وأقـول:
لا ريب أنّ الدليل الأوّل يثبت عصمتهم عن الكبائر والصغائر، حال النبوّة وقبلها، عمداً وسهواً ; لأنّ الذنب وإن قلّ وصغر يُسقط محلّ المذنب ولو في الجملة، ويمنع من الوثوق التامّ به والانقياد الكامل إليه حتّى مع العلم بسهوه ; لأنّ السهو يقع غالباً من التساهل ويجهل الناس سببه فتنتفي فائدة البعثة.
وبالجملـة: النبيّ منار الدعوة إلى الله تعالى، وباب طاعته، فيجب أن يكون بريئاً من كلّ عيب يمسّ مقام الدعوة، ونقيّاً من كلّ حُزونة(1) لا تسهّل سبيل الطاعة، فلا يجوز أن يصدر عنه ذنب أصلا.
وأمّا الدليل الثاني: فهو أيضاً يثبت عصمتهم عن الذنوب مطلقاً حتّى قبل النبوّة ; لأنّ معصية الكبير أكبر، فلو عصوا كانوا أدون حالا من أداني الأُمم ; لأنّ أصغر الصغائر من أعلى المكلّفين أكبر الكبائر من أدناهم حتّى مع السهو ; لأنّ التمييز بالمعرفة يستدعي المحافظة التامّة، وبدونها يكون أدنى من الأداني ولو في الجملة، وهو خلاف ضرورة العقل والملِّـيّـيـن.
وأمّا الدليل الثالث: فهو يثبت عصمتهم عمّا ينافي العدالة حال النبوّة وقبلها عمداً وسهواً، مع عدم العلم بسهوه ; لأنّ صدورها حينـئذ
(1) الحُزونة: الخشونة في النفْس لِما يحصل فيها من الغمّ على المجاز هنا ; انظر مادّة " حزن " في: لسان العرب 3 / 159، تاج العروس 18 / 137.