والثانية: إنّ كلّ مَن صدّقه الله تعالى فهو صـادق(1). وهاتان المقدّمتان لا يقول بهما الأشاعرة. أمّا الأُولى: فلأنّه يمتنع أن يفعل الله لغرض من الأغراض، أو لغاية من الغايات، فلا يجوز أن يقال: إنّه تعالى فعل المعجزة على يد مدّعي الرسالة لغرض تصديقه، ولا لأجل تصحيح دعواه، بل فعلها مجّاناً. ومثل هذا لا يمكن أن يكون حجّةً للنبيّ ; لأنّا لو شككنا في أنّ الله فعله لغرض التصديق أو لغيره، لم يمكن الاستدلال على صدق مدّعي النبوّة مع هذا الشكّ، فكيف يحصل الجزم بصدقه مع الجزم بأنّه لم يفعله لغرض التصديق؟! وأمّا الثانية: فلأنّها لا تتمّ على مذهبهم ; لأنّهم يسندون القبائح كلّها إلى الله تعالى، ويقولون: كلّ من ادّعى النبوّة ـ سواء كان مُحقّـاً أم مبطلا ـ فإنّ دعواه من فعل الله وأثره، وجميع أنواع الشرك والمعاصي والضلال في العالم من عند الله تعالى، فكيف يصحّ مع هذا أن يُعرف أنّ هذا الذي صدّقه صادق في دعواه؟! فجاز أن يكذب في دعواه، ويكون هذا الإضلال من الله سبحانه كغيره من الأضاليل التي فعلها!(2). فلينظر العاقل: هل يجوز له أن يصير إلى مذهب لا يمكن إثبات نبـوّة نبيّ من الأنبياء به ألبتّة، ولا يمكن الجزم بشريعة من الشرائع؟! والله تعالى قد قطع أعذار المكلّفين بإرسال الرسل، فقال: ( لئلاّ يكون للناس
(1) انظر: الذخيرة في علم الكلام: 328 ـ 330، تقريب المعارف: 154، الاقتصاد في ما يتعلّق بالاعتقاد: 250. (2) الأربعين في أُصول الدين ـ للفخر الرازي ـ 2 / 101 ـ 102، محصّل أفكار المتقدّمين والمتأخّرين: 305 ـ 306، المواقف: 341 ـ 342.