عمار"، و"أحد منتزهات وهران".
وتكاد قصة"عائشة" تتوافر على معظم خصائص تجربته في مجال الكتابة القصصية.
حيث توفرت فيها عدة أركان للقصة سنعرض لبعضها بإيجاز فيما يلي:
أ- البيئة القصصية
في قصة(عائشة) تبدو البيئة القصصية واضحة تماماً، ويمكن تصنيفها: بيئة جزائرية وأخرى فرنسية.
فالبيئة الجزائرية تمتاز(قصصياً) بالتنوع مع أن الوسط الاجتماعي الذي جرى فيه الحدث وسط"ثقافي" وقد تعمد القاص ذكر اسم البيئة وتاريخ وقوع الحدث على لسان شخصية الراوي الذي يوجد شبه كبير بين سيرته وسيرة محمد السعيد الزاهري نفسه، واستهلها بقوله: "كنت بعاصمة الجزائر سنة 1344هـ، وصمت بها رمضان ذلك العام، وكنا رفقة نجتمع كل ليلة من ليالي رمضان" .
ثم يذكر الراوي تاريخ تنقله داخل الجزائر بالتفصيل، والمكان الذي سافر إليه وما حدث له .
والملاحظ أنها بيئة علمية إصلاحية، ومع، ذلك فإن وظيفتها في بناء القصة ضعيفة، تفتقر إلى التركيز والإيحاء، كما أن تنوعها يقربها من روح البيئة الروائية.
ولتصوير البيئة الفرنسية استعمل الزاهري أسلوب"الرسالة" لتصويرها فقد وصلت إلى الراوي رسالة من صديقه المحامي بفرنسا يخبره فيها بحياة أسرته في فرنسا، وإعلان زوجته إسلامها، وتشتمل الرسالة على حاشية بخطها بينت له فيها فضله عليها، واقتناعها بسعة علمه وقوة حججه التي كان يحاور بها زوجه .
وروت له في رسائلها إليه-بعد أن اختار لها اسم(عائشة) لتعوض به اسمها المسيحي- إعجاب زميلاتها الفرنسيات باسمها الجديد، وبسيرة(عائشة) زوج الرسول صلى الله عليه وسلم .
إنها بيئة علمية ، إصلاحية، ولكنها تفتقر إلى التركيز والإيحاء.
ب- الشخصيات في قصة(عائشة)
ثلاث شخصيات(الراوي) وصديقه(المحامي الجزائري) و(زوجته الفرنسية) المسيحية، وهناك شخصيات ثانوية ذكر اسم بعضها كاسم الشيخ العلامة(مبارك الميلي)، وترك الشخصيات الأخرى مجهولة، جاء الحديث عنها على لسان زوجة المحامي.
وقد سلك الزاهري الطريقة التحليلية في عرض هذه الشخصيات حيث جاءت شخصية المحامي على لسان الراوي في بداية القصة، حيث وصف سوء فهمه للإسلام، وعدم قيامه بالواجبات الدينية: كالصلاة والصوم .
إلا أن القاص سرعان ما ركز على(زوجة المحامي) التي تعد الشخصية المحورية في القصة، فقد تابع سيرتها منذ أن كانت في الجزائر تحضر إلى جلسات زوجها مع الراوي وتستمع باهتمام إلى مناقشاتهما حول المبادئ الإسلامية والتبشير بها في كل بيئة ووسط، واستخدم أسلوب"الرسائل" لمتابعة تطور شخصية الزوجة في فرنسا-وهي وسيلة وفق في توظيفها للتعبير عن فكرته الإصلاحية، حيث تبودلت رسائل عديدة بينها وبين الراوي، فكتبت إليه عن اقتناعها وإعجابها بالمبادئ الإسلامية، واعتناقها الدين الإسلامي عن رغبة وحب، واختار لها هو بدوره اسماً إسلامياً هو اسم"عائشة" قدوة بسيرة عائشة زوجة الرسول صلى الله عليه وسلم .
وهكذا أفاد الزاهري من الموضوع الإصلاحي فسخر كل إمكانياته المعرفية لصبه في قالب قصصي جاء في شكل الصورة، وأدى هذا إلى بروز شخصيته وطغيانها على الشخصيات وامتداد عنصر الزمن.
إن في قصصه بذوراً أولية لفن القصة وخصوصاً قدرته على إدارة عنصر السرد، وتركيز الفكرة وتنويع البيئات.
3- أحمد بن عاشور
تركزت موضوعات قصص أحمد بن عاشور الأولى حول الموضوعات الإصلاحية كخطر الزواج بالأجنبيات، والانحراف الديني، وتقليد المرأة الجزائرية للعادات الفرنسية، والشعوذة وغيرها من الموضوعات الاجتماعية، فقد بلغ عدد قصصه التي كتبها من سنة 1940 إلى سنة 1956م زهاء مائة ، ثم غير اتجاهه، وتخصص في كتابة القصص التي تصور المعارك بين المجاهدين وقوات الجيش الفرنسي، فعبر عن بطولاتهم، سواء في الجبال أو في المراكز العسكرية التي حشدت الإدارة الاستعمارية الأهالي فيها بهدف عزل الثورة عن الشعب.
وأهم قصصه التي صورت أبطال هذه المرحلة(1940-1956)، قصصه: "صالح وخطيبته"، و"من حديث الحجاج في الدكاكين" و"الرجلان والدب الأبيض".
وصف الدكتور
أبو القاسم سعد الله أبطال قصص أحمد بن عاشور التي كتبها في هذه المرحلة بأنها مثال للبطل الأرضي الذي لا يهمه إلاَّ إشباع غرائزه الدنيا بما فيها من أنانية، وجبن وبشاعة، ولو أدّى به ذلك إلى التضحية بوطنه أو مبدئه أو دينه وجميع