اهتم القاصون بالبنية الخارجية لهذه الشخصية، مثلما اهتموا بتصوير صفاتها المعنوية، فإما أن يصوروها عن طريق الأعمال التي تقوم بها، أو من خلال أحاديث الشخصيات الأخرى عنها، سواء كانت رئيسة أو مساعدة في القصة.صورة (الجنرال) في قصة (الرجل المزرعة) ، جاءت على لسان (عيسى العايب) وقد جمعت بين المادية والمعنوية، فمظاهره توحي بأنه يقدر على تسيير معركة كبرى بمفرده، أما قواه الداخلية فقد جاءت على عكس ذلك إذ اختفى من المعركة حالما دمدمت مدافعها .مثل هذا التصوير مقصود وذو غاية مهمة، وهي التأكيد على أن هذه الأجسام الطويلة ذات البطون المنتفخة والوجوه المحمرة هي أجسام لا تخيف بل تخشى الموت والهلاك، وقد قصد الكاتب إلى رسمها بهذه الصورة ليشارك في التعبئة العامة، ويزيح الخوف والرعب من نفوس كثيرة.في قصة " من يوميات فدائي" يبرز الطمع، فالفرنسي يصاب بدهشة كبيرة عندما يعلمه الفدائي الذي تنكر في صورة "ساعاتي" بثمن الساعة الواحدة، حيث قرر شراء جميع الساعات .إن ورود الضابط الفرنسي قليل في القصة الجزائرية بالقياس إلى الشرطي أو الجندي، ولعل السبب يعود إلى أن اتصاله بالجزائري كان قليلاً على عكس الشرطي والدركي والسجان فهؤلاء كان اتصالهم بالجزائري قوياً ودائماً.
ب-الشرطي
يعد الشرطي الفرنسي في القصة الجزائرية مصدراً من مصادر أعمال العنف والآلام التي عانى منها المواطن الجزائري، خلال سنوات الحرب التحريرية، وقد رسمت القصة للشرطة الفرنسية صورة موحشة كأيام النحس والشؤم التي يجدها المواطن الجزائري أينما ولى وجهه، في الشارع، وفي الإدارة، وفي مقر العمل، تقتحم عليه أبواب مساكنه في أي وقت شاءت.ولذلك فإن تأثيرها كان قوياً في أحداث القصة، وظهرت في شتى أشكال القبح والنذالة والخسة ونعتها الكتاب بكل النعوت المثيرة للضحك والسخرية والاشمئزاز، والمكر والخداع، والشراسة.فقصة "يد الإنسان" ، تصف شرطياً فرنسياً اعترض سبيل فتاة جزائرية فدائية: "وإذا بشرطي أشقر عريض المنكبين رأسه كرأس الثور، يقف أمام الباب، كان قميصه الأصفر مبلول إلابطين من عرقه .كانت الشرطة الاستعمارية في القصة تمارس أعمال القمع والاضطهاد ضد المواطنين الجزائريين الأبرياء سواء في الجزائر أم في فرنسا، فهي تشدد عليهم الخناق والحصار والمضايقة والقهر والاضطهاد والاستغلال، وتطرد عشرات المغتربين أو تلقي بهم في غياهب السجون الفرنسية، أو تصادر أملاكهم وأموالهم، أو تقتل من شاءت، فشخصية الشرطي الفرنسي في القصة أو في الواقع هي نفسها، سواء كانت في الجزائر أم في فرنسا، حيث أن طباعه، وصفاته واحدة لا تتغير، وهكذا نظر الكاتب إلى الشرطة على أنها أداة من أدوات القمع التي تستعملها السلطات الاستعمارية.رسم المغترب (المولود) في قصة "المغترب" ، صورة الشرطي في حواره النفسي قائلاً: "لم يعلم أحد بسبب مجيء الشرطة ولا بوقت مجيئها..وقفت السيارة أمام المحل، ونزلت الشرطة شاهرة في وجوهنا أسلحتها وقالت: الجميع إلى السيارة" ، كما ساهم عنصر الحوار في هذه القصة في تبيان ملامح شخصية الشرطي الفرنسي، وخاصة الحوار الطويل الذي جرى بين محافظ الشرطة، و(المولود) .
5-شخصية الأجنبي غير الفرنسي
إن شخصية الأجنبي غير الفرنسي، نادرة الوجود في القصة الجزائرية القصيرة، ويعود سبب ذلك إلى إقامة كتاب القصة طوال حرب التحرير في بيئات عربية، خاصة القريبة من وطنهم كتونس مثلاً.وأهم شخصية أجنبية غير فرنسية هي شخصية بطلة قصة "الأميرة وماسح الأحذية" ، التي يجري حدثها القصصي في ستينات القرن الماضي، وقد ذكر كاتبها الدكتور أبو العيد دودو ذلك في مقدمة قصيرة صدر بها قصته، حيث قال: (تجري أحداث هذه القصة في ستينات القرن الماضي، وقد أشار إليها بعض الأروربيين إشارة عابرة، فحاولت وضعها في إطار قصصي، إنها مجرد محاولة لتصوير جوانب من واقع تاريخي ".قدمت ملامح هذه الشخصية في أثناء السرد القصصي الذي جاء على لسان الكاتب، حيث عرف بها في قوله: "وكانت العجوز أميرة روسية في حوالي الخمسين من عمرها، حاولت جهدها أن تخفي سنواتها هذه تحت ستار من المساحيق كثيف، رشيقة القوام، شقراء الشعر، وكانت ضفائرها مقصوصة تجعل المرء يتصورها، إن هو رآها من خلف ابنة في ربيعها العشرين، وكانت