خارقة تجعله لائقا لخلافة اللّه، و الذيسجدت له الملائكة بأجمعها فور اكتمالعملية خلقه فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُكُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ.إلّا أنّ إبليس كان الوحيد الذي أبى أنيسجد لآدم لتكبّره و تمرّده و طغيانه، ولهذا السبب أنزل من مقامه الرفيع إلى صفوفالكافرين: إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَوَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ.نعم، فالتكبّر و الغرور من أقبح الأمورالتي يبتلى بها الإنسان، إذ أنّهما يسدلانالستار على عينه و بصيرته، و يحرماه منإدراك الحقائق و فهمها، و يؤدّيان به إلىالتمرّد و العصيان، و يخرجانه أيضا منصفوف المؤمنين المطيعين للّه إلى صفّالكافرين الباغين و الطاغين، ذلك الصفّالذي يترأسه إبليس و يقف في مقدّمته.و هنا استجوب البارئ عزّ و جلّ إبليس: قالَيا إِبْلِيسُ ما مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَلِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ من البديهي أنّعبارة (يدي) لا تعني الأيدي الحقيقيّةالمحسوسة، لأنّ البارئ عزّ و جلّ منزّه عنكافّة أشكال الجسم و التجسيم، و إنّما«اليد» هنا كناية عن القدرة، و من الطبيعيأنّ الإنسان يستعمل يديه ليظهر قدرته علىإنجاز العمل، و كثيرا ما تستخدم اليد بهذاالمعنى في محادثاتنا اليومية، إذ يقال:إنّ البلد الفلاني بيد المجموعةالفلانية، أو إنّ المسجد الفلاني بني علىيد الشخص الفلاني، و أحيانا يقال: إنّ يديقصيرة، أو إنّ يدك مملوءة، اليد في كلّ تلكالجمل ليس المقصود منها اليد الحقيقيةالتي هي أحد أعضاء الجسم، بل كناية عنالقدرة و السلطة و التمكّن.و من هنا فإنّ الإنسان ينفّذ أعمالهالمهمّة بكلتا يديه، و استخدامه كلتا يديهيبيّن اهتمامه و تعلّقه بذلك العمل، ومجيء هذه العبارة في الآية المذكورةأعلاه إنّما هو كناية عن الاهتمام الخاصّالذي أولاه البارئ عزّ و جلّ لعملية خلقالإنسان.ثمّ تضيف الآية: أَسْتَكْبَرْتَ أَمْكُنْتَ مِنَ الْعالِينَ أي أ كان عدمسجودك لأنّك استكبرت، أم كنت من الذينيعلو قدرهم عن أن يؤمروا بالسجود؟!