وأقـول:
هـذا الدليـل جـار في الصغائر والكـبائر بلا فرق، فالتفصيـل بينـهما لا وجه له وإنْ وقعت الصغيرة على وجه الندرة، كما لا فرق في جريانه بين العمد والسهو، لكنّ الأشاعرة أجازوا الكبائر عليهم سهواً وأجازها بعضهم عمداً كما سـبق(1).
وأيضاً: لم يقيّدوا وقوع الصغيرة بالندرة، وبيان أنّها ليست محلّ الاتّباع كما زعمه الخصم لضيق الخناق، على أنّه لا نفع فيه، إذ لو بيّن النبيّ أنّ ذلك ليس محلّ الاتّباع لم يُعتمد عليه، لأنّه في محلّ المعصية والإقرار بها فتنتفي فائدة البعثة، ولعلّه في هذا البيان كان ساهياً أو موهماً وليس ذلك بمحال عندهم!
ولو سُـلّم، فهو مصحّح أيضاً لوقوع الكبيرة، والخصم لا يقول به.
وأجاب القوشجي عن الدليل بأنّه لا يجب الاتّباع إلاّ في ما يتعلّق بالشريعة وتبليغ الأحكام، لا في ما يصدر عن بِـذْلَة وطَـبَع(2).
وفيـه: إنّ فعل النبيّ كلّه ممّا يتعلّق بالشريعة، ولذا عدّوا فعله من
(1) انظر الصفحة 28 وما بعدها من هذا الجزء.
(2) شرح التجريد: 464.
والبِذْلَةُ: الثوبُ الخَلَقُ، وكلُّ ما لا يُصان من الثياب، على الاستعارة هنا تشبيهاً للفعل الخسـيس الساقط به ; انظر: تاج العروس 14 / 48 مادّة " بذل ".
والـطَّـبَـعُ: الوسخُ الشديد من الصدأ، ومجازاً: هو الشَـين والعيب في دين أو دنيا ; انظر: تاج العروس 11 / 318 مادّة " طبع ".
والمراد منهما هنا: هو الكلام الصادر على عواهنه من غير رويّة وحساب دقيق.