نتناول فيما يلي بعض أركان البناء الفني في القصة القصيرة عند أحمد رضا حوحو وهي: الحدث- الشخصيات- الأسلوب- البيئة لتوافرها في أدب الكاتب أمام الضعف الفني الذي كانت الساحة الأدبية في الجزائر تشكو منه حين ظهوره.
1- بنية الحدث
تنوعت طرائق عرض الحدث عند حوحو، تنوعاً كبيراً، وتجب الإشارة إلى أن الطريقة التقليدية هي الغالبة في بناء الأحداث، ومرّد ذلك إلى تأثره بأساليب القصة التقليدية السائدة آنذاك في العالم العربي، ولعله كان يرى في الأساليب التقليدية روح أصالة شخصيته الأدبية.
فقد خصصت بعض المجلات أركاناً لنشر الشعر من دون غيره من الأشكال الأدبية الحديثة كالقصة، والمسرحية، والرواية، فمع أن مجلة البصائر خصصت عام 1937م باباً عنوانه"الأدب الجزائري"، فإنها لم تنشر فيه غير القصائد الشعرية ، وهذه النظرة تبدلت بعد الحرب العالمية الثانية، فظهرت في بعض المجلات أركان ثابتة للقصص فحسب ، وهي خطوة متقدمة لفن لم ترعه الصحافة من قبل، ولكن حتى عام 1955م.
ظلت مجلة البصائر الثانية تقصر ركن"لمحات من الأدب الجزائري الحديث" على نشر الشعر والدراسات حوله من دون غيره من الفنون الأدبية الأخرى..
وتبرز مقدرة حوحو الفنية في تنويعه لطرائق عرض أحداث قصصه.
أ- الطريقة التقليدية
استعمل حوحو الطريقة التقليدية أكثر من غيرها في قصصه، فبين عشرين قصة في مجموعتيه"صاحبة الوحي وقصص أخرى"، و"نماذج بشرية" وجدنا ثماني منها على الطريقة التقليدية، أي بنسبة 40% .
ففي قصة"فتاة أحلامي" تدرجت الأحداث من المقدمة إلى الخاتمة، متولدة عن بعضها بطريقة سببية، فالشاب يتحدث في البداية عن حياته في الثانوية، ويصف خجله الشديد الذي يعتريه كلما هم بالحديث مع الفتيات، وهناك كذلك حديث مطول عن بائعة الحلوى"بولوني".
ويمكن أن تعد هذه المقدمة، فصلاً من"سيرة ذاتية" لطالب تابع دروسه في القسم الداخلي، قدمها حوحو بشكل يكاد يكون متكاملاً لما فيه من ذكر أمكنة وأزمنة عديدة، ومتنوعة حيث يتحدث الراوي عن مغامرات زملائه في الشوارع أيام الأحد وعن الضجيج الذي يحدثونه في أثناء وجبات الطعام .
بعد هذه المقدمة الطويلة تدرج الحدث إلى أن بلغ به ذروته، وذلك ابتداء من جلوس بطل القصة ، في قاعة العرض السينمائي ومجيء الفتاة وجلوسها بجانبه.
وهذه العقدة بسيطة جدّاً، ونحن لا نقبل فنياً جلوس فتاة بجانب فتى طوال مدة عرض سينمائي، فيتحادثان، ثم يترافقان إلى المدرسة، من دون أن يتعرف عليها طوال هذه المدة.
لقد عرف الشاب أنها هي العانس"بولوني" قارعة جرس المدرسة، وذلك بعد سذاجة قصصية طويلة لم تكن مقنعة.
واستخدم حوحو الطريقة نفسها في عرض أحداث قصة"الفقراء" ، التي قدم لها بمقدمة عن تأثره بالكاتب الفرنسي"فيكتور هيجو" واقتباسه عنه .
وتبدأ القصة بهذه الجملة((كانت أسرة هذا الحوات الفقيرة تتكون من سبعة أشخاص، الأم والأب وخمسة أطفال صغار لا حول لهم ولا قوة) .
ثم ينمو الحدث بطريقة عفوية إلى ذروته عندما تحضر الزوجة طفلي جارتها إلى البيت، قبل استشارة زوجها.
ثم وجدت نفسها في حيرة ودهشة وخوف شديد من غضب زوجها الذي قد لا يوافق على ما أقدمت عليه بسبب شدة فقره، وكثرة أفراد عائلته وكثف حوحو حيرتها في فقرة بعبارة مركزة غنية بأدوات الاستفهام فلاءم بين الموقف، ودرجة إحساسها بالقلق والحيرة" وماذا تقول لهذا الزوج الذي يقضي طول نهاره، وجزءاً من ليله في كد متواصل وتعب شديد، وكفاح دائم في سبيل الحصول على ما يسد الرمق، وقد كانت الأسرة تضم سبعة فأوصلتها بفعلتها إلى تسعة، وما هذه الزيادة إلا زيادة في شقاء زوجها" .
وقد عبرت هذه العقدة عن معنى اجتماعي كبير يوحي بتضامن الفقراء، وبالإشارات الإنسانية النبيلة.
ثم أخذ الحدث يسرع نحو النهاية في شكل حوار بين الزوجين، ركز حوحو فيه المعنى القصصي حول مصير الطفلين اليتيمين والبعد الإنساني العميق الذي تتصف به نفوس الفقراء رغم وضعيتهم الاجتماعية السيئة، وشدة حاجتهم.
وعرض حوحو في مقدمة قصة"صديقي الشاعر" على لسان راوي الحدث ملامح شخصيّة القصة المحورية الخارجية والنفسية ، وتضمن كذلك حديثاً مفصلاً عن موهبة بطل القصة الأدبية، واصطدام تجربته الشعرية، رغم ثرائها بجدار الأدباء الشيوخ الذين يقدمون الأدب من خلال شخص صاحبه، وليس من خلال النصوص الأدبية وهذه إشارة ضمنية إلى