على ربّي في داره "(1) فأثبَتَ له المكان، وهو يوجب الإمكان. واعلم أنّا نعتقد أنّ إبراهيم (عليه السلام) لم يكذب قطّ حتّى بقوله: ( بل فعله كبيرهم )(2).. إمّا لكونه ليس من باب الإخبار الحقيقي، بل من باب التبكيت والإلزام لهم بالحجّة على بطلان مذهبهم وعبادتهم لِما لا يملك لنفسه نفعاً ولا يدفع عنها ضرّاً، كما يشهد له قوله: ( فاسألوهم إن كانوا ينطقون )(3). وإمّا للاشتراط بقوله: ( إنْ كانوا ينطقون ) ; لدلالته على أنّ إخباره مقيّد به بناءً على كونه شرطاً لقوله: ( فعله كبيرُهم ). ولكنّ الكلام في أحاديث القوم الدالّة على الكذب الحقيقي من إبراهيم (عليه السلام)، وأنّ خطيئـته تمنعه من الشفاعة. نعم، للبخاري في " كتاب بدء الخلق "، ولمسلم في " باب فضائل إبراهيم "، رواية تدلّ على أنّ كذبتين من الثلاث حقيقيّتان، إلاّ أنّهما في ذات الله! والثالثة بصورة الكذب لمصلحة شرعية(4)!.. وهذه الرواية لا توجب صرف روايات الشفاعة عن ظاهرها من الخطيئة، بل تنافيها وتضادّها، وإلاّ فما معنى اعتذار إبراهيم عن الشفاعة بالكذب والخطيئة إذا كان كذبه في ذات الله، أو صوريّاً لمصلحة شرعية؟! (1) الجمع بين الصحيحين ـ للحميدي ـ 2 / 548 ذ ح 1902، وانظر: صحيح البخاري 9 / 217 ـ 218 ح 39، مسند أحمد 3 / 244، السُـنّة ـ لابن أبي عاصم ـ: 360 ح 804، التوحيد ـ لابن خزيمة ـ: 248. (2 و 3) سورة الأنبياء 21: 63. (4) صحيح البخاري 4 / 280 ح 161 كتاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، صحيح مسلم 7 / 98 ; وقد تقدّم ذلك عنهما وعن غيرهما في الصفحة 97 من هذا الجزء.