يعد محمد الصالح الصديق أكثر الأدباء الجزائريين تأريخاً للثورة التحريرية، واهتماماً بها، فقد استوحى كثيراً من أحداث قصصه وشخصياتها من الواقع البطولي للثورة التحريرية، ويتميز في قصصه بعنايته الكبيرة بتفاصيل الأحداث وذكر الأمكنة والتواريخ وتسجيل سير الأبطال وقادة الثورة الحقيقيين.وقد اعترف بهذا الاهتمام في مقدمة مجموعته القصصية "عميروش وقصص أخرى" حيث قال: "ولم تكد تنتهي الثورة المباركة حتى كنت أعددت كتاباً بعنوان "الخالدون" ضم نحو سبعة عشر بطلاً مثل: "ديدوش مراد، وابن مهيدي وزيغود يوسف، وابن بو العيد، وعبان رمضان، وأحمد نصيب وأحمد عبد الرزاق وغيرهم..واهتم كذلك بالأسماء البطولية المعروفة في التاريخ الإسلامي والجزائري من مثل:خالد بن الوليد والأمير عبد القادر الجزائري ليؤكد المغزى الروحي للثورة الجزائرية ودفاعها عن الإسلام وأنها إحدى قلاعه الحصينة، وكذلك كي يعبئ النفوس ويهيئها للتضحية حتى تقبل على المعارك إقبال المجاهدين، وما من شك في أن أساس هذا المنطق الروحي في تصوير الصراع بين الجزائريين والفرنسيين عند الكاتب متأثر بالعقيدة الدينية، ومن هنا استلهم معركة "مؤتة" الشهيرة التي دارت بين جيش المسلمين بقيادة زيد بن حارثة وجيش الروم في السنة الثانية للهجرة، فقد رأى في هذه المعركة بعض ما يشبهها في إحدى معارك جيش جبهة التحرير الوطني، وكما رأى في شخص جعفر بن أبي طالب صورة نموذجية للبطولة والتضحية، فإنه رأى في حادثة استشهاد أحد المجاهدين في العقد الرابع من عمره صورة مشابهة للأولى في الشجاعة والاقدام على الفداء والتضحية من أجل إعلاء المبادئ والقيم.ولذلك فإن الطريقة التي استشهد بها جعفر بن أبي طالب هي نفسها عند المجاهد الجزائري في أثناء الحرب التحريرية (1954-1962)، وقد صور الصّديق ذلك في قوله (ولم يكادوا يشاهدون العلم الوطني، حتى غلت دماؤهم وجن جنونهم، وأخذوا يرسلون عليه وابلا من الرصاص، وهو يقفز من مكان إلى آخر، ويندفع إلى الأمام بخطوات عملاقة، ولما أصيبت يمناه، وأوشك العلم أن يتهاوى على الأرض، تلقفه بيسراه، حتى أصيبت هي الأخرى، وعندئذ احتواه بين ذراعيه، حتى مزقه الرصاص، وسقط شهيدا..ولم يقصر محمد الصالح الصديق همه على تصوير الصفات المعنوية للمجاهد، بل اهتم أيضاً بتصوير الجندي الفرنسي، فهو يتصف بالجبن والهلع، وفقدان زمام الأمور عندما يلتقي بالمجاهدين الجزائريين في ميدان المعركة، ولكنه يتحول إلى كائن مفترس وحشي عديم الإنسانية عشوائي الحركة، إذا اقتحم بيتاً أو غدر بأهالي إحدى المداشر أو قبض على أحد المواطنين العزل.كما يتباهى أفراد الجيش الفرنسي بالأعمال اللاإنسانية التي قاموا بها ضد مواطني القرى العزل كنوع من التعويض، وذلك بعد هزيمتهم على يد جيش جبهة التحرير الوطني، وتدل أعمالهم في قصصه على روح الانتقام وعنصر الشر الجاثمين في أعماق نفوسهم، ومن أنواع التعذيب في القرى أنهم يقتلعون أظافر القرويين بالكلاليب ويهشمون أسنانهم بالحجارة، ويبقرون بطون الحوامل، ويجرون عدداً كبيراً من الأهالي ثم يجبرونهم على الرقص والغناء أمام أفواه المدافع والرشاشات ثم يأخذون لهم صوراً بقصد تشويه كرامتهم وطعنها، وهي الصفة التي لا يتردد المواطن الجزائري لحظة في الموت من أجل تخليص المواطنين منها.استخدم الصديق للتعبير عن أفكاره عدة أشكال قصصية أهمها (شكل الرسالة) الذي استعمله في معظم الأحيان لتصوير وضع الثورة الداخلي ووصف المعارك كما، عبر به عن تطور حياة شخصيات قصصه، خصوصاً بعد أن تلتحق بصفوف جيش جبهة التحرير الوطني في الجبل أو بالتنظيمات الفدائية في المدن الجزائرية الكبرى، وقد تقوم بدور وسيط يحرض على الالتحاق بصفوف الثورة، ونشر الوعي الوطني بين فئات الشباب خاصة، ففي