يثبت فسقه، والفاسق مردود الشهادة، فكيف تقبل شهادته(1) بالوحي؟! ويلزم أن يكون أدون حالا من عدول الأُمم إذا صدرت عمداً. وأمّا الدليل الرابع: فهو يثبت عصمتهم عن الكبائر والصغائر عمداً وسهواً، لكن حال النبوّة، وإنّما جعل المصنّف هذا الدليل مستقلاًّ مع أنّه أحد شقَّي الترديد في الدليل الذي ذكره سابقاً بقوله: " ومنها: إنّه إذا فعل المعصية فإمّا أن يجب علينا اتّباعه " ; لأنّ الكتاب العزيز يقتضي تعيينه، فذكره هنا معيّناً لذلك، وذكره سابقاً بنحو الترديد ; لأنّ المراد هناك بيان وجوه الاحتمال. فثبتت من الأدلّة المذكورة عصمتهم عن الذنوب مطلقاً، وفي جميع الأحوال حتّى قبل النبوّة وإنِ اختصّ بعض تلك الأدلّة ببعض الذنوب، وحينئذ فيبطل ما زعمه القوم جميعاً من أنّه يجوز عقلا صدور الصغائر والكبائر عنهم عمداً وسهواً، حال النبوّة وقبلها سوى الكذب في دعوى النبوّة وفي التبليغ كما سـبق. غاية الأمر أنّ أكثر الأشاعرة ـ على ما ادّعاه في " المواقف " ـ قالوا بعدم جواز تعمّدهم الكبائر للدليل السمعي في حال النبوّة خاصّة وإن جاز وقوعها عقلا(2). هـذا، ولا نحتاج في مطلوبنا بعد هذه الأدلّة إلى دلالة المعجزة حتّى يقول الخصم: " ولا تدلّ المعجزة على وجوب انتفاء شيء منها ". وأمّا قوله: " إنّ الأشاعرة ذكروها على سبيل الاستدلال ".. (1) المراد هنا هو إخباره بالوحي، فلن يُقبل إخباره بالوحي مثلما لم تُقبل شهادة الفاسق. (2) المواقف: 359.