سنتناول فيما يلي أهم الفروق الفنية، بين القصة القصيرة التقليدية، والأنواع القصصية الأخرى التي وجدت في الأدب الجزائري المعاصر، وذلك بقصد وضع الحدود الأساسية بين الأجناس الأدبية تسهيلاً لعملية البحث في القسم التطبيقي من هذه الدراسة والذي سيرد في الفصول القادمة.
1- الفرق بين القصة القصيرة والحكاية
تعد الحكاية من بين الأشكال النثرية التي مهدت لفن القصة القصيرة الفنية حيث أنها تتوفر على ملامح لعناصر القصة القصيرة ، إلاّ أنها ضعيفة وغير واضحة، كما أنها تنزع نحو الخيال والعالم الأسطوري والخرافي، وهذا ما يبعدها عن الفن القصصي الذي يهتم بتصوير الحياة الإنسانية والتعبير عنها.
2- المقال القصصي
امتازت الحياة الأدبية والثقافية والفكرية الجزائرية بانتعاش وبتطور ملموس خلال العقد الثالث من هذا القرن، ومع مرور الأيام تطور شكل المقال الإصلاحي في بعض الكتابات إلى مقال قصصي، وبدا أنه يغاير شكله الأول، ولا غرو في ذلك لأن كتابه أعضاء في جمعية العلماء، ومن المتحمسين لأفكارها وكانوا يبحثون عن الطرق الناجعة لإيقاظ الهمم، وإصلاح النفوس، وقد وجد بعضهم في المقال القصصي ضالته .
3- الصورة القصصية
يعد هذا الشكل الأدبي، أقرب الأشكال إلى القصة القصيرة الفنية: فهو الخطوة الفنية التي سبقت ظهورها، وهذا ما يفسر معاناة التحول في بعض النماذج الأدبية الأخرى لدى محمد بن العابد الجلالي، وأحمد بن عاشور، وأحمد رضا حوحو، وعبد المجيد الشافعي، إذ يمكن عدّ هذا التحول بمنزلة الظروف الصعبة التي ترافق انفصال الجنين عن أمه واستقلاله بكيانه الخاص، وحصوله على حجم مستقل تحدده سمات وعناصر خاصة.وقد استمر هذا التهيؤ الفني، إلى مشارف الخمسينات، حيث اتضحت معالم القصة الفنية، وذلك بتأثير من تطور الحركة الأدبية الجزائرية، وتراكم الخبرات الأدبية لدى الأدباء أنفسهم، واطلاعهم على نماذج القصة الفنية.ويمكن أن نحصر ملامح الصورة القصصية في النقاط التالية:1- تهتم الصورة القصصية، بعنصر القص، وبالحدث، كما هو، وليس بتطوره.2- الشخصية في الصورة القصصية نموذجية، لعيّنة من شرائح المجتمع، ولهذا فهي ثابتة غير نامية، كما أنها لا تتفاعل مع الحدث القصصي.3- الحوار لا تديره الشخصية الأدبية، وإنما تطغى عليه شخصية الكاتب، ويحس القارئ بالتدخل المباشر للكاتب الذي يكشف عن مرداه، وثقافته.4- نقص التركيز، وكثرة الحشو، والاستطراد، والتفاصيل.وأما من حيث المضمون فقد حاولت الصورة القصصية أن تستوعب مضمونات جديدة.فإلى جانب تركيزها على المشاكل الاجتماعية، ومعاناة الإنسان اليومية في ظل سلطة المحتل اهتمت أيضاً بإبراز أعمال المستعمر وآثاره السيئة في المجتمع، وأدانت بعض التقاليد السلبية التي تعرقل التطور الإنساني، وأسهمت إلى جانب المقالة في تقديم المبادئ الإصلاحية والأخلاق الدينية.
4- القصة الوسطى
هي شكل أدبي قصصي، يمكن وضعه بين القصة القصيرة والرواية لأنه يتضمن سمات كثيرة من فن الرواية، كتعدد الشخصيات، وتنوع الأحداث وكثرة التفاصيل وتناوله لقطاع حياتي أوسع من القطاع المتاح للقصة القصيرة.ويتراوح عدد كلمات"القصة الوسطى" بين خمسة عشر ألفاً، وثلاثين ألفاً.وقد شاء بعض النقاد أن يطلقوا على هذا الشكل القصصي مصطلح"الميني رواية" ، أو الرواية القصيرة، ومن نماذج هذا النوع في أدبنا الجزائري المعاصر"هنا تحترق الأكواخ" 1977 لمحمد زنيلي وحين يبرعم الرفض"1978 لإدريس بوذيبة.و"ناموسة" 1980، لشريف شناتلية، و"لقاء في الريف" 1980 لحسان الجيلاني.
5- الفرق بين القصة والرواية
القصة القصيرة تعبير عن موقف واحد لحياة شخصية واحدة وتتميز بوحدة حدثها وزمانها، ومكانها، وتشكيل ما يسمى بوحدة الأثر، أو الانطباع.كما أنها تنتهي بلحظة التنوير، فتجلو كل الغوامض السابقة، أما القصة التي لا تنتهي بلحظة تنوير، فلا تعدو أن تكون رواية قد اختصرت اختصاراً شديداً لأن الرواية يمكن أن تنتهي بأي شيء من الأشكال.ومع ذلك يظل معناها كاملاً، أما القصة القصيرة فيتحدد معناها بنهايتها" ، كما أن الرواية تعتمد في تحقيق المعنى على التجميع، بينما القصة القصيرة تعتمد على التركيز والإيجاز"وبوسع الرواية أن تصور حياة الشخصية عبر كل مراحلها، بينما القصة