عبدتكم، إنّه غذاء دسم و لذيذ و متنوّع،ما لكم لا تأكلون؟ فَراغَ إِلىآلِهَتِهِمْ فَقالَ أَ لا تَأْكُلُونَ«1».ثمّ أضاف، لم لا تتكلّمون؟ لم تعجزألسنتكم عن النطق؟ ما لَكُمْ لاتَنْطِقُونَ.و بهذا استهزء إبراهيم عليه السّلام بكلّمعتقداتهم الخرافية، و من دون أي شكّفإنّه كان يعرف أنّها لا تأكل و لا تتحدّث،و أنّها جماد. و أراد من وراء ذلك عرض حادثةتحطيم الأصنام بصورة جميلة و لطيفة.بعد ذلك شمر عن ساعديه، فأمسك الفأس وانقضّ على تلك الأصنام بالضرب بكلّ مالديه من قوّة فَراغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباًبِالْيَمِينِ.و المراد من (اليمين) إمّا يد الإنساناليمنى، و التي ينجز الإنسان بها معظمأعماله، أو أنّها كناية عن القدرة والقوّة، و يمكن أن تجمع بين المعنيين.على أيّة حال، فإنّ انقضاض إبراهيم عليهالسّلام على الأصنام، حوّل معبد الأصنامالمنظّم إلى خربة موحشة، حيث لم يبق صنمعلى حالته الاولى، فالأيدي و الأرجلالمحطّمة تفرّقت هنا و هناك داخل المعبد،و كم كان منظر المعبد بالنسبة لعبدةالأصنام مؤثّرا و مؤسفا و مؤلما في نفسالوقت.و بعد انتهائه من تحطيم الأصنام، غادرإبراهيم- بكلّ هدوء و اطمئنان- معبدالأصنام عائدا إلى بيته ليعدّ نفسهللحوادث المقبلة، لأنّه كان يعلم أنّ عملهكان بمثابة انفجار هائل سيهزّ المدينةبرمّتها و مملكة بابل بأجمعها، و سيحدثموجة من الغضب العارم، الموجة التي سيكونإبراهيم عليه السّلام وحيدا في وسطها.إلّا أنّ له ربّا يحميه، و هذا يكفيه.و في آخر اليوم عاد عبدة الأصنام إلىمدينتهم، و اتّجهوا فورا إلى معبدهم،فشاهدوا مشهدا رهيبا و غامضا، و من شدّةرهبة المشهد تجمّد البعض في مكانه، فيمافقد البعض الآخر عقله و هو ينظر بدهشة وتحيّر لجذاذ آلهته المنتشرة هنا 1- (راغ) من مادّة (روغ) و تعني التوجّه والتمايل بشكل سرّي و مخفي أو بشكل مؤامرة وتخريب.