إنّ «العبادة» معناها و مفهومها واضح في اللغة العربية، و لو لم نتمكّن من تعريفها تعريفاً منطقياً بكلمة واحدة، فهي كالأرض و السماء اللَّتين لهما معنيان واضحان، بالرغم من أنّ الكثير منّا لا يستطيع تحديدهما بكلمة واحدة تحديداً كاملا، ولكن ذلك لا يمنع من تجسّم معنى الأرض والسماء في أذهاننا عند سماع لفظيهما.فــ «العبادة» و «التعظيم» و «الاحترام» و «التكريم» كالسماء و الأرض و غيرهما مفاهيم واضحة و إن لم نقدر على تحديدهما تحديداً بالجنس و الفصل شأن أكثر المفاهيم الدارجة في الألسن.إنّ الّذي يعشق أحداً و يُغرم بحبّه، تراه يُقبّل جدران بيت معشوقه و يشمّ ملابسه و يلصقها على صدره، و بعد وفاته يُقبّل قبره و يشمّ تربته... و مع ذلك كلّه لا يَعتبر أحدٌ عملَ هذا العاشق عبادة للمعشوق.كما أنّ مسارعة الناس إلى مشاهدة الأجساد المحنَّطة للزعماء في العالَم، أو مشاهدة آثارهم و منازلهم الّتي كانوا يعيشون فيها، و الوقوف دقائق حداداً على أرواحهم ،كلّ هذا لا يُعتبر عبادة عند أىّ شعب من شعوب العالَم، حتى لو كان حبّهم و خشوعهم لأُولئك على مستوى خشوع المؤمنين للّه سبحانه، فإنّ أهل المعرفة و التحقيق هم الذين يستطيعون الفصل بين الاحترام و بين العبادة.أيّها القارئ الكريم: و إذا حاولنا أن نُقدّم تعريفاً منطقياً لــ «العبادة» فإنّ لها ثلاثة تعاريف، وكلها تهدف إلى معنىً واحد.