للسموم الاستعمارية التي كانت تفحّ وسط الشعب الجزائري الأعزل.
إلا أن المقال القصصي أخذ يتطور فنياً كلما مرت الأعوام، إذ حدث أن كثرت تجاربه وكثر كتابه وازداد تمكناً واطلاعاً على ثقافة العصر، وأهم خصائصه الفنية في أواخر هذه المرحلة أي منذ عام 1947م، هي أن عنصر الحوار تركز حول موضوعات جديدة في السياسة والثقافة والفكر بالإضافة إلى الدين.
وبعد: فإنه يمكننا القول إن القصة الجزائرية ظهرت في صورتها الأولى على شكل مقال قصصي امتزجت فيه الأنواع الأدبية الأخرى كالمقامة والرواية والمقالة، وإنه نشأ في بدايته الأولى متأثراً-خصوصاً في موضوعاته- بالمقال الديني الإصلاحي ولكنه ما لبث أن طور عنصر السرد والموضوعات الإصلاحية، فاعتنى كثيراً في مرحلته الثانية بالحوار حتى يستجيب لكثرة الآراء واختلافها، والتي نشأت متأثرة بفضل عوامل عديدة شهدها المجتمع الجزائري بعد الحرب العالمية الثانية كتطور الوعي الوطني وتفتح الكتاب الجزائريين على ثقافات غيرهم .
ب-الصورة القصصية
ظهرت الصورة القصصية في المرحلة التي نشأ فيها المقال القصصي.
وذلك في كتاب"الإسلام في حاجة إلى دعاية وتبشير" لمحمد السعيد الزاهري وأول صورة قصصية ظهرت خلال المرحلة الأولى، هي صورة"عائشة" التي تصدرت مواد ذلك الكتاب.
كما تناولت الصورة القصصية في هذه المرحلة الموضوعات الإصلاحية التي عالجها المقال القصصي، ولم تختلف عنه كثيراً من حيث الجانب الفني سواء في تنوع الأحداث، أم من حيث الشخصيات، وقد اتسمت عموماً بقصر الحجم الذي هو أحد خصائص القصة القصيرة.
ويلاحظ عليها ضعف الحوار.
فهو لا يناسب شخصياتها الرئيسية.
حيث تطغى عليها شخصية المؤلف، خصوصاً الثقافية.
وينطبق هذا بالخصوص على شخصيات الزاهري، وكذلك بعض شخصيات الجلالي.
وهي غالباً ما تنتهي بخاتمة وعظية مباشرة، وغير مناسبة يعلق فيها الكاتب"موضحاً أو داعياً إلى فكرة أو رافضاً لها.
بعد الحرب العالمية الثانية تطورت الصورة القصصية تطوراً كبيراً في الشكل أو المضمون، وعني الكتاب برسم شخصياتهم الفنية، كما أولوا عناصر السرد والحوار اهتماماً حسناً، وتناولوا قضايا جديدة كحرية المرأة والحب والزواج بالأجنبيات، وكذلك الشخصية المنحرفة التي تتاجر بالدين وتستغله للحصول على المال دون عناء، وقد تركزت الصورة القصصية حول ثلاثة محاور:
1- رسم الشخصية"الكاريكاتورية"، ويتضح ذلك من خلال وصفها وتحديد تصرفاتها وإشاراتها الظاهرة بغرض السخرية من مواقفها وأعمالها.
2- الإلحاح على فكرة نقد المجتمع وعاداته وتقاليده ونقد الاستعمار ومخلفاته وتكاد الشخصية في هذا المحور تختفي بسبب التركيز على تصوير الحدث القصصي وقد نشأ عن هذا انفصال بين الشخصية وبين الحدث.
3- وصف الطبيعة والحب وغيرهما من الموضوعات الرومانسية، وهنا تنعدم الشخصية بسبب التركيز الشديد على وصف الطبيعة ومظاهرها.
ويمكن ملاحظة أن الصورة القصصية شهدت خلال هذه المرحلة الممتدة إلى غاية 1956، تطوراً في عناصر فنية أخرى، كالعناية باللغة، بحيث صارت أكثر إيحاء ورمزية، وكالاهتمام برسم(الحدث الواحد) والتركيز عليه لتصويره من جميع نواحيه.
ومع ما يلاحظ من بساطة الشكل الفني الذي ظهر به كل من المقال القصصي والصورة القصصية، فقد أدى هذا الشكل دوراً مهماً في نشوء القصة الفنية الجزائرية فيما بعد، ثم إن هذا الشكل القصصي قام ولمدة غير قصيرة بالتعبير عن أفكار الأدباء واهتماماتهم الإصلاحية خير قام.
ولإيضاح ذلك نعرض فيما يلي إنتاج بعض أعلام هذه المرحلة (1925- 1956)، والخصائص الفنية لهذين الشكلين القصصيين ودورهما في نشأة القصة الجزائرية المعاصرة.
ثانياً
كتاب القصة الإصلاحية.
يصعب إحصاء التجارب القصصية في هذا الميدان فالأسماء كثيرة والنتاج غزير متناثر في الصحافة الجزائرية والعربية، ولهذا قصرنا الكلام على أهم كتاب القصة الإصلاحية.
1- محمد بن العابد الجلالي
بذل محمد بن العابد الجلاّلي جهوداً طيبة في سبيل إرساء تقاليد الفن القصصي في الأدب الجزائري المعاصر، فقد شرع ابتداء من شهر يناير عام 1935 بنشر قصصه بمجلة"الشهاب"، حتى إذا كان عام 1937 بلغ عدد قصصه المنشورة سبعاً حملتها جريدة"الشهاب" حسب الترتيب التالي:
1- في القطار، عدد يناير 1935