حال كلّ مخلوق، و نظام خلقهم يقول: إنّاللّه خال من العيوب و النقص، و إنّه مقدّسو منزّه و عالم و قادر، و يمتلك كافّة صفاتالكمال.و لكن هذا المعنى لا يختصّ بداود حتّىيعدّ من مناقبه، و لهذا فإنّ التّفسيرالثاني يعدّ أنسب، و ما ذكر فيه غير مستبعدقياسا بقدرة اللّه.فالمناجاة موجودة داخل جميع مخلوقاتالكون، و ترانيمها تتردّد على الدوام فيبواطنها، و قد أظهرها اللّه سبحانه وتعالى لداود عليه السّلام، كما في الحصاةالتي كانت تسبّح اللّه و هي في يد رسولاللّه صلّى الله عليه وآله وسلّم.و تواصل الآية التالية استعراض نعم اللّهعلى داود عليه السّلام، قال تعالى: وَشَدَدْنا مُلْكَهُ أي ثبّتنا و أحكمنامملكته، بحيث كان العصاة و الطغاة منأعدائه يحسبون لمملكته ألف حساب لقوّتها.و إضافة إلى هذا فقد آتيناه الحكمة والعلم و المعرفة وَ آتَيْناهُالْحِكْمَةَ الحكمة التي يقول بشأنهاالقرآن المجيد وَ مَنْ يُؤْتَالْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراًكَثِيراً.(الحكمة) هنا تعني العلم و المعرفة و حسنتدبير امور البلاد، أو مقام النبوّة، أوجميعها.و قد تكون «الحكمة» أحيانا ذات جانب علميو يعبّر عنها بـ «المعارف العالية»، واخرى لها جانب عملي و يعبّر عنها (بالأخلاقو العمل الصالح) و قد كان لداود في جميعهاباع طويل.و آخر نعمة إلهيّة أنعمت على داود هيتمكّنه من القضاء و الحكم بصورة صحيحة وعادلة وَ فَصْلَ الْخِطابِ.و قد استخدمت عبارة (فصل الخطاب) لأنّ كلمة«الخطاب» تعني أقوال طرفي النزاع، أمّا(فصل) فإنّها تعني القطع و الفصل.و كما هو معروف فإنّ أقوال طرفي النزاع لاتقطع إلّا إذا حكم بينهم بالعدل، و لهذافإنّ العبارة هذه تعني قضائه بالعدل.