القرآنية الكريمة تتكلّم بصيغة الماضيحينما تتعرّض إلى الحوادث المسلّم بها فيالمستقبل للدلالة على مضارع متحقّقالوقوع، و بذلك يمكن أن تكون إشارة إلى كلاالمعنيين حالهم في الدنيا و حالهم فيالآخرة.جمع من المفسّرين ذكروا في أسباب نزول هذهالآية و الآية التالية لها أنّهما نزلتافي (أبي جهل) أو (رجل من مخزوم) أو قريش،الذين صمّموا مرارا على قتل الرّسول صلّىالله عليه وآله وسلّم و لكن اللّه سبحانه وتعالى منعهم من ذلك بطريقة إعجازية فكلّماأرادوا إنزال ضربة بالنّبي عميت عيونهم عنالإبصار أو أنّهم سلبوا القدرة علىالتحرّك تماما «1».و لكن سبب النّزول ذلك لا يمنع من عموميةمفهوم الآية وسعة معناها، بحيث يشمل جميعأئمّة الكفر و المعاندين، و في الضمن فهيتعتبر تأييدا لما قلناه في تفسير فَهُمْلا يُؤْمِنُونَ في أنّ المقصود بهم همأئمّة الكفر و النفاق و ليس أكثريةالمشركين.الآية التالية تتناول وصفا آخر لحالة تلكالمجموعة، و تمثيلا ناطقا عن عوامل وأسباب عدم تقبّلهم الحقائق فتقول: وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّاوَ مِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا و حوصروا بينهذين السدّين و أمسوا لا يملكون طريقا لاإلى الأمام و لا إلى الوراء، آنئذفَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ.و يا له من تشبيه رائع!! فهم من جهة كالأسرىفي الأغلال و السلاسل، و من جهة اخرى فإنّحلقة الغلّ عريضة بحيث أنّها ترفع رؤوسهمإلى السماء، و تمنعهم من أن يبصروا شيئاممّا حولهم، و من جهة ثالثة فهم محاصرونبين سدود من أمامهم و خلفهم و ممنوعون منسلوك طريقهم إلى الأمام أو إلى الخلف. و منجهة رابعة فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ إذ فقدتعيونهم كلّ قدرة على الإبصار.تأمّلوا مليّا ماذا ينتظر ممّن هو على تلكالحال؟ ما هو مقدار إدراكه للحقائق؟ 1- تفسير الآلوسي، المجلّد 22، صفحة 199.