير أصل المثوبة لمملوكيه على أفعالهم، ولكنه بعد أن قرر لهم ذلك بعنوان الجزاء، و تفضل عليهم فى زيادة مقاديره، حتى لقد جعل الحسنة بعشرة أمثالها، أو بسبع مئة ضعف، والله يضاعف لمن يشاء و بعد ان دخل ذلك فى دائرة القرار، و أصبح قانونا الهيا مجعولا، فقد دخل فى دائرة الاستحقاق بعد أن لم يكن.
و لأجل ذلك لم يجز فى حكم العقل أن يعطى الله المعاصى، و يمنع المطيع، و لو كانت المثوبة من باب التفضل لجاز ذلك، و هذا نظير ما لو قرر رجل أن يجعل لولده جائزة على نجاحه فى الامتحان فى مدرسته، فاذا نجح الولد، فسيطالب أباه بالجائزة، و يرى انه مظلوم و مهان لو لم يعطه اياها، فضلا عن أن يعطيها لأخيه الراسب.
هل للمحيط و البيئة تأثير فى العصمة:
و أما بالنسبة لما قيل عن تأثير البيئة و المحيط الايمانى فى شخصية الزهراء عليهاالسلام:فاننا نقول فيه:
ان الزهراء النور التى خلقت من ثمر الجنة، و كانت تحدث أمها و هى فى بطنها، قبل أن تولد. هى خيرة الله سبحانه، قد اصطفاها لتكون المعصومة
العصمة فى الانبياء و الاوصياء ثابتة بدليل العقل، لاقتضاء مقام النبوة و الامامة لها. و يؤيدها النقل، و قد يتعرض النقل أيضا لبيان حدودها و آفاقها، و غير ذلك من خصوصيات.. أما عصمة الزهراء عليهاالسلام، فهى ثابتة بالنقل الصحيح الثابت عن الرسول (ص)، و بنص القرآن الكريم، و هى من ضروريات المذهب و ثوابته. و بديهى أن لا تعرف العصمة الا بالنقل، لأن الاوامر و الزواجر الالهية لا تنحصر بأعمال الجوارح الظاهرية، بل تتعداها الى القلب و النفس و الروح، و الى صياغة مواصفات الانسان، و مشاعره و أحاسيسه، مثل الشجاعة و الكرم و الحسد، و الحب و البغض، و الايمان و النفاق، و النوايا و غير ذلك مما لا سبيل لنا للاطلاع عليه بغير النقل عن المعصوم.