وهابیة فی المیزان نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
و لكن هذا الدليل ـ كسائر أدلّتهم ـ باطل من عدّة وجوه:الأوّل: لم يَرد في أىّ كتاب ـ من كتب التاريخ و الحديث ـ ما يشير إلى أنّ أرض البقيع موقوفة، و لم يصرّح به أحد من المؤرّخين و المحدّثين. هذه كُتب التاريخ بين يديك، لا ترى فيها أثراً لهذا القول، بل أنه يُحتمل قويّاً أنّ البقيع كانت أرضاً مواتاً متروكةً كسائر الأراضي الموات، و كان أهل المدينة يدفنون موتاهم فيها، و على هذا فأرض البقيع كانت من «المباحات الأوَّلية» الّتي يجوزالتصرّف فيها مطلقاً، بأىّ شكل كان.لقد كان الناس ـ في العهود السابقة ـ غير حريصين على تملّك الأراضي البائرة الموات، إذ لم تكن الإمكانيّات متوفّره لديهم للقيام بالبناء و العمران إلاّ قليلا، كما لم تبدأ ـ يومذاك ـ هجرة أهل القرى إلى المُدن، و لم تكن هناك مشكلة باسم مشكلة «الأرض» و أفراد باسم «محتكري الأرض» ومؤسّسات عقاريّة باسم «بورصة الأراضي» و لهذا فإنّ أراضي واسعة كانت متروكة بلا مالك، وهي ما يُعبَّر عنها في الشريعة الإسلامية بـ «المباحات» و «الأراضي الموات ».و قد جرت العادة ـ في المدن و القرى ـ بأن يُخصِّص الناس قطعة من الأرض لدفن الموتى فيها، أو كان واحد منهم يَدفن فقيده في أرض، و يتبعه الآخرون في ذلك، من دون التفات إلى الوقف أصلا.و أرض البقيع ليست مستثناة من هذه القاعدة، فلم تكن الأرض ـ في الحجاز و المدينة ـ ذات قيمة، و مع وجود هذه الأراضي الموات المحيطة بالمدينة لم يكن يُقدم إنسان على وقف أرض زراعية ـ مثلا ـ لدفن الموتى، لأنّ الأراضي الزراعية كانت قليلة، بعكس الأراضي الموات فإنها كانت كثيرة و من المباحات الأوّلية.