3-المصدر الاجتماعي - تطور البنیة الفنیة فی القصة نسخه متنی
لطفا منتظر باشید ...
الحكم..
وقد عد الدكتور محمد مصايف هذا الرأي من أجرأ ما عبر به الفن العربي عن إخفاق السياسة العربية، وأن تعليله هو التعليل الوحيد المناسب في هذا المجال .
ونتج عن شعور بعض السياسيين العرب بالضعف، وعدم الكفاءة أن استبدوا وجاروا وتصيدوا كل رأي يخالف رأيهم أو يعارضه، فسادات مظاهر القمع في الحياة العربية، وأصيب المواطن العربي بحالات الذعر والفزع.
ووفق وطّار في عرض مواقف الشعوب العربية من واقعها عندما شبهه بواقع الدودة التي غرزها الصياد في رأس الصنارة الحاد حيث تلوت مراراً، ثم تمددت مستسلمة للأمر الواقع، وهذه الحالة أشبه بحالة المواطن العربي عندما يعبر عن آرائه حول القضايا السياسية التي تفرض عليه فرضاً..
فقد يبدي استياءه بحركات بسيطة، ولكنه ما يلبث أن يستسلم ويسلم أمره لغيره، ويقبل عن مضض وضعه الجديد المفروض عليه، متحاشياً الصراع .
على أن وطاراً ربط هموم الصياد بهموم العالم الكلي الذي ينتمي إليه "فعبر عملية الصيد وما فيها من فرص النجاح أو الاخفاق كانت تتداعى في ذهن الصياد سيول من الأفكار، والخواطر التي تدفعه دفعاً للخروج من حدود اهتماماته الفردية وهو صيد الحوت إلى الاهتمامات الموضوعية ببعدها الشمولي ".
وفي نهاية القصة نقد للواقع، وكشف عن أسباب عدم تطور المواطن العربي وارتقائه، وذلك من خلال تمثيل الحالة الصحية للحوت وتشبيهه بواقع الشعب العربي.
لم يستطع الصياد أن يصطاد ولو سمكة واحدة، رغم طول المدة التي قضاها من الساعة السادسة صباحاً إلى الساعة السادسة مساء، وهذا الزمن بدوره لا يخلو من إيحاء إلى كون زمن الواقع العربي شبيه بالزمن (الصهيوني) الأسود والغامض.
لأن الحوت عاجز عن فتح فمه للقبض على الدودة، كان مصروعاً، وكذلك لا يستطيع الشعب العربي أن يتطور، ولا أن يتحرر مادام مكمم الأفواه، لا يستطيع التعبير عما يجول في نفسه من آراء أو أفكار.
وقد نجح وطار في التعبير عن هذه الفكرة عندما جعلها تتواتر كخواطر في أعماق الصياد، بل كان يخشى أن تلتقطها آذان الحوت.
ومن هنا فإن شخصية الصياد في هذه القصة، هي رمز لشخصية السياسي العربي والذي يكتفي بإعادة دور "سيزيف"، ويكرر إلقاء السنارة في الماء كما كان سيزيف يعيد الصخرة من أسفل الجبل، ثم يحاول الوصول بها إلى القمة على نحو ما أوحت به نهاية القصة: "في المرة القادمة يكون الطقس أحسن، وتكون الاهتزازات أكثر وأصدق" .
وكشف عن السياسي المزيف في شخص بطل قصته "اشتراكي حتى الموت" فهذا الرجل يؤمن بالأفكار الاشتراكية، وأخلاقياتها، ولكنه على المستوى العملي يتصرف على خلاف ما يدعو إليه، ويرسم لنفسه حياة على عكس الحياة التي يصورها للمناضل الاشتراكي.
وقد انتقد وطار الوضعية الاجتماعية للمناضل الاشتراكي فرأى أن الدولة تمنحه شهرياً راتباً كبيراً يفوق احتياجاته بكثير، وأن هذا الفائض يتحول إلى رأس مال كبير بعد تكديسه، وبذلك فقد عملت الدولة من دون أن تدري في تحول إطاراتها الاشتراكيين إلى رأسماليين كبار يهددون وجودها بتصرفاتهم، وممارساتهم.
إن الواقع المعيش مدان هو بدوره من طرف الأشكال التعبيرية، وقد تجلى ذلك في النهاية المأساوية التي انتهت بها حياة بطل القصة إذ اصطدمت سيارته بشاحنة ضخمة .
وهكذا حدد وطار نهاية كل مناضل اشتراكي، يتجاوز وضعه رسم الإطار المادي والمعنوي للمناضل الاشتراكي، بحيث لا يطغى طرف على آخر، كما أنه يجب ألا يتجاوزه حتى لا تظهر التناقضات والفوارق وهي أخلاقيات يدينها الفكر الاشتراكي.
إن اقتحام مثل هذه الموضوعات قليل في الأدب العربي المعاصر، لأنها تتطلب تضحية لا يتحملها إلا النادر من الكتاب كالطاهر وطار، والذي يعد أبرز كاتب عربي ولج العالم السياسي وتمكن من الوصول إلى حصونه السود، وأحدث فيها شروخاً كبيرة، وقد خطا بذلك الخطوة الأولى للكتابة السياسية في الأدب القصصي الجزائري.
3-المصدر الاجتماعي
عاش المجتمع الجزائري في أثناء الاحتلال الفرنسي، وخصوصاً سنوات الحرب التحريرية (1954-1962) ظروفاً استثنائية، حيث سنت في هذه السنوات قوانين جائرة، وشنت حملات عسكرية أبادت قرى ومناطق ريفية عديدة آهلة بالسكان كما زجّ بآلاف المواطنين في غياهب السجون، وتفرقت أسر كثيرة عن بعضها وشردت عن أملاكها وأراضيها، وقام المستعمر منذ أن وطئت أقدامه السوداء أرض الجزائر في عام 1830، بعمليات تخريب الحياة الحضرية والعمرانية.
قال أحد القادة الاستعماريين