لم ترد البيئة الريفية الحجازية في قصص حوحو كثيراً، ولعل ذلك بسبب أن حوحو استقر في المدينة وعاش فيها أكثر مما عاش في الريف والبادية.تظهر البيئة البدوية بوضوح في قصة "خولة" التي تعد أطول قصة في المجموعتين المطبوعتين ، وأهم ما تتصف به البيئة هنا، أنها واسعة جداً، بحيث لا يمكن أن يطيقها شكل أدبي قصير كالقصة، كما امتازت بالتنوع والتعدد، وهو الأمر الذي نشأ عنه كثرة الأحداث والشخصيات، مما كاد يجعل بنية هذه القصة بنية روائية.وقد عبر عن عنصر البيئة بعدة وسائل كذكره للأمكنة، وأسماء القرى، والظواهر الطبيعية كـ: "الواد، الغدير، الجبال، الأغنام، المرعى".ووصف مشاهد الطبيعة كقوله على لسان الراوي: "حتى إذا ما وصل إلى أحد الغدران الكبيرة، ترك غنمه تنهل، وتغلي على ضفافها، وتنحى ناحية حيث جلس تحت ربوة مخضرة، ووضع عصاه جنبه وغدا يرمق بحنان وسرور، تارة أغنامه وهي ترتع على ضفاف الغدير شبعانة مرتاحة ويرسل بصره الحاد مرة أخرى: والشمس تطل من بعد مرسلة أشعتها الذهبية المتموجة، وهي تتأهب للمغيب، كأنها تلقي نظرة وداع على هذا الوادي الجميل وهو غارق في سكونه .إن عنصر البيئة في هذه القصة واسع لا تطيقه القدرات الفنية للقصة القصيرة.وقد كان بإمكانه أن يحوّلها إلى رواية بكل سهولة.إلا أن غياب النموذج الروائي، وتعثر النقد الأدبي في الجزائر، قد حالا دون ذلك.
ج-البيئة الفرنسية
وردت ملامح البيئة الفرنسية في قصتين: الأولى بعنوان: "الفقراء" والثانية بعنوان "التلميذ"، وهما تدلان على مدى تأثر حوحو بالثقافة الفرنسية.فالأولى تدل على تأثره بقصة "البؤساء"، لفيكتورهيجو بينما تدل الثانية على إعجابه بشخصيته "دروت" أحد قادة الجنرال "بونابرت".وقد اتفقت القصتان على تصوير الريف الفرنسي وقسوة العيش فيه، حيث وقعت قصة "الفقراء" في بيئة جبلية على شاطئ المحيط، فحفلت بالظلمة الشديدة، والرياح والفقر والعواصف.وقد أدت دورها الفني في تقوية الجانب الدرامي في القصة، فالإحساس بالجوع الشديد وشدة سواد الظلمة وقوة الرياح من شأنه أن يعمق الاحساس بالألم والخوف.وعموماً فهي بيئة مناسبة لمعالجة الموضوعات الاجتماعية كالفقر، وتضامن الضعفاء في أوقات الشدة.أما البيئة في قصة "التلميذ" فهي نوعان: بيئة قروية شديدة الفقر والتخلف، تتجلى ملامحها من خلال تحركات الطفل "دروت" في أثناء جولانه بشوارع القرية من أجل بيع قطع الخبز التي كلفه والده بها وتظهر بعض صفاتها أيضاً من خلال وصف القاص لبطل قصته، وحديثه عن الظروف التي يذاكر فيها دروسه .أما النوع الثاني، فيصور بيئة عسكرية، وقد جاءت ملامحها في أثناء اجتياز الشاب "دروت" امتحان مسابقة الدخول إلى المدرسة الحربية وأهم ملامحها الانضباط، والصرامة، وهي صفات معنوية.والخلاصة التي يمكن أن نستخلصها مما سبق هي أن عنصر البيئة، خدم عموماً بعض العناصر القصصية، حيث أسهم في بلورة الحدث وإبراز الهدف الذي رمى إليه حوحو كتصويره للتضامن بين الفقراء وكفاحهم من أجل تطوير حياتهم وتحسين ظروفهم الاجتماعية وتصوير قسوة الطبيعة.ويدلنا هذا على أنواع القصص التي كان حوحو يهتم بنقلها إلى اللغة العربية، ونشرها بين قراء العربية، حيث كان يهدف من وراء ذلك إلى نشر مبادئ الأخوة والتعاطف والكفاح من أجل الحياة الكريمة وسعادة الإنسان.