الحقّ، كما أنّ عنادهم و عصيانهم- هماأيضا- مانع يحول دون تقبّلهم لدعوتك بَلِالَّذِينَ كَفَرُوا فِي عِزَّةٍ وَشِقاقٍ.«العزّة» كما قال الراغب في مفرداته، هيحالة تحوّل دون هزيمة الإنسان (حالة الذيلا يقهر) و هي مشتقّة من (عزاز) و تعني الأرضالصلبة المتينة التي لا ينفذ الماءخلالها، و تعطي معنيين، فأحيانا تعني(العزّة الممدوحة) المحترمة، كما في وصفذات اللّه الطاهر بالعزيز، و أحيانا تعني(العزّة بالإثم) أي الوقوف بوجه الحقّ والتكبّر عن قبول الواقع، و هذه العزّةمذلّة في حقيقة الأمر.«شقاق» مشتقّة من (شقّ)، و معناه واضح، ثمّاستعمل في معنى المخالفة، لأنّ الاختلافيسبّب في أن تقف كلّ مجموعة في شقّ، أي فيجانب.القرآن هنا يعدّ مسألة العجرفة و التكبّرو الغرور و طيّ طريق الانفصال و التفرقة منأسباب تعاسة الكافرين، نعم هذه الصفاتالقبيحة و السيّئة تعمي عين الإنسان وتصمّ آذانه، و تفقده إحساسه، و كم هو مؤلمأن يكون للإنسان عيون تبصر و آذان تسمع ولكنّه يبدو كالأعمى و الأصم.فالآية (206) من سورة البقرة تقول: وَ إِذاقِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُالْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُجَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ أي عندما يقال للمنافق: اتّق اللّه، تأخذهالعصبية و الغرور و اللجاجة، و تؤدّي بهإلى التوغّل في الذنب و السقوط في نارجهنّم و إنّها لبئس المكان.و لإيقاظ أولئك المغرورين المغفّلين،يرجع بهم القرآن الكريم إلى ماضي تأريخالبشر، ليريهم مصير الأمم المغرورة والمتكبّرة، كي يتّعظوا و يأخذوا العبرمنها و كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْمِنْ قَرْنٍ.أي إنّ امما كثيرة كانت قبلهم قد أهلكناها(بسبب تكذيبها الأنبياء، و إنكارها آياتاللّه، و ظلمها و ارتكابها للذنوب) و كانتتستغيث بصوت عال عند نزول العذاب عليها، ولكن ما الفائدة فقد تأخّر الوقت! و لم يبقأمامهم متّسع من الوقت