أمّا فيم كانوا يختصمون؟ لم تذكر الآيةذلك، و لكن من الواضح أنّ المقصود هوالتخاصم على أمر الدنيا و الأمور المعيشيةالاخرى، و لكن البعض يرى: إنّه تخاصم فيأمر «المعاد»، و المعنى الأوّل أنسب علىما يبدو، و إن كان اعتبار شمول الآية لكلاالمعنيين، و أي نوع من النزاع و الخصومةليس ببعيد.و من الجدير بالملاحظة أنّ الضمائرالمتعدّدة في الآية جميعها تعود على مشركيمكّة الذين كانوا يشكّكون في أمر المعاد،و يستهزئون بذلك بقولهم: متى تقوم الساعة؟ و لكن المسلّم به أنّ الآية لا تقصد أشخاصهؤلاء، بل نوعهم «نوع البشر الغافلين عنأمر المعاد» لأنّهم ماتوا و لم يسمعوا تلكالصيحة السماوية أبدا «تأمّل بدقّة»!! علىكلّ حال، فإنّ القرآن بهذا التعبير القصيرو الحازم إنّما أراد تنبيههم إلى أنّالقيامة ستأتي و بشكل غير متوقّع، و هذاأوّلا. و أمّا ثانيا فإنّ قيام الساعة ليسبالموضوع المعقّد بحيث يختصمون ويتنازعون فيه، فبمجرّد صيحة واحدة ينتهيكلّ شيء و تنتهي الدنيا بأسرها.لذا فهو تعالى يضيف في الآية التاليةقائلا: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةًوَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ.في العادة فإنّ الإنسان حينما تلم بهحادثة و يحسّ بعدها بقرب أجله، يحاولجاهدا أن يوصل نفسه إلى أهله و منزله ويستقرّ بين عياله، ثمّ يقوم بإنجاز بعضالأمور المعلّقة، و يعهد بأبنائه أومتعلّقيه إلى من يثق به عن طريق الوصيّة أوغير ذلك. و يوصي بإنجاز بعض الأمور الاخرى.و لكن هل تترك الصيحة السماوية فرصة لأحد؟و لو سنحت الفرصة فرضا فهل بقي أحد حيّاليستمع الوصيّة؟ أو يجتمع الأولاد معامّهم على سرير الأب- مثلا- و يحتضنونه ويحتضنهم لكي يسلم الروح بطمأنينة؟ لاأبدا، فلا إمكان لأي من هذه